« بِإِيمانٍ » وقوله : ( كُلُّ امْرِئٍ ) « إلخ ».
ولو كان الحكم في الآية غير مقيد بقيد الإيمان والعمل الصالح وكانوا مرضيين عند الله مغفورا لهم أحسنوا أو أساءوا واتقوا أو فسقوا كان ذلك تكذيبا صريحا لقوله تعالى : « فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ » التوبة : ـ ٩٦ ، وقوله : « وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ » التوبة : ـ ٨٠ ، وقوله : « وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ » آل عمران : ـ ٥٧ إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الدالة مطابقة أو التزاما أن الله لا يرضى عن الظالم والفاسق وكل من لا يطيعه في أمر أو نهي ، وليست الآيات مما يقبل التقييد أو النسخ وكذا أمثال قوله تعالى خطابا للمؤمنين : « لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ » النساء : ـ ١٢٣.
على أن لازم عدم تقييد الحكم في هذه الآية تقييد جميع الآيات الدالة على الجزاء والمشتملة على الوعيد والتهديد ، وهي آيات جمة في تقييدها اختلال نظام الوعد والوعيد وإلغاء معظم الأحكام والشرائع ، وبطلان الحكمة ، ولا فرق في ذلك بين أن نقول بكون « مِنَ » تبعيضية والفضل لبعض المهاجرين والأنصار أو بيانية والفضل للجميع والرضى الإلهي للكل ، وهو ظاهر.
وقوله تعالى : « رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ » الرضى منا موافقة النفس لفعل من الأفعال من غير تضاد وتدافع يقال : رضي بكذا أي وافقه ولم يمتنع منه ، ويتحقق بعدم كراهته إياه سواء أحبه أو لم يحبه ولم يكرهه فرضي العبد عن الله هو أن لا يكره بعض ما يريده الله ولا يحب بعض ما يبغضه ولا يتحقق إلا إذا رضي بقضائه تعالى وما يظهر من أفعاله التكوينية ، وكذا بحكمه وما أراده منه تشريعا ، وبعبارة أخرى إذا سلم له في التكوين والتشريع وهو الإسلام والتسليم لله سبحانه.
وهذا بعينه شاهد آخر على ما تقدم أن الحكم في الآية مقيد بالإيمان والعمل الصالح بمعنى أن الله سبحانه إنما يمدح من المهاجرين والأنصار والتابعين من آمن به وعمل صالحا ، ويخبر عن رضاه عنه وإعداده له جنات تجري تحتها الأنهار.
وليس مدلول الآية أن من صدق عليه أنه مهاجر أو أنصاري أو تابع فإن الله قد رضي عنه رضا لا سخط بعده أبدا وأوجب في حقه المغفرة والجنة سواء أحسن بعد ذلك أو أساء ، اتقى أو فسق.