المقدّمة
الحمد لله الذي جعل البلايا تمييزاً للطيّبين
عن الخبيثين
، ونكالاً للظالمين ، وجعل تقلّبات الأحوال ، اختباراً لطويّات الرجال ، فمن دار
فناء وزوال ، قد ملئت بالهموم والغموم ، وعجت بالمحن والآلام ، إلى ارتحال وانتقال
، ( وتلك الأيام نداولها
بين الناس )
، فالشقيّ
من غرّته ولم يعتبر بمن سكنها قبله من الماضين ، كانوا أطول أعماراً ، وأبقى آثاراً
، وأبعد آمالاً ، والسعيد من اعتبر بها ، واستفاد من تجاربها ، فصغرت في عينه
وهانت عليه ، وأحب مجاورة الجليل في داره ، وسكنى الفردوس في جواره.
وصلّى الله على أشدّ الناس ابتلاء ،
وأكثرهم صبراً على إيذاء ، وأوفرهم شكراً على ما جرى به القضاء ، محمّد وآله
الأوصياء الأصفياء ، الحجج على العباد ، والهادين للرشاد ، والعدّة للمعاد ( اولئك عليهمْ صلواتٌ منْ ربِّهمْ ورَحمةٌ
) .
واللعنة الدائمة على أعدائهم الأخسرين ( الّذين ضلّ سعيُهم في الحياةِ الدُّنيا
) ، وفي الآخرة ( تَلفحُ وجوهَهُمُ النارُ وهمْ فيها كالحونَ
) .
عبر تاريخ الإنسانيّة الطويل ، ومنذ فجر
النبوّات ، بدأ الصراع المرير ، بين الحقّ وجيوش الأباطيل ، بين الخير وقوى الشرّ
والضلال ، بين النور وجحافل الظلام ، فعاش الإنسان طوال آلاف السنين ، تحت سياط
الجلادين ، وفي دياجير السجون ، قد اثقلت كواهل المساكين والمستضعفين ، بالحروب
والويلات ، والخراب والدمار ، فاُبيدت اُمم وشعوب ، واستعبدت أجيال تلو أجيال ،
فضجّت الأرض تستصرخ بارئها بما تئنُّ من جراح ، وتستغيث من مباضع الحراب والسيوف
والرماح ، ولولا بوارق أمل و ومضات ، تشعّ بين الحين والحين من هدي السماء عبر
الرسالات ، وإمداد التابعين بالصبر والإيمان وسيل الشحنات ، لَما كان للحياة مذاق
فتطاق ، ولا للعيش طعم واشتياق.
فأصحاب الشرائع كانوا دؤوماً محاربين ،
وأتباعهم مضطهدين مسحوقين ، إلا
__________________