أصول الفقه - المقدمة

أصول الفقه - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : أصول الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٣٩

١
٢

٣
٤

دراسة عن حياة

شيخنا الكبير آية الله العظمى الشيخ حسين الحلي قدس‌سره

أعدّها

العلاّمة الدكتور السيد محمد بحر العلوم

٥
٦

مدخل البحث

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى : ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) (١).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « العلماء أمناء الله على خلقه » (٢).

وقال الإمام علي عليه‌السلام : « من وقّر عالما فقد وقّر ربّه » (٣).

الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين الطيبين ، وعلى أصحابه المنتجبين ، وألف شكر لله على ما تفضل وأنعم.

وبعد فإن المرحوم آية الله العظمى شيخنا الجليل وأستاذنا الكبير الشيخ حسين الحلّي من مشاهير علماء النجف الأشرف في القرن الماضي الهجري ، أستاذ في الفقه والاصول ، تعترف به الحوزة العلمية في جامعة النجف الأشرف الدينية ، وتراه من الطراز الأول من أساتذة هذه الجامعة العريقة في القرن الماضي الهجري ، ـ والتي هي إحدى أربع جامعات علمية دينية في العالم الإسلامي ـ ويضاف إلى تعمقه الفقهي والاصولي ، اطلاعه الواسع في التاريخ الإسلامي ، والأدب العربي.

ومن المؤسف أن مصادر البحث عن هذه الشخصية الفذة شحيحة إلى درجة كبيرة بسبب ابتعاده عن المظاهر الاجتماعية التي تتوجه الأضواء

__________________

(١) سورة فاطر آية : ٢٨.

(٢) على المتقي بن حسام الدين الهندي ـ كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال ١٠ / ١٣٤ طبع بيروت مؤسسة الرسالة ١٩٧٩.

(٣) علي بن محمد الليثي الواسطي ـ عيون الحكم والمواعظ : ٤٣٩ طبع قم دار الحديث ١٣٧٦.

٧

إليها ، وتصطدم محاولات التعرف على شخصيته الفذة بقلة المصادر ، لتكون أمام الباحث عقبة كأداء ، ورغم كل هذا فسوف أسير في محاولتي الشاقة رغم كوني قريبا إلى سيدي الأستاذ ، ولم أفارقه إلاّ حين اضطرتني الظروف الخاصة إلى الابتعاد عن الوطن قرابة أربعة عقود بائسة استولى عليها نظام دكتاتوري شمولي فخلط الأوراق قسرا ، وعاث بالبلاد فسادا. وانتقل إلى رحمة ربه وأنا رهين الغربة ، وحرمت من إلقاء نظرة الوداع على جثمانه الطاهر عرفانا بأبوّته الروحية لي.

وأرى من الواجب أن أقدّم جميل الشكر ومتكاثر التقدير لسماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد علي السيستاني ( دام ظله ) فقد أمر بتشكيل لجنة من فضلاء الحوزة العلمية لتحقيق « التراث الاصولي » لأستاذه المرحوم آية الله العظمى الشيخ الحلي قدس‌سره ، وهذا تمام الوفاء بالنسبة لأستاذه الراحل.

كما حملني سماحته ( حفظه الله ) مسئولية كتابة دراسة عن حياة شيخنا الحلي ، ورأيت خير مناسبة أن أسدي إلى سيدي الإمام الراحل الأب العطوف ، والمربي العظيم بعض ما عليّ ـ وعلى أخويّ الشهيدين السيدين علاء الدين وعزّ الدين ـ من واجب الوفاء والتقدير مقابل ما أولانا به من عطف أبوي ، ورعاية لا تقدّر بثمن ، راجيا أن أوفق لذلك ، مستمدا منه سبحانه العون والتسديد.

محمد بحر العلوم النجف الأشرف في ٢٠ / ربيع الثاني / ١٤٢٨ هـ

٨

مواضيع البحث

مدخل البحث

الباب الأول : النجف الأشرف جامعة علمية دينية من القرن الخامس الهجري.

