ومن هذه الهداية ما هي إراءة الطريق كما في قوله تعالى : « إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً » : ( الدهر : ٣ ).
ومنها ما هي بمعنى الإيصال إلى المطلوب كما في قوله تعالى : « وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ » : ( الأعراف : ١٧٦ ) وقد عرف الله سبحانه هذه الهداية تعريفا بقوله : « فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ » : ( الآية : ١٢٥ ) فهي انبساط خاص في القلب يعي به القول الحق والعمل الصالح من غير أن يتضيق به ، وتهيؤ مخصوص لا يأبى به التسليم لأمر الله ولا يتحرج عن حكمه.
وإلى هذا المعنى يشير تعالى بقوله : « أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ـ إلى أن قال ـ ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ » : ( الزمر : ٢٣ ) وقد وصفه في الآية بالنور لأنه ينجلي به للقلب ما يجب عليه أن يعيه من التسليم لحق القول وصدق العمل عما يجب عليه أن لا يعيه ولا يقبله وهو باطل القول وفاسد العمل.
وقد رسم الله سبحانه لهذه الهداية رسما آخر وهو ما في قوله عقيب ذكره هدايته أنبياءه الكرام وما خصهم به من النعم العظام : « وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ » : ( الأنعام : ٨٨ ) فقد أوضحنا في تفسير الآية أن الآية تدل على أن من خاصة الهداية الإلهية أنها تورد المهتدين بها صراطا مستقيما وطريقا سويا لا تخلف فيه ولا اختلاف.
فلا بعض أجزاء صراطه الذي هو دينه بما فيه من المعارف والشرائع يناقض البعض الآخر لما أن الجميع يمثل التوحيد الخالص الذي ليس إلا حقيقة ثابتة واحدة ، ولما أن كلها مبنية على الفطرة الإلهية التي لا تخطئ في حكمها ولا تتبدل في نفسها ولا في مقتضياتها.
ولا بعض الراكبين عليه السائرين فيه يألفون بعضا آخر فالذي يدعو إليه نبي من أنبياء الله هو الذي يدعو إليه جميعهم ، والذي يندب إليه خاتمهم وآخرهم هو الذي يندب إليه آدمهم وأولهم من غير أي فرق إلا من حيث الإجمال والتفصيل.
( بحث روائي )
في الكافي ، بإسناده عن زيد قال : سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : في قول الله تبارك وتعالى : « أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ ـ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ » فقال : ميت لا