فلمّا وصل الكتاب إلى علي بن يقطين ، تعجّب ممّا رسم له ـ مما أجمعت العصابة على خلافه ـ ثمّ قال : مولاي أعلم بما قال ، وأنا ممتثل أمره. فكان يعمل في وضوئه على هذا الحدّ ، ويخالف ما عليه جميع الشيعة ؛ امتثالاً لأمر أبي الحسن.
وسُعي بعلي بن يقطين إلى الرشيد ، وقيل له : إنّه رافضي مخالف لك ، فقال الرشيد لبعض خاصته : قد كثر عندي القول في علي بن يقطين والقَزْف ـ أي الاتهام ـ له بخلافنا ، وميله إلى الرفض ، ولست أرى في خدمته لي تقصيراً ، وقد امتحنته مراراً ، فما ظهر منه عليَّ ما يقرف به ، وأحبّ أن أستبرئ أمره من حيث لا يشعر بذلك فيستحرز منّي.
فقيل له : إنّ الرافضة ـ يا أمير المؤمنين ـ تخالف الجماعة في الوضوء فتخفِّفه ، ولا ترى غسل الرجلين ، فامتَحِنْه من حيث لا يعلم بالوقوف على وضوئه.
فقال : أجل ، إنّ هذا الوجه يظهر به أمره.
ثمّ تركه مدّة وناطه بشيء من الشغل في الدار
، حتّى دخل وقت الصلاة ، وكان علي بن يقطين يخلو في حجرة في الدار لوضوئه وصلاته ، فلمّا دخل وقت الصلاة وقف الرشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يرى علي ابن يقطين ولا يراه هو ، فدعا بالماء للوضوء ، فتمضمض ثلاثاً واستنشق ثلاثاً وغسل وجهه ، وخلل شعر لحيته وغسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً ، ومسح رأسه وأذنيه ، وغسل رجليه ، والرشيد ينظر إليه ، فلمّا رآه الرشيد فعل ذلك لم يملك نفسه حتّى أشرف عليه بحيث يراه ، ثمّ ناداه : كذب ـ يا