الفصل الأول : جامعة النجف إحدى أبرز الجامعات الإسلامية منذ تاريخها القديم.

الفصل الثاني : الجامعة العلمية النجفية بعد عهد السيد بحر العلوم حتى السيد الاصفهاني.

الباب الثاني : شيخنا الحلي وجود شاخص في الجامعة العلمية الدينية النجفية.

الفصل الأول : عصر الشيخ الحلي وموقعه فيه :

أ ـ مراجع عصره.

ب ـ جذور الشيخ الحلي ونشأته.

ت ـ الشيخ الحلي علم بين مراجع عصره.

ث ـ تأثر الشيخ بالميرزا النائيني.

ج ـ علاقته بالإمام الراحل السيد محسن الحكيم.

الفصل الثاني : عطاء الشيخ الحلي قدس‌سره :

أ ـ حياته عطاء ثر.

ب ـ تركه .. الشيخ العلمية.

الأول : عطاؤه الفكري.

أولا : في ميدان الفقه.

٩

ثانيا : في مجال اصول الفقه.

ثالثا : كتب متنوعة.

رابعا : مجاميع استفتاءات.

الثاني : ما اقتبسه تلامذته من عطاء استاذهم.

١ ـ تقريرات تلامذته.

٢ ـ المطبوع منها :

أولا : « دليل العروة الوثقى » للمرحوم الشيخ حسن السعيد.

ثانيا : « بحوث فقهية » للشهيد السيد عزّ الدين بحر العلوم.

٣ ـ مميزات بحثيه الفقهي والاصولي.

أ ـ الفقهي توجه في مسارين.

ب ـ يحمل طابع اصول الميرزا النائيني.

ج ـ لمحات عن انطباعات المرحوم السيد محمد تقي الحكيم عن اصول الشيخ.

د ـ المرجعية المعاصرة تعتمد في نتاجها أفكار الشيخ الفقهية والاصولية.

هـ ـ بعض من تلمّذ عليه.

الباب الثالث : الوجه الآخر لشيخنا الحلي.

الفصل الأول : ملامح إنسانية لها أثرها في بناء شخصية مترجمنا الحلي.

أوّلا : ورعه وتقواه.

ثانيا : كرمه وعطاؤه.

ثالثا : أصدقاؤه ( الصفوة ).

١٠

رابعا : وفاؤه لإخوانه وأصدقائه.

خامسا : أخلاقه وتواضعه.

الفصل الثاني : الشيخ الحلي والسياسة.

١ ـ مشاركة الحلي في جهاد العلماء ضد الإنكليز.

٢ ـ الحلي في خضمّ المشروطة والمستبدة.

٣ ـ مع المشروطة أو المستبدة.

٤ ـ أحداث العراق المعاصرة وموقفه منها.

نهاية الحديث :

أوّلا : العالم المؤمن.

ثانيا : العالم المجدد.

ثالثا : العالم المحقق.

رابعا : العالم العارف.

خامسا : العالم الموسوعي.

سادسا : العالم الوطني الرزين.

سابعا : العالم المربّي.

الملحق

١١

الباب الأول

النجف الأشرف جامعة علمية دينية من القرن الخامس الهجري

١٢

الفصل الأوّل

جامعة النجف إحدى أبرز الجامعات الإسلامية منذ تاريخها القديم

المجتمع المتحضّر هو الذي يملك قيادات متنوعة توجّه الامة للطريق السوي ، وترشده لما فيه المصلحة العامّة ، وتنوّره لكل ما به الخير والصواب لبناء المجتمع الإنساني الذي خلقه الله سبحانه ليكون ظله فيه ينوّر الحياة ، ويرشد العاملين في سبيل التكامل الإنساني ، ويوجّههم لما فيه بقاء الإسلام حيا كما يريده الله عزّ وجل.

