نازلة على وجه الإجمال والإبهام في السور المكية كقوله تعالى بعد عدة آيات
عند تعداد كليات المحرمات : « قُلْ
تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ إلى أن قال ـ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها
وَما بَطَنَ » : ( الأنعام : ١٥١ ).
وقوله : « وَلا تُسْرِفُوا » إلخ ، أي لا تتجاوزوا الحد الذي يصلح به معاشكم
بالتصرف فيه فلا يتصرف صاحب المال منكم بالإسراف في أكله أو التبذير في بذله أو
وضعه في غير موضعه من معاصي الله وهكذا ، ولا يسرف الفقير الأخذ بتضييعه ونحو ذلك
، ففي الكلام إطلاق ، والخطاب فيه لجميع الناس.
وأما قول بعضهم
: إن الخطاب في « لا
تُسْرِفُوا » مختص بأرباب الأموال ، وقول بعض آخر : إنه متوجه إلى الإمام الآخذ للصدقة
، وكذا قول بعضهم : إن معناه لا تسرفوا بأكله قبل الحصاد كيلا يؤدي إلى بخس حق
الفقراء ، وقول بعض آخر : إن المعنى : لا تقصروا بأن تمنعوا بعض الواجب ، وقول
ثالث : إن المعنى لا تنفقوه في المعصية ، كل ذلك مدفوع بالإطلاق والسياق.
قوله تعالى : « وَمِنَ الْأَنْعامِ
حَمُولَةً وَفَرْشاً » إلى آخر الآية ، الحمولة أكابر الأنعام لإطاقتها الحمل ، والفرش أصاغرها لأنها كأنها تفترش على الأرض أو لأنها توطأ كما يوطأ الفرش ، وقوله
: « كُلُوا
مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ » إباحة للأكل وإمضاء لما يدل عليه العقل نظير قوله في الآية السابقة : « كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ
» ، وقوله : « لا تَتَّبِعُوا
خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ » أي لا تسيروا في هذا الأمر المشروع إباحته باتباع
الشيطان بوضع قدمكم موضع قدمه بأن تحرموا ما أحله ، وقد تقدم أن المراد باتباع
خطوات الشيطان تحريم ما أحله الله بغير علم.
قوله تعالى : « ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ
مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ » إلى آخر الآية ، تفصيل للأنعام بعد الإجمال والمراد به
تشديد اللوم والتوبيخ عليهم ببسطه على كل صورة من الصور والوجوه ، فقوله : « ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ » عطف بيان من « حَمُولَةً وَفَرْشاً » في الآية السابقة.
والأزواج جمع زوج ، ويطلق الزوج على الواحد الذي يكون معه آخر
وعلى الاثنين ، وأنواع الأنعام المعدودة أربعة : الضأن والمعز والبقر والإبل ،
وإذا لوحظت