أن يؤمن بربه وهو نوع من الموت فأحييناه بحياة الإيمان أو الهداية ـ والمال واحد ـ وجعلنا له نورا أي علما متولدا من إيمانه كما قال صلىاللهعليهوآله فيما رواه الفريقان : « من عمل بما علم رزقه الله علم ما لم يعلم ـ أو علمه الله ما لم يعلم ». فإن روح الإيمان إذا تمكنت من نفس الإنسان واستقرت فيها حولت الآراء والأعمال إلى صور تناسبها ولا تخالفها وكذلك سائر الملكات أعم من الفضائل والرذائل إذا استقرت في باطن الإنسان لم تلبث دون أن تحول آراءه وأعماله إلى أشكال تحاكيها.
وربما قيل : إن المراد بالنور هو الإيمان أو القرآن وهو بعيد من السياق.
وهذا النور أثره في المؤمن أنه « يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ » أي يتبصر به في مسير حياته الاجتماعية المظلمة ليأخذ من الأعمال ما ينفعه في سعادة حياته ، ويترك ما يضره.
فهذا هو حال المؤمن في حياته ونوره فهل هو « كَمَنْ مَثَلُهُ » ووصفه أنه « ( فِي الظُّلُماتِ ) ظلمات الضلال وفقدان نور الإيمان « لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها » لأن الموت لا يستتبع آثار الحياة البتة فلا مطمع في أن يهتدي الكافر إلى أعمال تنفعه في أخراه وتسعده في عقباه.
وقد ظهر مما تقدم أن قوله : « كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ » إلخ ، في تقدير : هو في الظلمات ليس بخارج منها ، ففي الكلام مبتدأ محذوف هو الضمير العائد إلى الموصول ، وقيل : التقدير : كمن مثله مثل من هو في الظلمات ، ولا بأس به لو لا كثرة التقدير.
قوله تعالى : « كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ » ظاهر سياق صدر الآية أن يكون التشبيه في قوله : « كَذلِكَ » من قبيل تشبيه الفرع بالأصل بعناية إعطاء القاعدة الكلية كقوله تعالى : « كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ » وقوله : « كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ » : ( الرعد : ١٧ ) أي اتخذ ما ذكرناه من المثل أصلا وقس عليه كل ما عثرت به من مثل مضروب فمعنى قوله : « كَذلِكَ زُيِّنَ » إلخ ، على هذا المثال المذكور أن الكافر لا مخرج له من الظلمات ، زين للكافرين أعمالهم فقد زينت لهم أعمالهم زينة تجذبهم إليها وتحبسهم ولا تدعهم يخرجوا منها إلى فضاء السعادة وفسحة النور أبدا والله لا يهدي القوم الظالمين.
وقيل : إن وجه التشبيه في قوله : « كَذلِكَ زُيِّنَ » إلخ ، أنه زين لهؤلاء الكفر فعملوه مثل ما زين لأولئك الإيمان فعملوه. فشبه حال هؤلاء في التزيين بحال أولئك فيه