من هذه الصفوة المبلّغة لرسالة الإسلام ، والعاملة في أداء الرسالة الإرشادية مراجع الدين « فالعلماء باقون ما دامت الدنيا باقية » (١) ـ كما يقول الحديث الشريف ـ لما لهم من ضرورة وجودهم المرتبط ببقاء حركة الإنسان المسلم في هذه الحياة الطويلة ، والمسددة بوجود المعصوم الحجة ابن الحسن عليه‌السلام ، حسب « قاعدة اللطف الإلهي » فليس من المعقول أن يترك الله عباده في أحكامهم الحياتية يتخبطون فيما يتعلق بدينهم ودنياهم ، وخاصة المترتب عليها الحساب والجزاء والثواب والعقاب ، فالعقوبة من غير بيان تتنافى وصفات الله الرحيمة ، فالرحمة والمغفرة وأمثالهما من الصفات الكمالية لله جل ثناؤه وعزّ اسمه.

والجهات التي تولّت هذه المسئولية التبليغية بعد الأئمّة الاثني عشر

__________________

(١) الري شهري ـ ميزان الحكمة ٦ / ٤٨٣.

١٣

عليهم‌السلام ، هم هذه الطبقة من أهل العلم ، والذين أطلق عليهم « الإمامة النائبة » ، فهم حملة مسئولية الدين ، والرسالة التبليغية ، والذين بدأت مسيرتهم بعد الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام ، ونواب الإمام الثاني عشر عليه‌السلام الأربعة ، والتي انتهت مهمتهم بغيبة الإمام المهدي عليه‌السلام الكبرى بعد وفاة السفير الرابع علي بن محمد السمري عام ٣٢٩ ه‍.

بدأ مركز هذه الصفوة التي حملت الرسالة الدينية من بعد أئمتهم عليهم‌السلام ونوابهم في « بغداد » حيث توسعت آفاقها من الشيخ المفيد محمد بن محمد ابن النعمان (١) وبعده السيد المرتضى علي بن الحسين بن موسى الموسوي (٢) وبعد وفاته عام ٤٣٦ ه‍ انتقلت زعامة المرجعية الشيعية إلى تلميذهما الشيخ محمد بن الحسن الطوسي (٣) ، وفي عهده تجددت

__________________

(١) محمد بن محمد بن النعمان بن عبد السلام العكبري ، المنتهى نسبه إلى قحطان ، أبو عبد الله ، المعروف بالشيخ المفيد ، ولد في عكبرا على عشرة فراسخ من بغداد عام ٣٣٦ ه‍ ، ونشأ في بغداد ، انتهت إليه رئاسة الشيعة في العراق ، له نحو مائتي مصنف في الاصول والكلام والفقه ، توفي في بغداد عام ٤١٣ ه‍. ترجمه خير الدين الزركلي ـ الأعلام ٧ / ٢١ / طبع بيروت دار العلم للملايين ( الطبعة الخامسة عشرة ٢٠٠٢ ).

(٢) علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام الملقب بعلم الهدى ، المولود في بغداد عام ٣٥٥ ه‍ نقيب الطالبيين ، من أعلام الشيعة ، وأجمع على فضله العلماء والأدباء ، وعدّه بعض المؤرخين : انه من مجددي مذهب الإمامية في رأس المائة الرابعة الهجرية ، له مؤلفات كثيرة متنوعة ، توفّي في بغداد عام ٤٣٦ ه‍. ترجمه عباس القمي ـ الكنى والألقاب ٢ / ٤٤٥ ـ ٤٤٨ طبع النجف المطبعة الحيدرية ١٩٥٦ ، وخير الدين الزركلي ـ الأعلام ٤ / ٣٧٨ ، طبع بيروت دار العلم للملايين ( الطبعة الخامسة عشرة ).

