المنافقين لأمنهم ، ولا مانع من أن ينسلخوا هذا الإيمان.
وكيف لا؟ وقد سلخ الله الإيمان ممن هو أرسخ إيمانا منهم كالذي يقصه في قوله : « وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ » الأعراف : ـ ١٧٦.
وقال أيضا : « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً » وقد أكثر القرآن الكريم من ذكر الكفر بعد الإيمان فلا مانع من زوال الاعتقاد القلبي قبل رسوخه وهو اعتقاد.
نعم الإيمان المستقر والاعتقاد الراسخ لا سبيل إلى عروض الزوال له قال تعالى : « مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي » الأعراف : ـ ١٧٨ وقال : « فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ » النحل : ـ ٣٧.
وقوله : « إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً » يدل على أن هؤلاء المنافقين المذكورين في الآيات كانوا ذوي عدد وكثرة ، وأن كلمة العذاب وقعت عليهم لا بد لهم من العذاب فلو شمل بعضهم عفو إلهي لمصلحة في ذلك وقع العذاب على الباقين فهذا معنى الجملة : « إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً » بحسب ما يفهم من نظمه وسياقه.
وبعبارة أخرى رابطة اللزوم بين الشرط والجزاء بترتب الجزاء وتفرعه على الشرط إنما هي بالتبع وأصله ترتب الجزاء هاهنا على أمر يتعلق به الشرط وهو أن العذاب وجب على جماعتهم فإن عفي عن بعضهم تعين الباقون من غير تخلف.
وقد ظهر بما قدمناه أولا : وجه ترتب قوله : « نُعَذِّبْ طائِفَةً » على قوله : « إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ » واندفع ما استشكله بعضهم على الآية أنه لا ملازمة بين العفو عن البعض وعذاب البعض فما معنى الاشتراط؟.
والجواب : أن اللزوم بحسب الأصل بين وجوب نزول العذاب على الجماعة وبين نزوله على بعضهم ثم انتقل إلى ما بين العفو عن البعض وبين نزوله على بعضهم كما قررناه.
وثانيا : أن المراد بالعفو هو ترك العذاب لمصلحة من مصالح الدين دون العفو