أرادوه لأعدوا له عدة لأن من آثار من يريد أمرا من الأمور أن يتأهب له بما يناسبه من العدة والأهبة ولم يظهر منهم شيء من ذلك.
وقوله : « وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ » أي جزاء بنفاقهم وامتنانا عليك وعلى المؤمنين لئلا يفسدوا جمعكم ، ويفرقوا كلمتكم بالتفتين وإلقاء الخلاف.
وقوله : « وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ » أمر غير تشريعي لا ينافي الأمر التشريعي بالنفر والخروج ، فقد أمرهم الله بلسان نبيه صلىاللهعليهوآله بالنفر والخروج ـ وهو أمر تشريعي ـ وأمرهم من ناحية سريرتهم الفاسدة والريب المتردد في قلوبهم وسجاياهم الباطنية الخبيثة بالقعود ـ وهو أمر غير تشريعي ـ ولا تنافي بينهما.
ولم ينسب قول : « اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ » إلى نفسه تنزيها لنفسه عن الأمر بما لا يرتضيه وهناك أسباب متخللة آمرة بذلك كالشيطان والنفس ، وإنما ينسب إليه تعالى بالواسطة لانطباق معنى الجزاء والامتنان على المؤمنين عليه.
وليتوافق الأمران المتخالفان صورة في السياق أعني قوله : « قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ » وقوله : « قِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ ».
قوله تعالى : « لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ » الآية الخبال هو الفساد واضطراب الرأي ، والإيضاح : الإسراع في الشر ، والخلال : البين! والبغي هو الطلب فمعنى يبغونكم الفتنة أي يطلبون لكم أو فيكم الفتنة على ما قيل ، والفتنة هي المحنة كالفرقة واختلاف الكلمة على ما يناسب الآية من معانيها ، والسماع السريع الإجابة والقبول.
والآية في مقام التعليل لقوله : « وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ » امتنانا ، ولذا جيء بالفصل من غير عطف ، والمعنى ظاهر.
قوله تعالى : « لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كارِهُونَ » أي أقسم لقد طلبوا المحنة واختلاف الكلمة وتفرق الجماعة من قبل هذه الغزوة ـ وهي غزوة تبوك ـ كما في غزوة أحد حين رجع عبد الله بن أبي بن سلول بثلث القوم وخذل النبي صلىاللهعليهوآله ، وقلبوا لك الأمور بدعوة الناس إلى الخلاف وتحريضهم على المعصية وخذلانهم عن الجهاد وبعث اليهود والمشركين