(٣) محمد بن الحسن بن علي الطوسي ولد عام ٣٨٥ ه‍ انتقل من خراسان إلى بغداد ـ

١٤

الحوادث الطائفية التي بدأت منذ دخول طغرل بك السلجوقي (١) إلى بغداد عام ٤٤٧ ه‍ بين المسلمين الشيعة والسنة ، وقتل المئات من الطرفين ، مما اضطر الشيخ الطوسي على أثرها الانتقال من بغداد إلى النجف الأشرف عام ٤٤٩ ه‍ ، ونقل معه حوزته العلمية إلى النجف الأشرف ، وأسس جامعة علمية دينية فيها (٢).

ومن ذلك اليوم أصبحت مدينة الإمام علي عليه‌السلام ـ الذي قال عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنا مدينة العلم وعلي بابها » مركزا لحوزة العلم الامامية ، ومقرا

__________________

سنة ٤٠٨ ه‍ وتلمّذ على الشيخ المفيد ومن بعد وفاته تلمّذ على السيد المرتضى ، وبعد وفاته عام ٤٣٦ ه‍ انتقلت إليه رئاسة الشيعة في بغداد ، وبعد الحوادث الطائفية التي حصلت في بغداد انتقل إلى النجف وأسس الحوزة العلمية فيها حتى وفاته عام ٤٦٠ ه‍. ترجمه الزركلي ـ الأعلام ٦ / ٨٤ ، والقمي ـ المصدر السابق ٢ / ٣٦٢ ـ ٣٦٥.

(١) السلطان محمد بن ميكائيل بن سلجوق الملقب ركن الدين ، طغرل بك ، أول ملوك الدولة السلجوقية ، كانوا قبل تملكهم يسكنون وراء النهر قريبا من بخارى ، وهم أتراك ، ولد طغرل عام ٣٨٥ ه‍ وله مع ولاة خراسان وقائع ، ردّ ملك بني العباس بعد أن خطب للمستنصر الفاطمي على منابر بغداد والعراق ، وأبعد القائم بأمر الله العباسي من الحكم فناشده القائم العباسي بانقاذ العراق ، واستنهضه إلى المسير لبغداد وعودتها لحكم العباسيين ، وكان حينذاك بنواحي خراسان ، فعجّل التوجه إلى بغداد فدخلها عام ٤٤٧ ه‍ وقوّض حكم البويهيين وولي العراق من قبل القائم بأمر العباسي وأرجع الخطبة إلى العباسيين ، فزوّجه القائم ابنته وزفّت إليه ببغداد ، توفّي عام ٤٥٥ ه‍ بالري. لزيادة الاطلاع راجع : ابن الجوزي ـ المنتظم ٨ / ٢٣١ طبع حيدرآباد دكن ، وابن تغرى بردي ـ النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة ٥ / ٥٦ ـ ٥٩ والقاهرة ، ٥ / ٧٣ طبع مصر ، وخير الدين الزركلي ـ الاعلام ٧ / ١٢٠.

(٢) انظر محمد بحر العلوم ـ الدراسة وتاريخها في النجف الأشرف ( بحث ) منشور ضمن موسوعة العتبات المقدسة ـ جعفر الخليلي / قسم النجف الجزء الثاني : ٧ ـ ١١٢ طبع بيروت ١٩٦٦ إصدار دار التعارف بغداد ( الطبعة الأولى ).

١٥

لمرجعيتهم الدينية. وتوجّهت أنظار المسلمين الشيعة إليها.

وبمرور الزمن أصبحت الجامعة النجفية من أبرز مراكز العلم وحوزاتها في العالم الإسلامي ، وتخرّج منها علماء كبار ومراجع عظام رجعت لهم الامة في تقليدها بصفتهم الدينية والعلمية ، وإذا كانت ظروف خاصة حكمت على الحوزة العلمية أن تنتقل إلى خارج النجف لسبب من الأسباب الاجتماعية أو الدينية أو الأمنية ، فان ذلك الانتقال لم يدم طويلا ، بل عادت الحوزة إلى مقرها الأساس لتجدد عهدا بصاحب العتبة المقدسة « الإمام علي عليه‌السلام » وتستقر إلى جواره ما أتاحت لها الظروف الممكنة في عهدها المشرق.

