مع تركهم جماعات من ذوى الأصوات الحسان ، عارفين بالمقامات والالحان لخروجهم عن التجويد والإتقان ، وأخبرنى جماعة من شيوخى وغيرهم أخبارا بلغت التواتر عن شيخهم الإمام تقى الدين محمد بن أحمد الصائغ المصرى رحمهالله وكان أستاذا فى التجويد أنه قرأ يوما فى صلاة الصبح « وتفقد الطير فقال ما لى لا أرى الهدهد؟ » وكرر هذه الآية فنزل طائر على رأس الشيخ يسمع قراءته حتى أكملها فنظروا اليه فاذا هو هدهد ، وبلغنا عن الاستاذ الإمام أبى محمد عبد الله بن على البغدادى المعروف بسبط الخياط مؤلف المبهج وغيره فى القراءات رحمهالله أنه كان قد أعطى من ذلك حظا عظيما ، وأنه أسلم جماعة من اليهود والنصارى من سماع قراءته ، وآخر من علمناه بلغ النهاية فى ذلك الشيخ بدر الدين محمد بن أحمد ابن بصخان شيخ الشام ، والشيخ إبراهيم بن عبد الله الحكرى شيخ الديار المصرية رحمهماالله ، وأما اليوم فهذا باب أغلق ، وطريق سد ، نسأل الله التوفيق ، ونعوذ به من قصور الهمم ونفاق سوق الجهل فى العرب والعجم. ولا أعلم سببا لبلوغ نهاية الاتقان والتجويد ، ووصول غاية التصحيح والتشديد ، مثل رياضة الألسن ، والتكرار على اللفظ المتلقى من فم المحسن ، وأنت ترى تجويد حروف الكتابة كيف يبلغ الكاتب بالرياضة وتوقيف الاستاذ ، ولله در الحافظ أبى عمرو الدانى رحمهالله حيث يقول : ليس بين التجويد وتركه ، إلا رياضة لمن تدبره بفكه فلقد صدق وبصر ، وأوجز فى القول وما قصر ؛ فليس التجويد بتمضيغ اللسان ، ولا بتقعير الفم ، ولا بتعويج الفك ، ولا بترعيد الصوت ، ولا بتمطيط الشد ، ولا بتقطيع المد ، ولا بتطنين الغنات ، ولا بحصرمة الراآت ؛ قراءة تنفر عنها الطباع ، وتمجها القلوب والاسماع ، بل القراءة السهلة العذبة الحلوة اللطيفة ، التى لا مضغ فيها ولا لوك ، ولا تعسف ولا تكلف ، ولا تصنع ولا تنطع ، ولا تخرج عن طباع العرب وكلام الفصحاء بوجه من وجوه القراءات والأداء ، وها نحن نشير إلى جمل من ذلك بحسب التفصيل ، ونقدم الأهم فالأهم فنقول :