ثم بينه أتم بيان بقوله : « وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ » إلخ ، فهذه أسماء ونعوت له تعالى لو انتفى واحد منها لم يتم البيان.
فقوله : « هُوَ الَّذِي خَلَقَ » إلخ ، يريد به أن الخلقة جميعا فعله وإنما أتى به بالحق لا بالباطل ، والفعل إذا لم يكن باطلا لم يكن مندوحة من ثبوت الغاية له فللخلقة غاية وهو الرجوع إليه تعالى وهذا هو إحدى الحجتين اللتين ذكرهما في قوله عز من قائل « وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا » إلى آخر الآيتين : ( ـ ص : ٢٧ ) فخلقة السماوات والأرض بخلقة حقة تؤدي إلى أن الخلق يحشرون إليه.
وقوله : « يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ » السياق يدل على أن المراد بالمقول له هو يوم الحشر وإن كان كل موجود مخلوق على هذه الصفة كما قال تعالى : « إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ » : ( يس : ٨٢ ) ويوم ظرف متعلق بالقول والمعنى : يوم يقول ليوم القيامة : كن فيكون ، وربما قيل : إن المقول له هو الشيء والتقدير : يوم يقول لشيء كن فيكون ، وما ذكرناه أوفق للسياق.
وقوله : « قَوْلُهُ الْحَقُ » تعليل عللت به الجملة التي قبله ، والدليل عليه فصل الجملة ، والحق هو الثابت بحقيقة معنى الثبوت وهو الوجود الخارجي والكون العيني وإذ كان قوله هو فعله وإيجاده كما يدل عليه قوله : « وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ » فقوله تعالى هو نفس الحق فلا مرد له ولا مبدل لكلماته قال تعالى : « وَالْحَقَّ أَقُولُ » : ( ـ ص : ٨٤ ).
قوله تعالى : « وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ » يريد به يوم القيامة قال تعالى : « يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ » : ( المؤمن : ١٦ ) والمراد بثبوت الملك له تعالى يوم النفخ مع أن له الملك دائما إنما هو ظهور ذلك بتقطع الأسباب وانبتات الروابط والأنساب وقد تقدم شذور من البحث في ذلك فيما تقدم وسيجيء استيفاء البحث عنه وعن معنى الصور في الموضع المناسب لذلك إن شاء الله تعالى.
وقوله « عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ » قد تقدم معناه ، وهو اسم يتقوم بمعناه الحساب والجزاء ، وكذلك الاسمان : الحكيم والخبير فهو تعالى بعلمه بالغيب والشهادة يعلم ظاهر الأشياء وباطنها فلا يخفى عليه ظاهر لظهوره ولا باطن لبطونه ، وبحكمته يتقن تدبير الخليقة ويميز الواجب من الجزاء كما ينبغي فلا يظلم ولا يجازف ، وبخبرته لا يفوت عنه دقيق لدقته ولا جليل لجلالته.