لهذا نحن لا نريد من خلال دراستنا وتحقيقاتنا التاريخية الهدم الذي يؤدي إلىٰ التخلّف ، ولكن نبتغي إعادة بناء وضعنا الحالي ، وهذا لن يتأتىٰ إلّا إذا قبضنا بأيدينا علىٰ مفتاح السر ، لنفتح به العصر الجديد ، ذلك العصر الذي يتجدد فيه البالي ولا يبلىٰ فيه ماهو روحي أو أخلاقي ، وهذا لن يتأتىٰ إلّا بدراستنا لتاريخنا علىٰ غير المنهج الذي اتبعه أسلافنا وإلّا ضعنا نهائياً.
إذن الحل الوحيد هو اكتساب الجرأة النقدية ; المبنية علىٰ إخضاع كل المسلمات للتحقيق ، بحيث لا يبقىٰ ثابت إلّا ماهو ثابت طبيعياً ودينياً أما غيره فمآله إلىٰ إعادة النظر ، وهو ضرورة حتمية بحيث قد أصبح من الضروري القيام بفعل نقدي يكتسح كل ألوان السذاجة ، وعدم الامانة (١).
إننا نحتاج إلىٰ عملية استقلاب (Metabolisme) تاريخية نستطيع من خلالها إظهار الحقائق والتي هي متطلبات آنية عبر عملية الهدم التاريخي ، او ما يمكن الاصطلاح عليه (cotabolisme historique) ، حتىٰ يتم التخلص من كل ما يمكن أن يسبب التسمم المعرفي والتخلف للأمة الإسلامية ; وإعادة بنائها من جديد عبر بناء تاريخي (Anabolisme historique) مستفيدين من كل ماتم استخلاصه عبر
______________
(١) البرت اشفيتسر : فلسفة الحضارة ص ٣٣٩ ترجمة عبد الرحمن البدوي ١٩٩٨ دار الاندلس للطباعة والنشر والتوزيع.