مصالح العباد ، وقد ثبت أن النفع لا يقع بالخطاب بجنسه ولا بسائر صفاته ، وإنما يقع به لأمر يرجع إلى معناه ، ولذلك يقبح من أحدنا إذا كان غرضه إفهام الغير ومخاطبته أن يخاطبه بالزنجية مع تمكنه من أن يخاطبه بالعربية ، ولا سبيل له إلى معرفة الزنجية البتة. فإذا صح أنه عز وجل خاطب بلغة مخصوصة وغرضه نفع المكلف على ما بيناه ، فلا (١) بد فى جميع كلامه من أن يكون دلالة يمكن أن يستدل به على المراد ، ولو جوزنا ـ والحال هذه ـ فى بعض خطابه أن لا يكون عز وجل أراد به ما يصح من المكلف أن يعرفه ، لجوزنا ذلك فى سائره. وذلك يوجب أن لا يوثق بشيء من خطابه ، وأن يكون عابثا فى ذلك ، وأن لا يكون بينه وبين أن يخاطبنا ـ ونحن عرب ـ بالزنجية فرق! وفساد ذلك يبطل هذا القول.
فأما قول من يقول إن الواجب فى المتشابه الإيمان به فقط فذلك بعيد ، لأنه يجب أن يعلم على أى وجه يصح أن يخاطب عز وجل به ، ثم يؤمن المكلف به على ذلك الوجه. وإن كان المخالف يقول انه نؤمن (٢) بأنه من كلامه تعالى وأنه لم يرد به شيئا ، فهو الذى بينا فساده. وان قال : نؤمن أنه قد أراد به ما للمكلف فيه نفع ولا يمكنه أن يعرف ذلك ، فهذا يوجب كونه عابثا ، وكأنه أوجب على الخلق فى المتشابه أن يعتقدوا فيه أنه لا فائدة فيه ، ويتعالى الله عن ذلك. وكتاب الله عز وجل ينطق بما قلناه ، لأنه بهن أنه أنزله فيكون (٣) شفاء وهدى ورحمة ، وبين أن فيه البيان ، والكفاية واقعة به ، ولو كان لا يفهم به المراد لم يصح ذلك فيه.
__________________
(١) د : ولا
(٢) ساقطة من د.
(٣) لعل قوله : (ليكون) أصح.