وقد أبان عن ذلك في كتابه ( الحور العين ) الذي استعرض فيه آراء مختلف المذاهب والفرق الإِسلامية وآراءها فيمن يتولى منصب الإِمامة ، ويتقلد سلطة حكم الناس دينياً ودنيوياً ، ثم إِنه اختار رأي إِبراهيم بن سيّار النظّام أحد أكبر العلماء من المعتزلة ، ومؤسس الفرقة ( النظامية ) من فرقها ، فجاء في كتابه هذا قوله : « قال بعض المعتزلة ، وبعض المرجئة ، وجميع الخوارج ، وقوم من سائر الفرق : إِن الإِمامة جائزة في جميع الناس ، لا يختص بها قوم دون قوم ، وإِنما تُسْتَحَقُّ بالفضل والطلب ، وإِجماع كلمة أهل الشورى. وقال إِبراهيم بن سيّار النظّام .. وهو أحد الفرسان المتكلمين ، ومن قال بقوله من المعتزلة : الإِمامة لأكرم الخلق وخيرهم عند الله ، واحتجوا بقوله تعالى : ( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى ، وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) [ الحجرات : ٤٩ / ١٣ ]. قال ـ النظّام ـ : فنادى جميع خلقه ، الأحمر منهم والأسود ، والعربي والعجمي ، ولم يخص أحداً منهم دون أحد ، فقال : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ) ، فمن كان أتقى الناس لله ، وأكرمهم عند الله ، وأعلمهم بالله ، وأعملهم بطاعته ، كان أولاهم بالإِمامة ، والقيام في خلقه ، كائناً من كان منهم ، عربياً كان أو عجمياً » (١).
وعلق نشوان على كلام النظّام بقوله : « قال مصنف الكتاب : وهذا المذهب الذي ذهب إِليه النظّام ، هو أقرب الوجوه إِلى العدل ، وأبعدها عن المحاباة » (٢) ، وأكد نشوان رأيه هذا في بحثه عن الإِمامة في هذا الكتاب (٣).
لقد كان نشوان يعلم حق العلم ، أن الإِمامة بعد مؤسسها الهادي يحيى بن الحسين ، قد ابتذلت وهانت حتى ادعاها من ليس أهلاً لها ، فهذا زيد بن علي أحد
__________________
(١) كتاب الحور العين ص (٢٠٤).
(٢) المصدر نفسه ص ( ٢٠٤ ـ ٢٠٥ ).
(٣) انظر مضامين رأيه في فهرس كتابه ( الحور العين ).