الحاء والياء
* الحياةُ : نَقيضُ الموتِ. كُتِبتْ بالواوِ لِيُعْلَمَ أن الواوَ بعدَ الياءِ فى حَدِّ الجمْعِ ؛ وقيل : على تَفخِيمِ الألفِ ؛ وحَكَى « ابنُ جِنىّ » عن « قُطُربٍ » أنَّ أهلَ اليمَنِ يقولون : الحَيَوْةُ ، بِوَاوٍ قبلها فَتْحةٌ ، فهذه الواوُ بَدَلٌ من ألفِ حَياةٍ ، وليست بلامِ الفعلِ من حَيَوَةٍ ، ألا تَرى أن لامَ الفِعْلِ ياءٌ؟ وكذلك يَفْعَلُ أهلُ اليمَنِ بكلِّ ألفٍ مُنقَلبةٍ عن واوٍ ، كالصَّلاةِ والزكاةِ.
حَىَ حَياةً ، وحَىَ يحْيا ويَحَىُ.
وقولُ أهلِ المدينةِ : وَيحْيا مَنْ حَيِىَ عن بَيِّنةٍ [الأنفال : ٤٢] وغيرُهم] : (مَنْ حَيَ عَنْ بَيِّنَةٍ).
وقولُه تعالى : (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) [النحل : ٩٧] قيل : نَرزقُه حَلالاً. وقيل : الحياةُ الطيِّبَةُ الجنَّةُ.
والحَىُ من كلّ شىءٍ : نقيضُ الميتِ. والجمعُ أحياءٌ. وقولُه تعالى : (وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ) [فاطر : ٢٢] فَسَّرَه « ثَعلبٌ » فقال : الحىُ هو المسلِمُ والميتُ هو الكافِرُ ؛ قال « الزَّجاجُ » : الأحياءُ المؤمنونَ ، والأمواتُ الكافِرون ، قال : ودليلُ ذلك قولُه : (أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ) [النحل : ٢١] وكذلك قولُه تعالى : (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا) [يس : ٧٠] أى منْ كانَ مؤمِنًا وكانَ يَعقِلُ ما يُخاطَبُ به ، فإنَّ الكافِر كالميتِ. وقولُه عزوجل : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ) [البقرة : ١٥٤] ـ أموات ، بإضْمارِ مَكْنِىّ ، أى لا تقولوا : هم أمواتٌ ، فَنهاهُم اللهُ أن يُسَمُّوا مَن قُتِلَ فى سبيلِ اللهِ مَيِّتًا ، وأمَرهم بأن يُسَمُّوهم شُهَداءَ فقال : « بَلْ أَحْياءٌ » المعنى ، بل هم أحياءٌ وقال عزوجل : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران : ١٦٩] فأعْلمَنا أنَّ مَن يُقتَلُ فى سبيلِه حَىٌ. فإن قال قائِلٌ : فما بالُنا نَرى جُثَّتَه غيرَ مُتَصرّفة؟ فإنَّ دليلَ ذلك ما يَراه الإنسانُ فى مَنامِه ، وجُثَّتُه غيرُ مُتَصَرّفةٍ على قدرِ ما يُرَى ، والله جلَّ ثَناؤه قد تَوَفَّى نَفْسَه فى نَوْمِه فقال : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها) [الزمر : ٤٢] ويَنْتَبِهُ النائمُ وقد رأى ما اغْتَمَّ به فى نَوْمِه فيُدْرِكُه الانتِباهُ وهو فى بَقيةٍ من ذلك ، فهذا دليلٌ على أنَّ أرواحَ الشهَداءِ جائِزٌ أن تُفارِقَ أجْسامَهم وهم عندَ اللهِ أحياءٌ ، فالأمرُ فيمَنْ قُتِلَ فى سبيلِ اللهِ لا يوجِبُ أن يُقالَ له مَيِّتٌ ، ولكنْ يُقالُ : هو شهيدٌ وهو عند اللهِ حَىٌ.
وقد قيل فى ذلك قولٌ غيرُ هذا ، قالوا : معنى أموات [أى لا تقولوا : هم أمواتٌ] فى دِينهم ، بل قولوا إنهم أحياءٌ فى دِينهِم ؛ قال أصحابُ هذا القولِ : دليلُنا قولُه : (أَوَمَنْ كانَ