ولو لا صحة ذلك لم يكن لذمة من يتبع المتشابه ابتغاء الفتنة معنى ، لأنه كان يجب فى كل من اتبع المتشابه أن يكون مذموما ، لأنه انما يلزم الإيمان به فقط ، فلما ذمهم على اتباعهم المتشابه لابتغاء الفتنة ، علم أن من اتبع المتشابه للدين وعلى الوجه الصحيح ، يكون محمودا.
فكل ذلك يبين أنه ليس فى كتاب الله عز وجل شيء الا وقد أراد عز وجل به ما يمكن المكلف أن يعرفه ، وان اختلفت مراتب ذلك ؛ ففيه ما يستقل بنفسه ويمكن معرفة المراد بظاهره وفيه ما يحتاج الى قرينة على الجملة ، وفيه ما يحتاج الى قرينة (١) مفصلة.
فأما قوله عز وجل فى فواتح السور ، وذلك مثل : ( المص ) (٢) و ( الم ) (٣) الى ما شاكله ، فليس من المتشابه. وقد أراد عز وجل به ما اذا علمه المكلف كلن صلاحا له. وأحسن ما قيل فيه ما روى عن الحسن (٤) وغيره من أنه عز وجل
__________________
(١) د. مرتبة
(٢) سورة الأعراف : ١.
(٣) قوله تعالى : ( الم ) ورد فى مطلع ست سور هى : البقرة ، آل عمران ، العنكبوت الروم ، لقمان ، السجدة.
(٤) الحسن بن يسار البصرى مولى الأنصار ، وأمه خيرة مولاة أم سلمة ، أحد كبار التابعين وإمام أهل البصرة فى زمانه ، كان فصحا شجاعا ورعا ، ولد بالمدينة لسنتين بقيتا من خلافة عمر وتوفى عام (١١٠) للهجرة عن تسعة وثمانين عاما. تهذيب التهذيب لابن حجر : ٢ ـ ٢٦٣ شرح عيون المسائل للحاكم الورقة ٧٢ ـ مخطوط ـ وقد رجحنا أن المراد (بالحسن ) فى كلام المؤلف الحسن البصرى ، لأن صاحب البحر المحيط نسب الرأى المذكور إلى ( الحسن ) بين جملة من آراء التابعين ، ولأن الحسن البصرى عند القاضى أشهر من أن يعرف ، وقد نسب اليه رسالة فى العدل والتوحيد أرسلها إلى عبد الملك بن مروان ، ووضعه فى الطبقة الثالثة من رجال الاعتزال. أنظر : شرح عيون المسائل ١ ـ ورقة ٧٢ وقد استهل الشريف المرتضى الحديث عنه ، بقوله : ( وأحد من تظاهر من المتقدمين بالقول بالعدل ، الحسن البصرى ... ) أمالى المرتضى ١ ـ ١٥٢ ، الطبعة الأولى ١٣٧٣.