وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا » الآية. سياق الآية يشعر بأنهم أتوا بعمل سيئ وشفعوه بقول تفوهوا به عند ذلك ، وأن النبي صلىاللهعليهوآله عاتبهم على قولهم مؤاخذا لهم فحلفوا بالله ما قالوا كما تقدم في قوله : « وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ » إلى آخر الآية إنهم كانوا يعتذرون بذلك عن عملهم أنه كان خوضا ولعبا لا غير ذلك.
والله سبحانه يكذبهم في الأمرين جميعا : أما في إنكارهم القول فبقوله : « وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ » وفسره ثانيا بقوله : « وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ » للدلالة على جد القول فيتفرع عليه الكفر بعد الإسلام.
ولعله قال هاهنا : « وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ » وقد قيل سابقا : « قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ » لأن القول السابق للنبي صلىاللهعليهوآله الجاري على ظاهر حالهم وهو الإيمان الذي كانوا يدعونه ويتظاهرون به ، والقول الثاني لله العالم بالغيب والشهادة فيشهد بأنهم لم يكونوا مؤمنين ولم يتعدوا الشهادتين بلسانهم فهم كانوا مسلمين لا مؤمنين ، وقد كفروا بقولهم وخرجوا عن الإسلام إلى الكفر ، وفي هذا إيماء إلى أن قولهم كان كلمة فيه الرد على الشهادتين أو إحداهما.
أو لأن القول الأول في قبال عملهم الذي أرادوا إيقاع الشر بالنبي صلىاللهعليهوآله ، والعمل الخالي من القول وهو لم يصب الغرض لا يضر بالإسلام الذي هو نصيب اللفظ والشهادة ، وإنما يضر بالإيمان الذي هو نصيب الاعتقاد ، والقول الثاني في قبال قولهم الذي تفوهوا به ، وهو ينافي الإسلام الذي يكتسب باللفظ دون الإيمان الذي هو نوع من الاعتقاد القلبي.
وأما في إنكارهم العمل السيئ الذي أتوا به وتأويلهم إياه إلى الخوض واللعب فبقوله : « وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا ».
ثم قال في مقام ذمهم وتعييرهم : « وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ » أي بسبب أن أغناهم الله ورسوله ، أي كان سبب نقمتهم هذه أن الله أغناهم من فضله بما رزقهم من الغنائم وبسط عليهم الأمن والرفاهية فمكنهم من توليد الثروة وإنماء المال من كل جهة ، وكذا رسوله حيث هداهم إلى عيشة صالحة تفتح عليهم أبواب بركات السماء والأرض ، وقسم بينهم الغنائم وبسط عليهم العدل.
فهو من قبيل وضع الشيء موضع ضده : وضع فيه الإغناء وهو بحسب الطبع