واصبر حتى تلقى نبيك
صلى الله عليه وآله وهو عنك راض.
ثم تكلم الحسين عليه السلام ، فقال : يا
عماه ، إن الله تعالى قادر أن يغير ما قد ترى ، والله كل يوم هو في شأن ، وقد منعك
القوم دنياهم ، ومنعتهم دينك ، فما أغناك عما منعوك ، وأحوجهم الى ما منعتهم ، فأسأل
الله الصبر والنصر ، واستعذ به من الجشع والجزع ، فإن الصبر من الدين والكرم ، وأن
الجشع لا يقدم رزقا ، والجزع لا يؤخر أجلا.
ثم تكلم عمار رحمه الله مغضبا ، فقال : لا
آنس الله من أوحشك ، ولا آمن من أخافك ، أما والله لو أردت دنياهم لأمنوك ، ولو
رضيت أعمالهم لأحبوك ، وما منع الناس أن يقولوا بقولك إلا الرضا بالدنيا ، والجزع
من الموت ، ومالوا الى سلطان جماعتهم عليه ، والملك لمن غلب ، فوهبوا لهم دينهم ، ومنحهم
القوم دنياهم ، فخسروا الدنيا والآخرة ، ألا ذلك هو الخسران المبين.
فبكى أبو ذر رحمه الله ، وكان شيخاً
كبيراً وقال : رحمكم الله يا أهل بيت الرحمة ، إذا رأيتكم ذكرت بكم رسول الله صلى
الله عليه وآله ، مالي بالمدينة سكن ولا شجن غيركم ، اني ثقلت على عثمان بالحجاز ،
كما ثقلت على معاوية بالشام ، وكره أن أجاور أخاه وابن خاله بالمصرين ، فافسد الناس عليهما ، فسيرني الى بلد
ليس لي به ناصر ولا دافع إلا الله ، والله ما اريد إلا الله صاحبا ، وما أخشى مع
الله وحشة.
ورجع القوم الى المدينة ، فجاء علي عليه
السلام الى عثمان ، فقال له : ما حملك على رد رسولي ، وتصغير أمري ، فقال علي عليه
السلام : أما رسولك ، فأراد أن يرد وجهي فرددته ، وأما أمرك فلم أصغره.
__________________