وكشكه أن تصب مع الماء منذ أول الطبخ زيتا جيدا بقدر الحاجة وطاقات يسيرة من كراث وشبث ويطبخ حتى إذا انتفخ الشعير ورأيته قد أخذ يتشقق صببت فيه خلا جيدا صافيا ليس بالحديث جدا ولا بالشديد القدم مقدار ما يصير به طعمه مزالا حامضا ، ويطبخ حتى ينحل الشعير فإذا انحل وتهرّى الشعير جعلت فيه من الملح الطيب بقدر الحاجة وأنزلته عن النار وناولت العليل منه إما إن كنت تريد الحال الوسطى بين تلطيف الغذاء وتغليظه فتناوله بثفله ، وأما إن كنت تريد دون هذه الحالة صفيته وناولت المريض عصارته فقط ورميت بثفله وكذا الحال فيما يفعل بحساء الشعير المقدم ذكره. قال أبقراط في كتابه في الأمراض الحادة : اقتصر فيما اتخذ من الشعير على كشكه فقط ويسمى المصفى منه حساء وهو عصارته وكثيرا ما يسمى ذلك ماء الشعير وإنما يسمى اللطيف الرقيق من هذه العصارة ماء الشعير وصرح في كلامه أن كشك الشعير أفضل الأغذية في الأمراض الحادّة لأنه يستجمع فيه عشر خصال لا يمكن اجتماعها بوجه ولا بسبب في غيره من الأغذية في هذه الأمراض وأنا أنبه على ذلك. قال أبقراط في المقالة الأولى من كتابه في الأمراض الحادّة : إن كشك الشعير عندي بالصواب غذاء اختير على سائر الأغذية التي تتخذ من سائر الحبوب في هذه الأمراض وأحمد من قدّمه واختاره على غيره وذلك لأنّ فيه لزوجة معها ملاسة واتصالا ولينا وزلقا ورطوبة معتدلة وتسكينا للعطش وسرعة انغسال إن احتيج إلى ذلك أيضا منه وليس فيه قبض ، ولا تهيج رديء ولا ينفخ ويربو في المعدة لأنه قد انتفخ وربا في الطبخ غاية ما يمكن فيه أن لا ينفخ ويربو. قال ابن رضوان : وأنا أعدّ العشر خصال التي عدها أبقراط في كشك الشعير فأقول الأولى قوله فيه لزوجة معها ملاسة هذه الخصلة يدل بها على أنه متشابه الأجزاء وليس يوجد ذلك في شيء من الأغذية ولذلك يقاوم ما تحدثه الأمراض الحادّة من الخشونة والتلذيع ، الثانية هذه الخصلة أيضا دل بها على أن أجزاء المتشابهة باتصالها تنهضم سريعا معا وتولد معا كيموسا جيدا ، الثالثة كونه لينا وذلك مما يقاوم بها الزعارة ولا يحتاج فيه إلى مضغ ولا غيره ، الرابعة كونه زلقا دل به على أنه يجوز ويمر بالمريّ من غير أن يبقى فيه شيء كما يبقى ما يلحج ويلصق من الأشياء اللزجة مثل حسو الحنطة وهو مع زلقه يجلو ما يجده في ممرّه ، والخامسة كونه رطبا رطوبة معتدلة ، السادسة تسكينه للعطش وهاتان الخصلتان نافعتان المنافع العظيمة جدا في الحميات لأنهما يقاومان جفاف البدن وحرارته ولذلك يضادان ويقاومان ما تحدثه الحمى في البدن ، والسابعة سرعة انغساله وإن ذلك دليل على تليينه للبطن وإنما أراد أبقراط بقوله إن احتيج إلى ذلك منه أنه ليس في كل حمى حادة يحتاج معها إلى تليين البطن ، والثامنة قوله وليس فيه قبض لأن القبض رديء في هذه الحميات من قبل أنه يسد مجاري الغذاء النافذ إلى البدن وإنما يحتاج معها إلى الأغذية القابضة متى كان في فم المعدة والكبد ما يحتاج معها إلى تقويتها بالأشياء القابضة. والتاسعة قوله : ولا تهيج رديء أراد به أنه لا يحدث في وقت انهضامه شيء من التهيج مثل النفخة أو اللذع أو غير ذلك من الأشياء التي تعوق المعدة عن الإنهضام بالسوية على الغذاء ، والعاشرة أن لا ينتفخ ويربو في المعدة كسائر الأطعمة ، وهذا من أفضل خصاله فهذه العشر لا تجتمع في غيره ولذلك يقاوم الحمى الحارة الحادّة ببرده ويبسها برطوبته وما تحدثه في البدن من سائر