أهل بيته ، وكان أشدّ الناس بلاءاً حينئذ أهل الكوفة ; لكثرة من بها من شيعة عليّ عليهالسلام فاستعمل عليهم زياد بن سميّة وضمّ إليه البصرة ، فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف ; لأنّه كان منهم أيام عليّ عليهالسلام ، فقتلهم تحت كلّ حجر ومدر ، وأخافهم ، وقطع الأيدي والأرجل ، وسمل الأعين ، وصلبهم على جذوع النخل ، وطردهم وشرّدهم عن العراق ، فلم يبقَ بها معروف منهم.
وكتب معاوية إلى عمّاله في جميع الآفاق : أنْ لا يجيزوا لأحد من شيعة عليّ وأهل بيته شهادة ، وكتب إليهم أنْ اُنظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبّيه وأهل ولايته والذين يروون فضله ومناقبه فأدنوا مجالسهم وقرّبوهم وأكرموهم ، واكتبوا لي بما يروي كلّ رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته. ففعلوا ذلك حتّى أكثروا من فضائل عثمان ومناقبه ، لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع ، ويفيضه في العرب منهم والموالي ، فكثر ذلك في كلّ مصر ، ونتافسوا في المنازل والدنيا ، فليس يجئ أحد من الناس عاملاً من عمّال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلا كتب اسمه وقربّه وشفّعه ، فلبثوا بذلك حيناً.
ثمّ كتب معاوية إلى عماله : أنّ الحديث في عثمان قد كثر ، وفشا في كلّ مصر ، وفي كلّ وجه وناحية ، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة ، والخلفاء الأوّلين ، ولاتتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة ، فإنّ هذا أحبّ إليّ ، وأقرّ لعيني ، وأدحض لحجّة أبي تراب وشيعته ، وأشدّ عليهم من مناقب عثمان وفضائله.
فقرئت كتبه على الناس ، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة ولا حقيقة لها ، وجدّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتّى أشاروا بذلك على المنابر ، وألقى إلى معلمي الكتاتيب ، فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع ، حتّى رووه وتعلّموه كما يتعلمون القرآن ، وحتّى علّموا بناتهم ونساءهم