ذنوب شيعتنا في
الدنيا بمحنتهم ، لتسلم بها طاعاتهم ويستحقّوا عليها ثوابها » .
وقال أيضاً : « ولكنّ الله يختبر عباده
بأنواع الشدائد ، ويتعبّدهم بأنواع المجاهد ، ويبتليهم بضروب المكاره ، إخراجاً للتكبر
من قلوبهم ، وإسكاناً للتذلّل في نفوسهم ، وليجعل ذلك أبواباً إلى فضله » .
ولهذا استخلص الجليل سبحانه المؤمنين
للآخرة ، واختار لهم الجزيل ممّا لديه من النعيم المقيم ، الذي لا زوال له ولا
اضمحلال ، لصبرهم على البلاء ، ورضاهم بالقضاء ، وشكرهم النعماء ، إذ أنّ الصبر
أوّل درجات الإيمان ، فإذا ترقّى العبد في إيمانه بلغ منزلة الرضا بالقضاء ، وإذا
ازداد في سلّم الإيمان عُلوّاً وسموّاً وصعوداً ، أصبح شاكراً لربّه على البلاء.
فالأولياء الصالحون لن يكونوا مؤمنين
إلاّ كما وصفهم الإمام الكاظم عليهالسلام
مخاطباً : « حتّى تعدّوا البلاء نعمة ، والرخاء مصيبة ، وذلك أنّ الصبر عند البلاء
أعظم من الغفلة عند الرخاء » .
وهذه منزلة مَن خَبَرَ الدنيا وعرف
أحوالها ، فعلم أنها سوق ، ربح فيها قوم يبتغون فيما آتاهم الله الدار الآخرة ،
وخسر آخرون ممّن كانوا « يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون
» ف « لما
الدنيا والآخرة إلاّ ككفّتي ميزان ، فأيّهما رجح ذهب بالآخر » أو كما جاء عن الهداة عليهمالسلام « إنّ الدنيا والآخرة عدوّان متفاوتان
، وسبيلان مختلفان فمن أحبّ الدنيا وتولاها أبغض الآخرة وعاداها ، وهما بمنزلة
المشرق والمغرب .. كلّما قرب من واحد بعد عن الآخر » فلا يستقيم حبّهما في قلب مؤمن كما لا
يستقيم الماء والنار في إناء واحد.
ولهذا كان الإمام الباقر عليهالسلام يدعو بهذا الدعاء : « ولا تجعل الدنيا
عليَّ سجناً ، ولا تجعل فراقها عليَّ حزناً » .
فكان الأئمّة الميامين سلام الله عليهم
أجمعين ، دائماً يرشدونا ـ بهديهم وسنّتهم وأقوالهم وأفعالهم ـ لواضح الطريق لئلا
نزل بأوزار المسير ، فنسقط في رمضاء الهجير
__________________