وفي قوله : « عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ » إيجاد الرجاء في نفوسهم لتكون نفوسهم واقعة بين الخوف والرجاء من غير أن يحيط بها اليأس والقنوط ، وفي قوله : « إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ » ترجيح جانب الرجاء.
قوله تعالى : « خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » التطهير إزالة الأوساخ والقذارات من الشيء ليصفى وجوده ويستعد للنشوء والنماء وظهور آثاره وبركاته ، والتزكية إنماؤه وإعطاء الرشد له بلحوق الخيرات وظهور البركات كالشجر يقطع الزوائد من فروعها فتزيد في حسن نموها وجودة ثمرتها فالجمع بين التطهير والتزكية في الآية من لطيف التعبير.
فقوله : « خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً » أمر للنبي صلىاللهعليهوآله بأخذ الصدقة من أموال الناس ولم يقل : من مالهم ليكون إشارة إلى أنها مأخوذة من أصناف المال ، وهي النقدان : الذهب والفضة ، والأنعام الثلاثة : الإبل والبقر والغنم ، والغلات الأربع : الحنطة والشعير والتمر والزبيب.
وقوله : « تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها » خطاب للنبي صلىاللهعليهوآله ، وليس وصفا لحال الصدقة ، والدليل عليه ضمير بها الراجع إلى الصدقة أي خذ يا محمد من أصناف أموالهم صدقة تطهرهم أنت وتزكيهم بتلك الصدقة أي أخذها.
وقوله : « وَصَلِّ عَلَيْهِمْ » الصلاة عليهم هي الدعاء لهم والسياق يفيد أنه دعاء لهم ولأموالهم بالخير والبركة وهو المحفوظ من سنة النبي صلىاللهعليهوآله فكان يدعو لمعطي الزكاة ولماله بالخير والبركة.
وقوله : « إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ » السكن ما يسكن إليه الشيء والمراد به أن نفوسهم تسكن إلى دعائك وتثق به وهو نوع شكر لسعيهم في الله كما أن قوله تعالى في ذيل الآية : « وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » سكن يسكن إليه نفوس المكلفين ممن يسمع الآية أو يتلوها.
والآية تتضمن حكم الزكاة المالية التي هي من أركان الشريعة والملة على ما هو ظاهر الآية في نفسها ، وقد فسرتها بذلك أخبار متكاثرة من طرق أئمة أهل البيت عليهالسلام وغيرهم.
قوله تعالى : « أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ » استفهام إنكاري بداعي تشويق الناس إلى إيتاء الزكاة ،