إن المركز الذي يمر عليه عدة قرون وهو حافل وناشط بحلقات العلوم الدينية المختلفة كالتفسير والحديث والفقه واصول الفقه ، والمنطق ، وعلوم العربية ، والبيان والبديع ، وغيرها من العلوم التي تقتضيها دراسة طالب العلم الحوزوي ، جدير أن يكون عالميا ، له شخوصه في عالم الاختصاص ، وهو بهذه الصفة يتوافد إليه طالب العلم ، والذين يرغبون بالانخراط بالصفة الحوزوية ، ويعودون إلى ديارهم يحملون من سمات حوزة الإمام علي عليه‌السلام ما يبشّر بالتوسع الفكري في العالم الإسلامي ، ويؤسسون معاهدا تحمل طابع جامعة النجف العلمية ، والتي عرفت في العالم بواقعها المعرفي ، والتاريخي ، والاجتماعي ، والأدبي قرابة ألف عام.

وقد تمر ظروف غير طبيعية على هذه الجامعة العلمية تعرقل مسيرتها التاريخية ، ولكن لا تؤثر على استمراريتها كمركز علمي ، وإن أثّرت على مسيرتها من حيث التواصل والالتحام في فترة محددة ، كما حدثت في عهد ما بعد الشيخ المؤسس الطوسي وأعلام أسرته الذين واكبوا المسيرة من

١٦

بعده ، وأبقوا للجامعة العلمية النجفية شخوصها حتى وإن انتقلت إلى الحلّة ـ على سبيل المثال ـ في عهد نضوجها العلمي أوائل القرن السابع الهجري ، وانتقال عدد كبير من أعلام الحلّيين ليكوّنوا حوزة علمية حلّية.

وتوضح بعض المصادر ما أشرنا إليه إذ تقول :

« ولكن بوادر النشاط العلمي ، أو التفتح الذهني للتفاعل مع آراء الشيخ ( الطوسي ) بدت بأجلي مظاهرها في أوائل القرن السابع الهجري ، وخاصة على مسرح التفكير الحلّي ، والذي عبّر عن اتساع كبير في الذهنية العلمية التي يتمتع بها الحلّيون في تلك الفترة ، ويمكن أن تكون طليعتها متجلية في عهد الشيخ ابن إدريس الحلّي (١) ، وتوالت الأسر الحلّية العلمية ترفد مركزها العلمي ، كآل البطريق ، وآل نما ، وآل سعيد ، وآل طاوس ، وآل المطهر ، وآل بنو الأعرج ، وآل القزويني ، وغيرهم من الأسر العلمية العريقة التي كوّنت الحركة العلمية فيها ، وبقيت إلى هذا اليوم تحتفظ بمكانة مميزة عن كثير من محافظات العراق (٢) ، وممن وطد مركزها العلمي بعد الشيخ ابن إدريس ، واشتهروا بالمرجعية الدينية للشيعة الإمامية ، نجم الدين أبو إبراهيم

__________________

(١) محمد بن أحمد بن إدريس الحلي المولود عام ٥٤٣ ه‍ عرّفته المصادر الرجالية : كان الشيخ فقيها اصوليا بحتا ، ومجتهدا صرفا ، وهو أول من فتح باب الطعن على آراء الشيخ الطوسي ، وقد أكثر الطعن عليه بعض العلماء لكونه خرج على آراء الشيخ ، حتى وصفه العلاّمة الحلي بـ « الشاب المترف » وأهم مؤلفاته « السرائر » توفّي عام ٥٩٨ ه‍ ، وناقش بعض الأعلام أنه صهر الشيخ الطوسي أو أحد أحفاده ، للزمن الفاصل بينهما. للاطلاع يراجع الشيخ يوسف البحراني ـ لؤلؤة البحرين : ٢٧٦ ـ ٢٨٠ وتعليقة السيد محمد صادق بحر العلوم في هامش لؤلؤة البحرين : ٢٧٧ هامش ٢٠.

