وفي الشرق والجنوب الشرقي ، كان هنالك دولة للخوارج الإِباضية ، تتخذ من مدينة ( تَرِيم ) في أعالي وادي حضرموت عاصمة لها ، وكان السلطان فيها على عهد نشوان ، راشد بن شجيعة (١) ، وإِليه سار نشوان لما دعا إِلى نفسه بالإِمامة.
في هذا المحيط الاجتماعي المحتدم بالجدل وعلم الكلام ، والمقارعة بالألسنة وأسنة الأقلام ، والمضطرم بالصراع بالسيوف وأسنة الرماح ونصال السهام ، نشأ نشوان وترعرع ، حتى بلغ في العلم المكان الأرفع بين أهل عصره وعلماء زمانه ، وأصبح عالماً مجتهداً حائزاً على مؤهلات الاجتهاد وشروطه.
ولا شك في أن نشوان بتفاعله مع محيطه هذا باتجاهاته الفكرية والسياسية ، وانطلاقاً من هذا الواقع الحي ، ومن ذاته بما لها من المكانة العلمية الرفيعة ، ثم من خلفيته التاريخية التي تعرف ما كان لليمن في تاريخ العالم القديم من الحضارات الراقية ، وما له وللمنتمين إِليه من دور في نصرة الإِسلام ، ورفع رايته ونشر رسالته ، وهو متأثر في هذا المجال ، بالمؤسس الأول لهذا الاتجاه الوطني اليمني ، أبي محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني المولود سنة ٢٨٠ هـ والمتوفى بين ٣٥٠ ـ ٣٦٠ هـ (٢) ... من خلال هذا كله يستطيع من يترجم له أن يتحدث عن : « أثر التجربة الذاتية في بلورة رأي نشوان حول مسألة الإِمامة ».
ومضمون رأيه في هذه المسألة هو : أنه لا يجوز حصر الإِمامة في قريش ، ومن ثم وبالأولى لا يجوز حصرها في بني هاشم ، لا في الفرع العباسي منهم ، ولا في الفرع العلوي ، وكان لتجربة نشوان الذاتية ، في محيطه اليمني الذي عاش فيه ، أثرها في تكوين رأيه القائل بأن الإِمامة تكون في الأفضل من خلق الله كائناً من كان.
__________________
(١) كتاب ( تيارات معتزلة اليمن ) للدكتور علي محمد زيد ص (١١٨).
(٢) انظر تحقيق القاضي العلامة محمد بن علي الأكوع للرسالة العاشرة من ( سرائر الحكمة ) للهمداني ، والجزء العاشر من ( الإِكليل ) تحقيقه أيضاً ص (٢٨).