الصحيح أغذى وأطيب ولبن الحيوان الأبيض ضعيف القوّة لأن الحيوان في نفسه كذلك والأسود أقوى وأحمد لتغير الأزمنة ولبنه أبطأ إنهضاما وأجود ، ولبن الأبيض أسرع انحدارا ولبن الربيع أرطب وأرق والصيفي أثخن وأجف وأجود بكثير لأن الزرع في هذا الوقت أدسم وأغلظ وإذا أكله الحيوان انهضم ناعما والراعي منها في الآجام والمروج أرطب لبنا والراعية في الجبال أجف وأسخن والأوّل أطلق للبطن والمتولد عن رعي الأدوية المسهلة يسهل وأجوده لبن المتناهي في السن ، ولبن الصغير أرطب والهرم يابس والقليل التعب غليظ والتعب رقيق سهل الإنهضام ، قال : ولبن الحيوان الذي مدة حمله أقل من حمل الإنسان أو مساوية فهو ملائم والأكثر ليس بملائم ولذلك صار لبن البقر أليم. قال : وبالجملة أن اللبن يغذو غذاء كافيا ويولد لحما لينا رطبا وقال : أما الصبيان فيشربونه إلى أوان نبات الشعر في العانة ثم يدعونه وخاصة المحرورين منهم فإنه يتجبن في معدهم ويورث كربا وقلقا في المعدة الحارة المزاج وهو ينفع الصبيان لأنه يرطبهم ويزيد في نمائهم ولا يوافق المتناهي الشباب لغلبة الحرارة فيهم وبعد الإنتهاء فهو جيد لأنه يرطب ويعدّل الأخلاط ويسكن الحدّة العارضة في أبدان الشيوخ ، ولا ينبغي أن يسقى لأصحاب الأمزجة الحارة والمهن والبلدان الحارة لأنه يستحيل فيهم إلى المرار وينفخ الأحشاء ويورث ثقلا في الرأس ويضر أصحاب السدد وظلمة البصر وزرقة العين والعشاء ، ولذلك من يتجشى جشاء حامضا فلا ينبغي أن يسقاه ومن لا يحمض فليسقاه ويضر البصر إذا لم يتم انهضامه لأنه متى أصاب المعدة ضرر شاركها الرأس ومتى تنوول فليدع جميع الأطعمة والأشربة إلى أن ينحدر إلى أسفل لأنه إن خالطه شيء وكان قليلا فسد وأفسد اللبن معه ولذلك تستعمله الرعاة لتخصيب أبدانهم ، وينبغي أن يؤخذ بالغداة (١) ولا يؤكل عليه إلى أن ينهضم ويحذر التعب عليه لأنه يمخضه فيحمضه لأن التعب يحمض الأطعمة القوية فضلا عن اللبن والسكون بعده أصلح بعد أن يكون مستيقظا فإن ذلك أحرى أن ينحدر اللبن في أوّل مرة يأخذه وهو إلى ذلك محتاج ، فإذا انحدر ما أخذ منه أوّلا أخذ منه شيء آخر فإذا انحدر أيضا أخذ منه. قال : وهو في أوّل أمره يخرج ما في المعي ثم أنه إذا دام يدخل بعد ذلك في العروق ويغذي غذاء جيدا ويعدل ما فيها من الأخلاط ولا يطلق البطن بل يحبس ومن أراده لإطلاق البطن أخذ منه مقدار أكثر ومن أراده للتغذي والترطيب فمقدار أقل قدره إلا أن يثقل عليهم بتة. وقال : وشربه نافع من العلل المزمنة في الصدر والسعال ونفث المدّة ولا ينبغي أن يدمن عليه بل يغبّ. أبقراط في آخر الخامسة : من كتاب الفصول هو رديء لمن يتأذّى بالصداع والحمى ومن ما دون شراسيفه منتفخة وفيها قراقر ولمن به العطش ولمن غلب عليه المرار ولمن هو في حمى حارة ولمن اختلف دما كثيرا وينفع أصحاب السل إذا لم يكن بهم حمى قوية ولأصحاب الدق الذين تذوب أبدانهم. وقال جالينوس في شرحه لهذا الفصل : اللبن مضر لمن في شراسيفه ورم مّا أيّ ورم كان بلغما أو حمرة أو ترهّلا أو سقيروس أو دبيلة لم تنفجر وهو يزيد في العطش لمن عطشه بالطبع أقوى أو من شربه على عطش شديد. ابن ماسويه : هو ضار للرأس ببخاره ورطوبته وللمعدة والطحال لغلظه والأحمد اجتناب اللبن إذا لم يكن البدن نقيا. الرازي في دفع مضار الأغذية : اللبن يخصب البدن ويدفع عنه القشف والأمراض
__________________
١) نخ ولا ينبغي أن يؤكل بالغداة.