(٢) للاطلاع على معلومات عن الأسر العلمية المشهورة وبعض شخصياتهم العلمية ، راجع كتاب ( تاريخ الحلة لمؤلفه الشيخ يوسف كركوش الحلي : القسم الثاني : ١٣ ـ ١٣٣ / طبع النجف الأشرف المطبعة الحيدريّة ١٣٨٥ ه‍ ).

١٧

محمد بن أبي الباقر هبة الله بن نعمة الحلي المتوفّى عام ٦٤٥ ه‍ ، ورضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر المعروف بابن طاوس الحسيني المتوفّى عام ٦٩١ ه‍ ، والمحقّق الحلي جعفر بن الحسن بن يحيى ، المتوفّى عام ٦٧٦ ه‍ (١) ، والعلاّمة الحلي جمال الدين أبو منصور ، الحسن ابن يوسف بن مطهر الحلي المتوفّى عام ٧٢٦ ه‍ (٢) ، وأمثالهم كثيرون ممن حملوا راية العلم في الحلة ، وأسسوا لها مجدا شامخا (٣). ولعلنا نستفيد مدى أهمية جامعة الحلة الدينية حينها مما ذكرته بعض المصادر : بأن مجلس بحث المحقق الحلي في الحلة كان يضم أربعمائة مجتهد (٤).

__________________

(١) جعفر بن الحسن بن يحيى بن الحسن بن سعيد الحلي الهذلي ، الملقب بـ « المحقّق الحلي » من أعلام فقهاء الإمامية ومشاهيرهم ، تقول بعض المصادر : كان يحضر مجلس درسه ما يقارب ٤٠٠ شخص من أهل الفضل في الحوزة العلمية في الحلة ، وبلغت الحركة العلمية في عصره شأوا عظيما ، ومن مصنفاته القيمة كتاب « شرائع الإسلام » وهو ما زال مرجعا للفقهاء والباحثين إلى هذا اليوم. راجع ترجمته : يوسف البحراني ـ المصدر المتقدم : ٢٢٧ ـ ٢٣٥ وهوامش الصفحات المشار إليها.

(٢) الحسن بن يوسف بن علي بن مطهر الحلي ، أبو منصور ، المعروف بـ « العلاّمة الحلي » ولد بالحلة عام ٦٤٨ ه‍ وصفته المصادر : بأنه من الأعلام المشهورين ، برع في المعقول والمنقول ، مصنف كبير ، مؤلفاته تعدت الستين كتابا في الفقه والاصول ، وعلم الكلام والحديث والرجال ، وسائر علوم الشريعة ، توفّي في الحلة عام ٧٢٦ ه‍ ودفن في النجف إلى جوار الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام. ترجمه يوسف البحراني ـ المصدر المتقدم : ٢١٠ ـ ٢٣٥ ، مع هوامش الصفحات المذكورة.

(٣) محمد بحر العلوم ـ الدراسة وتاريخها في النجف ( بحث ) ضمن موسوعة العتبات المقدسة ـ جعفر الخليلي / قسم النجف : ٢ / ٥٢ طبع بغداد دار التعارف بغداد ١٩٦٦ ـ ١٣٨٦ وراجع علي أحمد البهادلي ـ الحوزة العلمية في النجف : ٤٢٨ ـ ٤٣١ ملحق رقم (٥) يتضمن أسماء مراجع التقليد لدى الإمامية بعد الغيبة الكبرى / طبع بيروت دار الزهراء للطباعة والنشر ١٩٩٣ ( رسالة ماجستير ).

(٤) محمد صادق بحر العلوم ـ مقدمة رجال الطوسي : ١٩.

