وهناك درس الفقه والكلام على الشيخ المفيد ، وبعد وفاة أستاذه سنة ٤١٣ هـ ، حضر درس السيد المرتضى وهو من أعاظم تلاميذ الشيخ المفيد. وبعد وفاة السيد المرتضى سنة ٤٣٦ هـ انتهت إليه مرجعية الإمامية في العراق.
يتميز هذا الشيخ العظيم بنبوغ ذاتي وعبقرية فذة. وكان مجدا في تحصيل العلم. وبدأ في التأليف منذ عصر الشيخ المفيد حيث ألف كتبا كثيرة لم يتم بعضها كالتهذيب إلا في وقت متأخر.
يعتبر الشيخ الطوسي مؤسس العلوم والمعارف الإسلامية. وله باع في علوم شتى حيث كتب في الكلام والعقائد ، الفقه والأصول ، الحديث وعلم الرجال ، التفسير ، الدعاء ، كتبا قيمة لم يزدها تعاقب العصور الا جدة وإناقة وقيمة أكثر.
ومما كتبه في الفقه كتاب « مسائل الخلاف » وله أهميته الخاصة من حيث الموضوع الذي طرقه ، وشموله ، واحتواؤه على آراء فقهاء مختلف المذاهب الإسلامية ، واستدلاله على المختار من فقه الإمامية علما انه لم تذكر آراء الإمامية في الكتب الأخرى التي تطرقت الى نفس الموضوع (١).
ان الشمولية التي اتصف بها هذا الكتاب ، وشهرة مؤلفه هما اللتان شجعتا
__________________
(١) يقول الشيخ في بداية الكتاب :
« سألتم ـ أيدكم الله ـ إملاء مسائل الخلاف بيننا وبين من خالفنا من جميع الفقهاء وذكر مذهب كل من خالف على التعيين وبيان الصحيح منه وما ينبغي ان يعتقد ، وان أقرب كل مسألة بدليل يحتج به على كل من خالفنا يوجب العلم من ظاهر قرآن أو سنة متطوع بها أو إجماع أو دليل خطاب أو استصحاب حال على ما يذهب إليه أكثر أصحابنا أو دلالة أصل أو فحوى خطاب وان اذكر خبرا عن النبي الذي يلزم المخالف العمل به والانقياد له ، وان أشفع ذلك بخبر من طريق الخاصة المروي عن النبي وان كانت المسألة إجماعا من الفرقة المحقة ذكرت ذلك وان كان فيها خلاف بينهم أومأت اليه ».