اشْتَرَكَا فِى أَصْلِ الفِقْهِ وَلكِنْ فِقْهُ الْأَوَّلِ زَادَ عَلَى
فِقْهِ الثَّانِى وَيُقَالُ هذَا أَضْعَفُ مِنْ هذَا إِذَا اشْتَرَكَا فِى أَصْلِ
الضَّعْفِ.
وَقَدْ
يُعَبَّرُ الْعُلَمَاءُ عَنْ هذَا بِعِبَارَةِ أُخْرَى فَيَقُولُونَ هذَا أَصَحُّ
مِنْ هذَا ومُرَادُهُمْ أَنَّهُ أَقَلُّ ضَعْفاً وَلَا يُرِيدُونَ أَنَّهُ فِى
نَفْسِهِ صَحِيحٌ وَعَلَى الْعَكْسِ ( أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ) وَالْمُرَادُ
أَنَّهُ أَقَلُّ دَرَجَاتِهِ وَأَدْنَى مَرَاتِبِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ ظَاهِرَ
اللَّفْظِ لِأَنَّهُ يَكُونُ ذَمًّا وَهذِهِ الحالُ وَاجِبَةٌ وَالْوَاجِبُ لَا
يَكُونُ مَذْمُوماً ولكِنَّهُ لَمَّا كَانَ دُونَ غَيْرِهِ فِى الْقُوَةِ كَانَ
ضَعِيفاً بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذلِكَ وَإِنْ كَانَ فِى نَفْسِهِ قَوِيًّا.
(
وَالْمَعْنَى الثَّانِى ) أَنْ يَكُونَ
بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ فَيَنْفَرِدُ بِذلِكَ الْوَصْفِ مِنْ غَيْرِ مُشَارِكٍ فِيهِ.
قَالَ ابْنُ
الدَّهَّانِ وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُ أَفْعَلَ عَارِياً عَنِ اللَّامِ
وَالْإِضَافَةِ وَمِنْ مُجَرَّداً عَنْ مَعْنَى التَّفْضِيلِ مُؤَوَّلاً بِاسْم
الْفَاعِلِ أَوِ الصِّفَةِ المشَبَّهةِ قِيَاساً عِنْدَ المبَرَّدِ سَمَاعاً
عِنْدَ غَيْرِهِ قَالَ :
قُبَّحْتُمُ
يَا آلَ زَيْدٍ نَفَرَا
|
|
الْأَمُ
قَوْمٍ أَصْغَراً وَأَكْبَراً
|
أَىْ صَغِيراً
وَكَبِيراً وَمِنْهُ قَوْلُهُم نُصَيْبٌ أَشْعَرُ الحَبَشَةِ أَىْ شَاعِرُهُمْ إِذْ لَا شَاعِرَ فِيهِمْ
غَيْرُهُ وَمِنْهُ عِنْدَ جَمَاعَةٍ قَوْلُهُ تَعَالَى ( وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ) أَىْ هَيِّنٌ إِذِ الْمَخْلُوقَاتُ كُلُّها مُمْكِنَاتٌ
وَالْمُمْكِنَاتُ كُلُّهَا مُتَمَاثِلَاتٌ مِنْ حَيْثُ هِىَ مُمْكِنَة لِتَعَلُّقِ
الْجَمِيعِ بِقدْرَةٍ وَاحِدَةِ فَوَجَب أنْ يَسْتَوِىَ الْجَمِيعُ فِى نِسْبَةِ
الْإِمْكَانِ وَالْقَوْلُ بِتَرْجِيحِ بَعْضِهَا بِلَا مُرَجِّحِ مُمْتَنِعٌ فَلَا
يَكُونُ شَىءٌ أَكْثَرَ سُهُولةً مِنْ شىءٍ وَزَيْدٌ الْأَحْسَنُ وَالْأَفْضَلُ
أَىِ الحَسَنُ وَالْفَاضِلُ وَيُقَالُ لِأَخَوَيْنِ مَثَلّا زَيْدٌ الْأَصْغَرُ
وَعَمْرٌو الْأَكْبَرُ أَىِ الصَّغِيرُ والْكَبِيرُ وَعَلَى هذَا الْمَعْنَى
يُوسُفَ أَحْسَنُ إِخْوَتِهِ أَىْ حَسَنُهُمْ فَالْإِضَافَةُ
لِلتَّوْضِيحِ وَالْبَيَانِ مِثْلُ شَاعِرُ البَلَدِ وَأَمَّا أَبْعَدُ
الْأَجَلَيْنِ وَأَقْصَى الْأَجَلَيْنِ اذَا كَانَا بَعِيدَيْنِ فَمِنَ الْقِسْمِ
الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَرِيباً وَالْآخَرُ بَعِيداً فَهُوَ مِثْلُ
زَيْدٌ الْأَكْبَرُ وَعَمْرٌو الْأَصْغَرُ وَشِبْهُهُ وَقَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ
أَيْضاً وَيُرَادُ بِأفْعَلَ مَعْنَى فَاعِلِ فَيُثَنَّى وَيُجْمَعُ وَيُؤَنَّثُ
فَتَقُولُ زَيْدٌ أَفْضَلُكُم والزَّيْدَانِ أَفْضَلَاكمْ وَالزَّيْدُونَ
أَفْضَلُوكُمُ وَأَفَاضِلُكُمْ وهِنْدٌ فُضْلَاكُمْ وَالهِنْدَان فُضْلَيَاكُمْ
وَالهِنْدَاتُ فُضْلَيَاتُكُمْ وَفُضَلُكُمْ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ مُحَاذَاةُ
الأسْفَلِ الْأَعْلَى أىِ السَّافِلِ العالى وَقَالَ تَعَالَى
(
وَأَنْتُمُ
الْأَعْلَوْنَ )
أَىِ العَالُونَ
وَيَجُوزُ إِضَافَةُ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ إِلَى المَفَضَّلِ عَلَيْهِ فيُشْتَرطُ
أَنْ يَكُونَ المَفَضَّلُ بَعْضَ المَفَضَّلِ عَلَيْهِ فَتَقُولُ زَيْدٌ أَفْضَلُ
الْقَوْمِ وَالْيَاقُوتُ أَفْضَلُ الْحِجَارَةِ وَلَا يَجُوزُ الْيَاقُوتُ
أَفْضَلُ الْخَزَفِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ قَالُوا وَعَلَى هذَا فَلَا يُقَالُ
يُوسُفُ أَحْسَنُ إِخْوَتِهِ لِأَنَّ فِيهِ إِضَافَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا إِضَافَةُ
أَحْسَنَ إِلَى إِخْوَتِهِ وَالثَّانِيَةُ إِضَافَةُ إِخْوَتِهِ إِلَى ضَمِيرِ
يُوسُفَ وَشَرْطُ أَفْعَلَ هذَا أَنْ يَكُونَ بَعْضَ مَا يُضَاف إِلَيْهِ
وَكَوْنُهُ بَعْضَ مَا يُضَافُ إِلَيْهِ يَمْنَعُ مِنْ إِضَافَةٍ مَا هُوَ
بَعْضُهُ إِلَى ضَمِيرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِضَافَةِ الشَّىءِ إِلَى نَفْسِهِ.
وَيُقَالُ
زَيْدٌ أَفْضَلُ عَبْدٍ بِالْإِضَافَةٍ وَأَفْضَلُ عَبْداً بِالنَّصْبِ عَلَى
التَّمْيِيزِ وَالْمَعْنَى عَلَى الْإِضَافَة أَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِالعُبُودِيَّةِ
مُفَضَّلٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ العَبِيدِ وَعَلَى النَّصْبِ لَيْسَ هُوَ
مُتَّصِفاً بِالْعُبُودِيَّةِ بَلِ المتَّصِفُ عَبْدُهُ وَالتَّفْضِيلُ لِعَبْدِهِ
عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْعَبِيدِ فَالْمَنْصُوبُ بِمَنْزِلَةِ الْفَاعِلِ كَأَنَّهُ
قِيلَ زَيْدٌ فَضَلَ عَبْدُهُ غَيْرَهُ مِنَ الْعَبِيد وَمِثْلُهُ قَوْلُهُمْ
زَيْدٌ أَكْرمُ أَباً وَأَكْثَرُ قَوماً فَالتَّفْضِيلُ بِاعْتِبَارِ
مُتَعَلَّقِهِ كَمَا يُخْبَرُ عَنْهُ بِاعْتِبَارِ مُتَعَلَّقِهِ نَحْوُ قَوْلِهِمْ
زَيْدٌ أَبُوهٌ قَائِمٌ. وَحَكَى الْبَيْهَقِى مَعْنًى ثَالِثاً فَقَالَ تَقُولُ
الْعَرَبُ زَيْدٌ أَفْضَلُ النَّاسِ وَأَكْرَمُ النَّاسِ أَىْ مِنْ أَفْضَلِ
النَّاسِ وَمِنْ أَكْرَمِ النَّاسِ.
