وغنى عن البيان أن القاضى وهو يؤلف أو يملى فى الكلام على مذهب أصحابه ـ وكان مقدّمهم وصاحب الرئاسة فيهم ـ ما كان له أن يتهاون فى إقامة الدليل على بطلان مذهب خصومه من الأشاعرة وغيرهم!. بل على العكس من ذلك نجده فيما يتصل بالأشاعرة وإمامهم أبى الحسن ، رحمهالله ، يشتد فى القسوة عليهم فى كثير من الأحيان ، نظرا لغلبتهم على العامة ، ولمعرفته بمواطن الضعف فى هذا المذهب الذى كان قد نشأ عليه ، ولهذا لا نجد فى اتهام بعض كتاب التراجم له ، كالذهبى وابن حجر ، بأنه من غلاة المعتزلة ، ما يوجب البحث والتأمل.
لكن من طريف ما يتصل بهذا الموضوع ما نقله صاحب لسان الميزان عن الخليلى قال : « كتبت عنه ، وكان ثقة فى حديثه ، لكنه داع إلى البدعة لا تحل الرواية عنه! (١) » وما نقله ابن العماد عن ابن قاضى شهبة قال : « وكان شافعى المذهب ، وهو مع ذلك شيخ الاعتزال! (٢) » ، وكأن الجمع بين المذهب الشافعى فى الفروع ، والاعتزال فى الأصول ، من المحال! أو كأن الشافعية لم يكن فيهم معتزلى واحد قبل القاضى عبد الجبار! سواء أكان من عامتهم ، أم من شيوخهم! (٣)
وفى اصول الفقه :
نجد ابن خلدون يتحدث عن أفضل ما كتب فيه على طريقة المتكلمين ، فيجعل لكل من الأشعرية والمعتزلة فى ذلك كتابين ؛ البرهان : لإمام الحرمين
__________________
(١) ابن حجر : ٣ / ٣٨٧.
(٢) شذرات الذهب : ٣ / ٢٠٣.
(٣) انظر الفصل الذى عقده الحاكم للذين ذهبوا مذهب العدل من الفقهاء ، والذى تحدث فيه عمن ذهب إلى الاعتزال من أصحاب الشافعى ، ومنهم أبو بكر الصيرفى ، وأبو بكر الدقاق ، وأبو بكر القفال الشاشى : شرح عيون المسائل : ١ / ورقة ١٥٨ ، وانظر فيه قضاة الشافعية الذين كانوا يرون رأى المعتزلة ، ورقة ١٣٤ ؛ والورقة ١٣٦.
[ م ـ ٢ المقدمة ]