قال أبو عبيد : والقول الذي نختاره في هذا ما قال أهل المدينة من جهتين أحدهما : تأويل القرآن الذي فسره ابن عباس ، والأخرى أنه قول يوافق بعضه بعضا ولا يختلف ، وأما القول الآخر فليس بمتفق من التنزيل إنما هو على نسق واحد : ( أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِ ) فأخذ هؤلاء بأول الآية (١) وهو قوله : ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) وتركوا ما وراء ذلك ، وليس لأحد أن يفرق بين ما جمع الله عزوجل فيأخذ ببعضه دون بعض إلا أن يفرق بين ذلك كتاب أو سنة ، فهذا ما نسخ من حدود القرآن وأما ما نسخ من حدود السنة :
٢٥٣ ـ فإن هشيما حدثنا قال : أخبرنا عبد العزيز بن صهيب وحميد (٢) قالا : حدثنا أنس بن مالك : أن ناسا من عرينة (٣) قدموا على النبي ـ صلّى الله عليه ـ المدينة فاجتووها (٤) فقال لهم رسول الله ـ صلّى الله عليه ـ إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من أبوالها وألبانها ففعلوا فصحّوا ومالوا على الرعاء فقتلوهم وارتدوا عن الإسلام واستاقوا ذود (٥) رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فبلغ ذلك رسول الله ـ صلّى الله عليه ـ فبعث في آثارهم فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم (٦) وتركوا بالحرة حتى ماتوا (٧).
__________________
(١) في المخطوط بالتاء من التأويل والصواب بالباء من العدد.
(٢) هو حميد الطويل.
(٣) عرينة : تصغير عرنة : موضع ببلاد فزارة ، وقيل : قرى بالمدينة ، وعرينة : قبيلة من العرب.
( النهاية ٤ / ١١٥ ).
(٤) اجتووها : أي أصابهم الجوى : وهو المرض وداء الجوف إذا تطاول ، وذلك إذا لم يوافقهم هواؤها واستوخموها.
( النهاية ١ / ٣١٨ ).
(٥) الذود من الإبل وهو ما بين الثنتين إلى التسع ، قال أبو عبيد : الذود من الإناث دون الذكور.
( النهاية ٢ / ١٧١ ).
(٦) سمل أعينهم : أي فقأها بحديدة محماة أو غيرها ، وقيل هو فقؤها بالشوك ، والسّمل والسّمر بمعنى واحد.
( النهاية ٢ / ٤٠٣ ).
(٧) روى نحوه البخاري في صحيحه ج ٨ ، كتاب الحدود « باب المحاربين من أهل الكفر والردة » ص ١٩