عذب ولطخ على النقرس نفع منه ، والألبان كلها غير موافقة للمطحولين وعليلي الكبد والمحمومين والمصدوعين ومن به سدر أو نسيان أو صرع إلا أن يستعمل ماؤه للتنقية. جالينوس في كتاب أغذيته : هو من الأغذية التي يغتذى بها من الحيوانات ويختلف كثيرا بالوقت من السنة وحاله يختلف أيضا فيما أرى من قبل أصناف الحيوانات وذلك أن كل لبن النعاج أغلظ الألبان ولبن الإبل أرطب الألبان وأقلها دسما وبعد لبن الإبل لبن الخيل وبعدها لبن الأتن ، فأما لبن المعز فمعتدل بين الرقة والغلظ وأما اختلاف الألبان من قبل الحال الحاضر فحكمه هكذا وذلك لأن الذي يكون عقيب الولادة أرطب من كل الألبان وكلما مضى عليه الزمان غلظ أوّلا فأوّلا إلى الصيف فإنه يكون في حال متوسطة من طبعه وبعده يغلظ أوّلا فأوّلا حتى ينقطع أصلا وكما أنه يكون في الربيع رطبا جدا كذا يكون كثيرا أيضا ، وأما اختلاف الألبان بحسب أنواع الحيوانات فذلك أمر سنوضحه ونبينه في آخر الكلام ، وإنما نستدل على اختلافه في الرقة والثخن واختلاف جبنه لأن الرقيق ماؤه كثير والغليظ كثير الجبن ولذلك صار الأوّل يطلق البطن والثاني أكثر غذاء إلا أن يطبخ الأوّل فيصير كالثاني صرنا نرمي فيه الحجارة والحديد لأنه يتجبن سريعا ويخلط به عسل وملح وأجود ما يخلط به ذلك وهو يطبخ وكذا يفعل كثير من الأطباء وليس بعجب ولا يكون منكرا أن يكون اللبن بعد أن تفنى مائيته يصب عليه ماء آخر وذلك أن الأطباء لم يهربوا في فعلهم هذا من رطوبة ماء اللبن إنما هربوا من حدتها التي تطلق بها البطن لأن كل لبن مركب من جواهر مختلفة ومتضادة أي ماء اللبن وجبنه ، وفي اللبن مع هذين جوهر آخر ثالث وهو الذي قلت أنه كثير في ألبان البقر ، وأما لبن الضأن والمعز فلهما أيضا شيء من الدسم إلا أن ذلك فيهما أقل منه في لبن البقر ، وأما لبن الأتن فالدسم فيه قليل جدا ولذلك صار لا يتجبن في المعدة إلا في الندرة بأن يشرب ساعة يحلب فإن خلط معه ملح وعسل لم يمكن أن ينعقد في المعدة ويتجبن وبسبب رطوبته صار يطلق البطن أكثر من قبل مائه وما فيه من الجبن فقوّته قوّة تحبس البطن وتعقله وبحسب ما عليه ماء اللبن من الصفة في توليد الدم الجيد إذا قيس إلى الجوهر الآخر الجيد الذي فيه كان يفوق جميع الأشياء المطلقة للبطن وأحسب أن بهذا السبب كانت القدماء تستعمل شرب ماء اللبن في موضع الحاجة إلى إطلاق البطن ، وينبغي أن يخلط معه من العسل مقدار ما يعذب طعمه ويستلذه الشارب له من غير أن يغثي ، وعلى هذا القياس ينبغي أن يكون ما يخلط معه من الملح ما لا يؤذي حاسة الذوق وإن أردت إطلاق البطن كثيرا فأكثر الملح قال : واللبن الجيد أجود الأغذية كلها توليدا للدم المحمود ، وينبغي أن لا يفوتك الإستثناء والشرط الذي قدمت في قولي فإني لم أقل مطلقا أن كل لبن فهو أجود من جميع الأطعمة توليدا للدم المحمود لكن استثنيت فقلت : اللبن الجيد وذلك لأن اللبن الرديء الذي قد خالطه خلط رديء لا يبلغ من بعده أن يولد دما محمودا لأنه إذا استعمله من أخلاط بدنه أخلاط محمودة أفسد أخلاطه وولد فيها دما رديئا وإني لأعرف طفلا توفيت أمه فأرضعته امرأة رديئة الأخلاط فامتلأ بدنه قروحا كثيرة وكانت تغتذي في الربيع بالبقول الدستية لسبب مجاعة أصابت أهل بلدها فامتلأ بدنها قروحا بهذا السبب كمثل القروح التي امتلأ منها بدن الطفل ، وكذلك أصاب قوما أخر ممن كان مقيما في تلك البلاد