حال كونهم شيعا وفرقا مختلفة.
فقوله : « قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ » ظاهره إثبات القدرة لله سبحانه على بعث العذاب عليهم من فوق أو من تحت ، والقدرة على الشيء لا تستلزم فعله ، وهو أعني إثبات القدرة على الفعل الذي هو العذاب كاف في الإخافة والإنذار لكن المقام يعطي أن المراد ليس هو إثبات مجرد القدرة بل لهم استحقاق لمثل هذا العذاب ، وفي العذاب اقتضاء أن ينبعث عليهم إن لم يجتمعوا على الإيمان بالله وآياته كما مر من استفادة ذلك من معنى البعث ، ويؤيده قوله بعد : « لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ » فإنه تهديد صريح.
على أنه تعالى يهدد هذه الأمة صريحا بالعذاب في موارد مشابهة لهذا المورد من كلامه كقوله تعالى : « وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ـ إلى أن قال ـ وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ » الآيات ( يونس : ٤٧ ـ ٥٣ ) وقوله : « إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ، وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ » إلى آخر الآيات : ( الأنبياء : ٩٣ ـ ٩٧ ) وقوله تعالى : « فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ـ إلى أن قال ـ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً » إلى آخر الآيات : ( الروم : ٣٠ ـ ٤٥ ).
وقد قيل : إن المراد بالعذاب الذي من فوقهم هو الصيحة والحجارة والطوفان والريح كما فعل بعاد وثمود وقوم شعيب وقوم لوط ، وبالذي من تحت أرجلهم الخسف كما فعل بقارون ، وقيل : إن المراد بما من فوقهم العذاب الآتي من قبل كبارهم أو سلاطينهم الجبابرة وبما من تحت أرجلهم ما يأتيهم من قبل سفلتهم أو عبيدهم السوء ، وقيل : المراد بما من فوق وبما من تحت الأسلحة النارية القتالة التي اخترعها البشر أخيرا من الطيارات والمناطد التي تقذف القنابل المحرقة والمخربة وغيرها ومراكب تحت البحر المغرفة للسفائن والباخرات فإن الإنذار إنما وقع في كلامه تعالى وهو أعلم بما كان سيحدث في مملكته.
والحق أن اللفظ مما يقبل الانطباق على كل من المعاني المذكورة وقد وقع بعد النزول ما ينطبق عليه اللفظ ، والمحتد الأصلي لهذه الوقائع الذي مهد لها الطريق هو اختلاف الكلمة والتفرق الذي بدأت به الأمة وجبهت به النبي صلىاللهعليهوآله فيما كان يدعوهم إليه من الاتفاق على كلمة الحق ، وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم.