الجزيل من الله من يكف نفسه عن الفعل عند قيام هذا الهم أو مشارفة الهم كقولك : قتلته لو لم أخف الله. انتهى.
ورد هذا القول بأنه مخالف لما ثبت في اللغة من معنى الهم وهو القصد إلى الفعل مع مقارنته ببعض الأعمال الكاشفة عن ذلك من حركة إلى الفعل المراد أو شروع في بعض مقدماته كمن يريد ضرب رجل فيقوم إليه وأما مجرد ميل الطبع ومنازعة القوة الشهوانية فليس يسمى هما البتة والهم بمعناه اللغوي مذموم لا ينبغي صدوره من نبي كريم ، والطبع وإن كان غير مذموم لخروجه عن تحت التكليف لكنه لا يسمى هما.
أقول : هذا إنما يصلح جوابا لقولهم : إن المراد بهمه عليهالسلام ميل الطبع ومنازعة الشهوة ، وأما تجويزه أن يكون المراد بالهم الإشراف على الهم فلا ، بل هو قول على حدة في معنى الآية وهو أن يفرق بين الهمين المذكورين فالمراد بهمها القصد العمدي إلى المخالطة وبهمه إشرافه عليهالسلام على الهم بها من دون تحقق للهم بالفعل والقرينة عليه هو وصفه تعالى إياه بما فيه مدح بالغ ، ولو كان همه حقيقيا بالقصد العمدي إلى مخالطتها كان فعلا مذموما لا يتعلق به مدح أصلا فمن هنا يعلم أن المراد بهمه عليهالسلام إشرافه على الهم لا الهم بالفعل.
والجواب : أنه معنى مجازي لا يصار إليه إلا مع عدم إمكان الحمل على المعنى الحقيقي ، وقد تقدم أنه بمكان من الإمكان.
على أن الذي ذكروه في معنى رؤيته برهان ربه وأن المراد بها الرجوع إلى الحجة العقلية القاضية بوجوب الانتهاء عن النواهي الشرعية والمحارم الإلهية معنى بعيد من اللفظ إذ الرؤية لا تستعمل إلا في الإبصار الحسي أو المشاهدة القلبية التي هي بمنزلتها أو أظهر منها ، وأما مجرد التفكر العقلي فلا يسمى رؤية البتة.
٣ ـ ومن الأقوال في الآية : أن المراد بالهمين مختلف فهمها هو قصدها مخالطته وهمه بها هو قصده أن يضربها للدفاع عن نفسه ، والدليل على التفرقة بين الهمين شهادته تعالى على أنه من عباده المخلصين وقيام الحجة عقلا على عصمة الأنبياء عليهمالسلام.
قال في مجمع البيان ، : إن الهم في ظاهر الآية قد تعلق بما لا يصح تعلق العزم به على الحقيقة لأنه قال : « وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها » فعلق الهم بهما وذاتاهما لا يجوز أن يراد ويعزم عليهما لأن الموجود الباقي لا يصح أن يراد ويعزم عليه فإذا حملنا الهم في الآية على العزم فلا بد