أمر أجنبي عن غرض الآية فالآية لا دلالة لها على أن الهداية والضلال من الله سبحانه وإن كان ذلك هو الحق.
قوله تعالى : « وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً » إلى آخر الآية ، الإشارة إلى ما تقدم بيانه في الآية السابقة من صنعه عند الهداية والإضلال وقد تقدم معنى الصراط واستقامته ، وقد بين تعالى في الآية أن ما ذكره من شرح الصدر للإسلام إذا أراد الهداية ومن جعل الصدر ضيقا حرجا عند إرادة الإضلال هو صراطه المستقيم وسنته الجارية التي لا تختلف ولا تتخلف فما من مؤمن إلا وهو منشرح الصدر للإسلام بالله وغير المؤمن بالعكس من ذلك.
فقوله : « وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً » بيان ثان وتأكيد لكون المعرف المذكور في الآية السابقة معرفا جامعا مانعا للهداية والضلالة ثم أكد سبحانه البيان بقوله : « قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ » أي إن القول حق بين عند من تذكر ورجع إلى ما أودعه الله في نفسه من المعارف الفطرية والعقائد الأولية التي بتذكرها يهتدي الإنسان إلى معرفة كل حق وتمييزه من الباطل ، والبيان مع ذلك لله سبحانه فإنه هو الذي يهدي الإنسان إلى النتيجة بعد هدايته إلى الحجة.
قوله تعالى : « لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ » المراد بالسلام هو معناه اللغوي ـ على ما يعطيه ظاهر السياق ـ وهو التعري من الآفات الظاهرة والباطنة ، ودار السلام هي المحل الذي لا آفة تهدد من حل فيه من موت وعاهة ومرض وفقر وأي عدم وفقد آخر وغم وحزن ، وهذه هي الجنة الموعودة ولا سيما بالنظر إلى تقييده بقوله : « عِنْدَ رَبِّهِمْ ».
نعم أولياء الله تعالى يجدون في هذه النشأة ما وعدهم الله من إسكانهم دار السلام لأنهم يرون الملك لله فلا يملكون شيئا حتى يخافوا فقده أو يحزنوا لفقده قال تعالى : « أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ » : ( يونس : ٦٢ ) وهم لا شغل لهم إلا بربهم خلوا به في حياتهم فلهم دار السلام عند ربهم ـ وهم قاطنون في هذه الدنيا ـ وهو وليهم بما كانوا يعملون وهو سيرهم في الحياة بنور الهداية الإلهية الذي جعله في قلوبهم ، ونور به أبصارهم وبصائرهم.