وعلى أساس ذلك غلب عليهم اسم السنة في مقابل الشيعة الذين رجعوا إلى الأئمة من أهل البيت (ع) وإلى مارواه ثقاة الصحابة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالإضافة إلى كتاب الله في جميع ما جاء به الإسلام من أصول وفروع ، وتشريعات ، ولم يعرف الجمهور بهذا الوصف قبل أواخر القرن الأول ، وبهذا الاعتبار يمكن اعتبار التسنن من الأحداث الطارئة ، وبخاصة عندما نلاحظ أن مفهوم السنة خلال تلك الفترة من تاريخ المسلمين قد أصبح أوسع ممّا كان عليه في عهد الصحابة ، والطبقة الأولى من التابعين ، فبعد أن كان عند أوائلهم لا يتجاوز أقوال الرسول ، وأفعاله وكانوا يلاحقون الراوي للتأكد من صدقه وبعضهم يستحلفه ، ويتجنب أكثرهم مرويات أبي هريرة ، وكعب الأحبار ، وأمثالهما ممّن كانوا لا يتورعون الكذب ، والافتراء ، على الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بالرّغم من أن درة ابن الخطاب كانت لهم بالمرصاد.
فبعد أن كانت لا تتعدى أقوال الرسول ، وأفعاله عند متقدّمي الصحابة ، أصبحت في العصور التي تعدّدت فيها المذاهب ، وتوزعت في العواصم ، وبقية الأقطار بنظر العلماء ، وأئمة المذاهب تتسع لرأي الصحابي ، وفتواه إذا لم يجدوا نصّاً على حكم الواقعة في كتاب الله ، وسنة الرسول ، وأصبحت آراء الصحابة في أحكام الحوادث التي كانت تعرض عليهم المصدر الثالث من مصادر التشريع بعد كتاب الله ، وسنة رسوله ، ولعلّ أئمة المذهب الثلاثة وعلماءهم الأحناف والمالكية ، والحنابلة ، أكثر تعصّباً لآراء الصحابة ، واجتهاداتهم من الشوافع كما يبدو ذلك من تصريحاتهم ، ومجاميعهم الفقهية ، ومع أن أبا حنيفة كان متحمساً للقياس ، ويراه من أفضل المصادر بعد كتاب الله ، كان يقدم رأي الصحابة عليه إذا تعارضا في مورد من الموارد (١).
__________________
(١) المستصفى للغزالي ص ١٣٥ـ ١٣٦.