قوله تعالى : « مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً ـ إلى أن قال ـ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً » الفتح : ـ ٢٩ فانظر إلى ما في صدر الآية من المدح وما في ذيله من القيد وتدبر.
هذه نبذة مما يتعلق بالآية والرواية من البحث ، والزائد على هذا المقدار يخرجنا من البحث التفسيري إلى البحث الكلامي الذي هو خارج عن غرضنا.
وفي الدر المنثور ، أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر في تاريخه عن ابن عباس : في قوله : « فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ » قال : على أبي بكر لأن النبي صلىاللهعليهوآله لم يزل السكينة معه.
وفيه ، أخرج الخطيب في تاريخه عن حبيب بن أبي ثابت : « فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ » قال : على أبي بكر فأما النبي صلىاللهعليهوآله فقد كانت عليه السكينة.
أقول : قد حقق فيما تقدم أن الضمير راجع إلى النبي صلىاللهعليهوآله على ما يهدي إليه السياق ، والروايتان على ما بهما من الوقف ضعيفتان ، ولا حجية لقول ابن عباس ولا حبيب لغيرهما.
وأما الحجة التي أورداهما فيهما وهي أن النبي صلىاللهعليهوآله لم تزل السكينة معه فمدخولة يدفعها قوله تعالى في قصة حنين : « ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ » الآية : التوبة : ـ ٢٦ ونظيرته آية سورة الفتح المشيرة إلى قصة الحديبية وهما تصرحان بنزول السكينة عليه ( صلىاللهعليهوآله ) في خصوص المورد فليكن الأمر على تلك الوتيرة في الغار.
وكان بعضهم (١) أحس بالإشكال فحمل قولهما في الروايتين : أن السكينة لم تزل مع النبي صلىاللهعليهوآله على معنى آخر وهو كون السكينة ملازمة للنبي صلىاللهعليهوآله في الغار فيكون قرينة على كون التي نزلت فيه إنما نزلت على صاحبه دونه ، ولعل رواية حبيب أقرب دلالة على ما ذكره.
قال بعد إيراد رواية ابن عباس ثم رواية حبيب : وقد أخذ بهذه الرواية بعض مفسري اللغة والمعقول ووضحوا ما فيها من التعليل بأنه صلىاللهعليهوآله لم يحدث له وقتئذ
__________________
(١) صاحب المنار في تفسيره.