على قوله هم الأنصار ـ الإشارة إلى أنهم وإن لم يؤمنوا بها بعد لكنهم لم يكفروا بها كما كفر بها مشركو مكة. وفيه مضافا إلى أنه لا يسلم مما تقدم من الإشكال على الوجوه السابقة أن أهل المدينة من الأنصار كانوا حين نزول الآيات مشركين يعبدون الأصنام ولا معنى لنفي الكفر عنهم اللهم إلا بمعنى الرد بعد الدعوة وهو الاستكبار والاستنكاف ولا دليل على كون الكفر في الآية بهذا المعنى مع كون الآيات مسوقة لوصف الهداية الإلهية المقابلة للإشراك كما جرى على هذا المجرى في قوله : « وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ». وفيه : أن التوكيل المذكور في الآية يفيد معنى الحفظ ، ولا معنى لقولنا : إن يكفر بها هؤلاء فقد حفظناها بقوم لم يؤمنوا بها ولم يردوها بعد.
ومن قائل : إن المراد بهم العجم ولم يكونوا يؤمنوا بها يومئذ وكأنه مأخوذ من قوله تعالى « إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ » : ( النساء : ١٣٣ ) فقد ورد أن المراد بالآخرين هم العجم لكن يرد عليه ما يرد على سابقه.
ومن قائل : إن المراد بالقوم هم المؤمنون من أمة محمد صلىاللهعليهوآله أو المؤمنون من جميع الأمم. وفيه : أنه يرد عليه ما أورد على ما قبله من الوجوه. نعم يمكن أن يوجه بأن المراد بهم نفوس من هذه الأمة أو من جميع الأمم يؤمن بالله إيمانا لا يعقبه كفر ما دامت تعيش في الدنيا فهؤلاء قوم مؤمنون وليسوا بها بكافرين وإن لم يمتنع الكفر عليهم لكن دوامهم على الإيمان بدعوة التوحيد من غير كفر أو نفاق يستدعي صدق قوله « قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ » عليهم ويتم به معنى الآية في أنها مسوقة لتسلية النبي صلىاللهعليهوآله وتطييب قلبه الشريف إذ كان يحزنه كفر المشركين من قومه واستكبارهم عن إجابة دعوة الحق والإيمان بالله وآياته ، وفي أنها دالة على اعتزازه تعالى بحفظ هدايته وطريقته التي أكرم بها عباده المكرمين وأنبياءه المقربين.
لكن يتوجه إليه أن بناء هذا الوجه على قضية اتفاقية وهي إيمان المؤمنين بها إيمانا يتفق أن يبقى سليما من الزوال من غير ضامن يضمن بقاءه ، ولا يلائمه قوله تعالى : « وَكَّلْنا بِها » فإن التوكيل يفيد معنى الاعتماد ويتضمن معنى الحفظ والكلاءة ، ولا وجه للاعتزاز والمباهاة بأمر لا ضامن لثباته ولا حافظ لاستقراره وبقائه.
على أن الله سبحانه يذم كثيرا من الإيمان إذ يقول : « وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا