ذنوب شيعتنا في الدنيا بمحنتهم ، لتسلم بها طاعاتهم ويستحقّوا عليها ثوابها » (١).
وقال أيضاً : « ولكنّ الله يختبر عباده بأنواع الشدائد ، ويتعبّدهم بأنواع المجاهد ، ويبتليهم بضروب المكاره ، إخراجاً للتكبر من قلوبهم ، وإسكاناً للتذلّل في نفوسهم ، وليجعل ذلك أبواباً إلى فضله » (٢).
ولهذا استخلص الجليل سبحانه المؤمنين للآخرة ، واختار لهم الجزيل ممّا لديه من النعيم المقيم ، الذي لا زوال له ولا اضمحلال ، لصبرهم على البلاء ، ورضاهم بالقضاء ، وشكرهم النعماء ، إذ أنّ الصبر أوّل درجات الإيمان ، فإذا ترقّى العبد في إيمانه بلغ منزلة الرضا بالقضاء ، وإذا ازداد في سلّم الإيمان عُلوّاً وسموّاً وصعوداً ، أصبح شاكراً لربّه على البلاء.
فالأولياء الصالحون لن يكونوا مؤمنين إلاّ كما وصفهم الإمام الكاظم عليهالسلام مخاطباً : « حتّى تعدّوا البلاء نعمة ، والرخاء مصيبة ، وذلك أنّ الصبر عند البلاء أعظم من الغفلة عند الرخاء » (٣).
وهذه منزلة مَن خَبَرَ الدنيا وعرف أحوالها ، فعلم أنها سوق ، ربح فيها قوم يبتغون فيما آتاهم الله الدار الآخرة ، وخسر آخرون ممّن كانوا « يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون » (٤) ف « لما الدنيا والآخرة إلاّ ككفّتي ميزان ، فأيّهما رجح ذهب بالآخر » (٥) أو كما جاء عن الهداة عليهمالسلام « إنّ الدنيا والآخرة عدوّان متفاوتان ، وسبيلان مختلفان فمن أحبّ الدنيا وتولاها أبغض الآخرة وعاداها ، وهما بمنزلة المشرق والمغرب .. كلّما قرب من واحد بعد عن الآخر » (٦) فلا يستقيم حبّهما في قلب مؤمن كما لا يستقيم الماء والنار في إناء واحد.
ولهذا كان الإمام الباقر عليهالسلام يدعو بهذا الدعاء : « ولا تجعل الدنيا عليَّ سجناً ، ولا تجعل فراقها عليَّ حزناً » (٧).
فكان الأئمّة الميامين سلام الله عليهم أجمعين ، دائماً يرشدونا ـ بهديهم وسنّتهم وأقوالهم وأفعالهم ـ لواضح الطريق لئلا نزل بأوزار المسير ، فنسقط في رمضاء الهجير
__________________
(١) البحار ٦٧ / ٢٣٢ ح ٤٨. (٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ١٣ / ١٥٧.
(٣) البحار ٦٧ / ٢٣٧ ، ج ٨٢ / ١٤٥ ح ٣٠ وفيه ( أفضل من الغفلة ).
(٤) الروم ٣٠ / ٧.
(٥) البحار ٧٣ / ٩٢ ح ٦٩.
(٦) البحار ٧٣ / ١٢٩ ح ١٣٣.
(٧) البحار ٩٧ / ٣٧٩.