وَإِذَا كَانَ
أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ مَصْحُوباً بِمِنْ فَهُوَ مُفْرَدٌ مُذَكَّرٌ مُطْلَقَاً
لِأَنَّهُ مُفْتَقِرٌ فِى مَعْنَاه وَتَمَامِهِ إِلَى مِنْ كَافْتِقَار
الْمَوْصُولِ إِلَى صِلَتِهِ وَالْمَوْصُولُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ مُطْلَقاً فَكَذلِكَ
مَا أَشْبَهَهُ.
وَإِذَا كَانَ
بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَلَا بُدَّ مِنَ المطَابَقَةِ تَقُولُ زَيْدٌ الْأَفْضَلُ
وَهِنْدٌ الفُضْلَى وَهُمَا الْأَفْضَلَانِ وَالفُضلَيَانِ وَهُمُ الْأَفْضَلُونَ
وَهُنَّ الفُضْلَيَاتُ وَالفُضَلُ وَإِنْ كَانَ مُضافاً إِلَى مَعْرِفَةٍ نَحْوُ
أَفْضَلُ الْقَوْمِ جَازَ أَنْ يُسْتَعْمَلَ اسْتِعْمَالَ الْمَصْحُوبِ بِمَنْ
وَجَازَ أَنْ يُسْتَعْمَلَ اسْتِعْمَالَ الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ وَقِيلَ إِنْ
كَانَتْ مِنْ مَنْويَّةً مَعَهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فى
اللَّفْظِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ منْويَّةً فَالْمُطَابَقَةُ.
وَيُجْمَعُ
أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ مُصَحَّحاً نَحْوُ الْأَفْضَلُونَ وَيَجِئُ أَيْضاً عَلَى
الْأَفَاعِلِ نَحْوُ الْأَفَاضِلِ.
فَإِنْ كَانَ
أَفْعَلُ لِغَيْرِ التَّفْضِيلِ لَمْ يُجْمَع مُصَححاً قَالَ الْفَارَابِىُّ
أَفْعَلُ وَفَعْلَاءُ إِذَا كَانَا نَعْتَيْنِ جُمِعَاً عَلَى فُعْلٍ نَحْوُ
أَحْمَرَ وَحَمْرَاءَ وَحُمْرٍ وَإِذَا كَانَ أَفْعَلُ اسْماً جُمِعَ عَلَى
أفَاعِلَ نَحْوُ الْأَبْطَحِ وَالْأَبَاطِحِ وَالْأَبْرَقُ وَالْأَبَارِقِ.
وَإِذَا قِيلَ
زَيْدٌ أَفْضَلُ مِنَ الْقَوْمِ وَزَيْدٌ أَفْضَلُ الْقَوْمِ فَهُمَا فِى
الْتَّفْضِيلِ بِمَعْنىً لكِنَّهُمَا يَفْتَرِقَانِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ
أَنَّ الْمَصْحُوبَ بِمِنْ مُنْفَصِلٌ مِنْ المُفَضَّلِ عَلَيْهِ وَالْمُضَافُ
بَعضُ المفَضَّلِ عَلَيْهِ وَلِهذَا لَا يُقَالُ زَيْدٌ أَفْضَلُ الْحِجَارَةِ
لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا وَيُقَالُ زَيْدٌ أَفْضَلُ مِنَ الْحِجَارَةِ لِأَنَّهُ
مُنْفَصِلٌ عَنْهَا وَتَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ والْخَيَرُ أَفْضَلُ مِنَ
الشَّرِّ والبُرُّ أَفْضَلُ مِنَ الشَّعِيرِ وَأَمَّا مِنْ فَمَعْنَاهَا
ابْتِدَاءُ الْغَايَةِ قَالَ الْمُبَرد إِذَا قُلْتَ زَيْدٌ أَفْضَلْ مِنْ عَمْرو
فَمعْنَاهُ أَنَّهُ ابْتَدَأ فَضْلُهُ فِى الزّيَادَةِ مِنْ عَمْرو وَقَالَ
بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ يَزِيدُ فَضْلُه مُتَرَقِّياً مِنْ عِنْدِ عَمْرو وَهُوَ
مَعْنَى قَوْلِ الْمُبَرَّدِ وَيَجُوزُ فِى الشِّعرِ تَقْدِيمُ مِنْ ومَعْمُولِهِ
عَلَى الْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ قَالَ الشَّاعِرُ :