وفي الآية وما يتلوها عتاب شديد للمؤمنين وتهديد عنيف وهي تقبل الانطباق على غزوة تبوك كما ورد ذلك في أسباب النزول.
قوله تعالى : « إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ » إلى آخر الآية العذاب الذي أنذروا به مطلق غير مقيد فلا وجه لتخصيصه بعذاب الآخرة بل هو على إبهامه ، وربما أيد السياق كون المراد به عذاب الدنيا أو عذاب الدنيا والآخرة جميعا.
وقوله : « يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ » أي يستبدل بكم قوما غيركم لا يتثاقلون في امتثال أوامر الله والنفر في سبيل الله إذا قيل لهم : انفروا ، والدليل على هذا المعنى قرينة المقام.
وقوله : « وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً » إشارة إلى هوان أمرهم على الله سبحانه لو أراد أن يذهب بهم ويأتي بآخرين فإن الله لا ينتفع بهم بل نفعهم لأنفسهم فضررهم على أنفسهم ، وقوله : « وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » تعليل لقوله : « يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ».
قوله تعالى : « إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ » ثاني اثنين أي أحدهما ، والغار الثقبة العظيمة في الجبل ، والمراد به غار جبل ثور قرب مني وهو غير غار حراء الذي ربما كان النبي صلىاللهعليهوآله يأوي إليه قبل البعثة للأخبار المستفيضة ، والمراد بصاحبه هو أبو بكر للنقل القطعي.
وقوله : « إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا » أي لا تحزن خوفا مما تشاهده من الوحدة والغربة وفقد الناصر وتظاهر الأعداء وتعقيبهم إياي فإن الله سبحانه معنا ينصرني عليهم.
وقوله : « فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها » أي أنزل الله سكينته على رسوله وأيد رسوله بجنود لم تروها يصرفون القوم عنهم بوجوه من الصرف بجميع العوامل التي عملت في انصراف القوم عن دخول الغار والظفر به صلىاللهعليهوآله ، وقد روي في ذلك أشياء ستأتي في البحث الروائي إن شاء الله تعالى.
والدليل على رجوع الضمير في قوله : « فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ » إلى النبي صلىاللهعليهوآله أولا : رجوع الضمائر التي قبله وبعده إليه صلىاللهعليهوآله كقوله : « إِلَّا تَنْصُرُوهُ » و « نَصَرَهُ » و « أَخْرَجَهُ » و « يَقُولُ » و « لِصاحِبِهِ » و « أَيَّدَهُ » فلا سبيل إلى رجوع ضمير « عَلَيْهِ » من بينها وحده إلى غيره من غير قرينة قاطعة تدل عليه.