نعيت على آدم زلته ، وعلى داود وعلى نوح وعلى أيوب وعلى ذي النون وذكرت توبتهم واستغفارهم كيف وقد أثنى عليه وسمي مخلصا؟.
فعلم بالقطع أنه ثبت في ذلك المقام الدحض وأنه جاهد نفسه مجاهدة أولي القوة والعزم ناظرا في دليل التحريم ووجه القبح حتى استحق من الله الثناء فيما أنزل من كتب الأولين ثم في القرآن الذي هو حجة على سائر كتبه ومصدق لها ، ولم يقتصر إلا على استيفاء قصته ، وضرب سورة كاملة عليها ليجعل له لسان صدق في الآخرين كما جعله لجده الخليل إبراهيم عليهالسلام. وليقتدي به الصالحون إلى آخر الدهر في العفة وطيب الإزار والتثبت في مواقع العثار.
فأخزى الله أولئك في إيرادهم ما يؤدي إلى أن يكون إنزال الله السورة التي هي أحسن القصص في القرآن العربي المبين ليقتدى بنبي من أنبياء الله في القعود بين شعب الزانية وفي حل تكته للوقوع عليها ، وفي أن ينهاه ربه ثلاث مرات ، ويصاح به من عنده ثلاث صيحات بقوارع القرآن وبالتوبيخ العظيم وبالوعيد الشديد وبالتشبيه بالطائر الذي سقط ريشه حين سفد غير أنثاه وهو جاثم في مربضه لا يتحلحل ولا ينتهي ولا يتنبه حتى يتداركه الله بجبريل وبإجباره ، ولو أن أوقح الزناة وأشطرهم وأحدهم حدقة أجلحهم وجها لقي بأدنى ما لقي به مما ذكروا لما بقي له عرق ينبض ولا عضو يتحرك فيا له من مذهب ما أفحشه ومن ضلال ما أبينه. انتهى.
وما أحسن ما قال بعض أهل التفسير في ذم أصحاب هذا القول إنهم يتهمونه عليهالسلام في هذه الواقعة وقد شهد ببراءته وطهارته كل من لها تعلق ما بها فالله سبحانه يشهد بذلك إذ يقول : « إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ » والشاهد الذي شهد له من أهلها إذ قال : « إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ » إلى آخر الآيتين ، والعزيز إذ قال لامرأته. « إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَ » وامرأة العزيز إذ قالت : « الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ » والنسوة إذ قلن : « حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ » ويوسف ينفي ذلك عن نفسه وقد سماه الله صديقا إذ قال : « أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ».
وعمدة السبب في تعاطيهم هذا القول أمران :
أحدهما : إفراطهم في الركون إلى الآثار وقبول الحديث كيفما كان وإن خالف