الزبير لم ينقل في جواب ابن عباس نهي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ونسخه لجوازها ، بل هدّده بالرجم إن تمتّع ، وينقل عن ابن جريج انّه أيضاً كان يرى بقاء جوازها وتمتّع بعدة من النساء ، وأئمّة أهل البيت أيضاً قالوا ببقاء جوازها.
دع العصبية المذهبية والنزعة غير الدينية عنك واسمع إلى قولي لا سمع انكار ولا سمع تقليد ، بل سمع تحقيق وانصاف ، فأقول يمكن أن يقال : انّ نهي عمر عنها لم يصدر عنه ضد التشريع الديني ونسخ الحكم ، فانّه يعرف انّه لا صلاحية له ولكل مسلم في التشريع ، وانّما هو بإرادة الله سبحانه وتعالى واليه الحكم تكويناً وتشريعاً : ( وَمَن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ... فأولئك هم الظالمون ... فأولئك هم الفاسقون ) (١).
بل نهي عنه عمر لا بعنوان المفتى بل بعنوان الحاكم ، وبين الحكم والفتوى فرق جلي ، ولولي أمر المسلمين وخليفتهم اصدار أحكام سياسية مؤقتة تقديماً للاَهم على المهم ، فهو انّما منعها لمصلحة رآها في زمانه ، ومثل هذا الحكم في حوزة صلاحية كلّ حاكم اسلامي يدير أمر اُمّة من الاُمّم الاسلامية ، فله ان يمنع من السفر إلى بلدة خاصة مطلقاً أو بشرط ، وله منع تصدير أموال خاصة تجارية إلى مكان كذا أو استيرادها من بلد كذا ، وله منع تجوّل الناس في وقت خاص في مكان خاص وهكذا ، والمتعة لم تكن من الواجبات بل من المباحات ، فحكم بمنع الناس عنها لمصلحة رآها ، وانّما الاَعتراض على الفقهاء حيث علموا منه الفتوى والحكم الدائمي فأفتوا بعدم مشروعيتها ، وهذا ممّا ينافي الكتاب والاَحاديث المتقدّمة ، فمن يفتي بجوازها اليوم أو أمس لا يعد مخالفاً
__________________
(١) المائدة ٥ : ٤٤ ـ ٤٧.