إنّ الجنّة لتنجّد (١) وتزيّن من الحول إلى الحول لدخول شهر رمضان ، فإذا كان أوّل ليلة منه هبّت ريح من تحت العرش يقال لها : المثيرة ، تصفق ورق أشجار الجنان وحلق المصاريع (٢) ، فيسمع لذلك طنين لم يسمع السّامعون أحسن منه ، وتبرزن (٣) الحور العين حتّى يقفن بين شرف الجنّة ، فينادين : هل من خاطب إلى الله عزّ جلّ فيزوّجه؟ ثم يقلن : يا رضوان ما هذه اللّيلة؟ فيجيبهنّ بالتّلبية ، ثم يقول : يا خيرات حسان! هذه أوّل ليلة من شهر رمضان ، قد فتحت أبواب الجنان للصّائمين من امّة محمد صلىاللهعليهوآله.
قال : ويقول له عزّ وجلّ : يا رضوان! افتح أبواب الجنان ، يا مالك! أغلق أبواب الجحيم عن الصائمين من امّة محمّد ، يا جبرئيل! أهبط إلى الأرض فصفّد مردة الشياطين ، وغلّقهم بالأغلال ، ثمّ اقذف بهم في لجج البحار حتّى لا يفسدوا على امّة حبيبي صيامهم.
قال : ويقول الله تبارك وتعالى في كلّ ليلة من شهر رمضان ثلاث مرّات : هل من سائل فأعطيه سؤله؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ من يقرض الملي (٤) غير المعدم والوفيّ غير الظّالم؟
قال : وانّ لله تعالى في آخر كلّ يوم من شهر رمضان عند الإفطار ألف ألف عتيق من النّار ، فإذا كانت ليلة الجمعة ويوم الجمعة ، أعتق في كلّ ساعة منهما ألف ألف عتيق من النّار ، وكلهم قد استوجبوا العذاب ، فإذا كان في آخر يوم من شهر رمضان أعتق الله في ذلك اليوم بعدد ما أعتق من أوّل الشهر إلى آخره.
فإذا كانت ليلة القدر أمر الله عزّ وجلّ جبرئيل عليهالسلام ، فهبط في كتيبة من الملائكة إلى الأرض ، ومعه لواء أخضر ، فيركز اللّواء على ظهر الكعبة ، وله ستّمائة جناح ، منها جناحان لا ينشرهما إلاّ في ليلة القدر ، فينشرهما تلك اللّيلة ، فيتجاوزان المشرق والمغرب ، ويبثّ جبرئيل الملائكة في هذه اللّيلة ، فيسلّمون على كلّ قائم وقاعد ، ومصلّ
__________________
(١) نجد البيت : زيّنه ، تنجّد الشيء : ارتفع.
(٢) المصاريع جمع مصراع ، والمراد مصراع الباب.
(٣) كذا في النسخ ، والقياس : تبرز.
(٤) المليء : الغني والمقتدر ، يعني من يقرض الغني الوفي الذي لا يظلم الناس مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.