غدرانا صغارا لا ينصب إليها أنهار كبار ولا فيها عيون عظام تتبع والذي في المياه التي ليست جريتها قوية رديء أيضا والذي في نقائع الماء والآجام لحمه في الغاية القصوى من كثرة الفضول والرداءة والذي يكون في الأنهار فأجوده ما يكون في أنهار قوية الجرية حادتها ، وأما ما يكون في أنهار تفيض إلى بحيرات فليس هو بالجيد وجودة السمك تكون من قبل غذائه وذلك أن منه ما يغتذي من حشيش وأصول نبات فيكون لحمه لذلك أجود ومنه ما يغتذي من حمأة وأصول رديئة فيكون أخس ومنه ما يغتذي من أقذار مدنية وأوساخها فيكون لذلك أيضا أردأ من جميع السمك حتى أنه إن مكث فضل قليل بعد إخراجه من الماء نتن وما كان من السمك كذلك فكله رديء الطعم عسر الهضم والذي فيه من الغذاء الجيد مقدار يسير ومن الفضول كثير. وأفضل السمك ما كان في بحر صاف نقي الماء جدّا وخاصة إن كان شط ذلك البحر ليس أرضا ترابية ردغة بل إما رملية وإما خشنة صخرية فإن كان مع ذلك البحر ليس أرضا ترابية وكان سمكه يستقبل الشمال كان سمكه بكثير أفضل وذلك أنه تكثر حركته بمهب الريح الذي يخالطه لما وصفناه مما يزيد في جودة الطبع وفضيلة جوهره والسمك الذي يكون في البحيرة المتصلة من أحد جانبيها بنهر عظيم ، ومن الجانب الآخر ببحر لحمه بين السمك البحري والنهري لأنها تستريح إلى الماءين ومن طبع هذا السمك أن يغالب جريه ماء النهر ويبعد عن البحر كثيرا إلا أن السمك البحري ليس له شوك صغار وأما السمك الذي يدخل إلى البحر من الأنهار فإنه مملوء شوكا صغارا يؤخذ ليعرف الجيد من السمك بأن لا يكون في لحمه فضل حدة وحرافة وأما التفه الطعم أو الغالب في طعمه طعم الشحم والدسم فهو أحسن في اللذاذة وأردأ في عسر الهضم وهو أيضا رديء للمعدة رديء الغذاء. وما كان من السمك فيه رطوبة ولزوجة مخاطية فإنه إذا ملح أذهب الملح عنه ذلك والقريب العهد بالملح أفضل والدم المتولد من جميع السمك أرق وألطف من المتولد من المواشي وغذاؤه أسرع تحليلا وأما السمك القليل الرطوبة الذي يكون يكاد يتفتت لعدم الرطوبة والسمين فإنه كثير الغذاء لأنه صلب أرضي قليل الرطوبة والدسم ينفذ سريعا أوّل ما يؤكل ثم يرجع فيقلل الشهوة ، وأما السمك الصخري فسريع الإنهضام وفي غاية الجودة والموافقة لحفظ الصحة لأنه يولد دما متوسط القوام ويتلو السمك الصخري في الفضل السمك اللجي والذي يرعى في مواضع أقذار مدنية فإنه ما ازداد سمنا كان أردأ غذاؤه وأكثر فضولا وما صلب لحمه وغلظ من السمك أكل بالصباغات وبالأشياء الملطفة. وما كان منه فاضلا محمودا فإنه يصلح أسفندياجا للناقهين. وأما الأصحاء الأعضاء فيصلح لهم المشوي على الطابق المكبب.
ابن ماسه : المارماهي يزيد في الباه. جالينوس في السادسة : من منافع الحيوان أنه أبرد الحيوان والدليل على أن السمك بارد أنه إما عديم الدم وإما قليله ، وقال في الخامسة من تدبير الأصحاء أن السمك مدحه في كثير من الناس باطل فإنه وجميع ما يتخذ منه عسر الهضم يولد السدد في الأحشاء وغيرها ، وإنما يقلل من سدده إذا أكل معه عسل كثير ويسخنه العسل ويلطفه ويسرع إخراجه ولا ينبغي أن يؤخذ على السمك المالح الجوارشنات الحارة كي لا يلتهب البدن منه من ساعته ويثور الحموّ بل يكفي في ذلك العسل والفانيذ وليس يجوز أن يأخذ أيضا ذلك عليه من كان محرورا لكن ينبغي أن