١٨

واستمرت هذه الحركة العلمية الحلّية يشار إليها قرابة ثلاثة قرون ، ثم عادت إلى النجف في أواخر القرن العاشر الهجري ، بعد أن زالت أغلب المعوّقات التي كانت تقف أمام طلاب العلم من الابتعاد عن حوزة الأمّ « النجفية » ، وإن كانت ثمة حركة علمية بقيت تواصل عملها الحوزوي ولم تجمد جذوتها العلمية فيها (١).

وأيضا انتقلت الحوزة من النجف إلى كربلاء بين عام ١١٥٠ ـ ١٢٠٨ ه‍ بسبب تمركز مدرسة الاستاذ الوحيد البهبهاني المتوفّى عام ١٢٠٨ ه‍ (٢) ، وباتت مدرسته الاصولية معروفة بالعمق والنضج الاصولي ، بالإضافة إلى تمركز الحركة الفقهية بشخصية علمية موسوعية هامة احتضنتها تلك الفترة ، تمثلت بالعلاّمة المحدث الشيخ يوسف البحراني (٣) صاحب الموسوعة الفقهية المعروفة بـ « الحدائق الناضرة » المتوفّى عام ١١٨٦ ه‍.

واستمرت الحوزة العلمية في كربلاء تنتهل من هذين المنبعين المهمين قرابة سبعين عاما ، واستطاعت أن « تفتح آفاقا جديدة في الكيان

__________________

(١) لزيادة الاطلاع على الأسباب والعوامل التي أدت إلى الانتقال يراجع بحر العلوم البحث المتقدم ٥٣ ـ ٥٦.

(٢) المولى محمد باقر بن محمد أكمل الاصبهاني البهبهاني ، المولود في اصفهان عام ١١١٨ ه‍ ودرس شوطه العلمي في بهبهان ، ثم انتقل إلى كربلاء واستفاد من أعلامها جولة علمية رشحته لتسنم زعامة الحركة العلمية فيها ، وباتت مدرسته الاصولية معروفة فيها حتى وفاته عام ١٢٠٨ ه‍. ترجمه الخونساري ـ روضات الجنات : ١٢٠ ـ ١٢٥ ( الطبعة الاولى ).

(٣) يوسف بن أحمد بن إبراهيم المنتهى نسبه إلى ابن عصفور البحراني ، ولد في قرية الدراز إحدى قرى البحرين عام ١١٠٧ ه‍ ، وبعد الدراسة الأولية هناك انتقل إلى كرمان ثم شيراز ، ثم إلى كربلاء ليقيم فيها مدرسا وعالما ومرجعا ، وأكمل فيها موسوعته الفقهية كتابه « الحدائق الناضرة » حتى توفّي عام ١١٨٧ ه‍. ترجمه الزركلي ـ الاعلام ٨ / ٢١٥.

١٩

العلمي الكربلائي ، كان له صدى حافل بالإكبار والتقدير » (١).

وعادت جامعة النجف إلى ميدانها العلمي كمركز شاخص للحركة العلمية على يد السيد محمد مهدي بحر العلوم المتوفّى عام ١٢١٢ ه‍ (٢) تلميذ الوحيد البهبهاني ليفتح فيها آفاقا جديدة لإدارة الجامعة العلمية النجفية ، لعلها هي الاولى من نوعها في حياة المرجعية بعد عصر الأئمّة عليهم‌السلام.

وتتجسد مسئولية المرجع الديني بصفته المركز الذي يرجع إليه الناس في امور دينهم ودنياهم ، ويتولى شئون المسلمين بأن ينظم أعمال المرجعية بما تنسجم وطبيعة الظروف ، وقد وفق السيد بحر العلوم لهذه المهمة الكبيرة حيث كانت من أولويات أعماله المرجعية تنظيم المناصب التي تخص الإنسان في حياته اليومية ، كالتقليد ، والفتوى ، والقضاء ، وحل الخصومات ، وإمامة الجماعة ، وغيرها من المسئوليات التي تخص مراجع

__________________

(١) محمد باقر الصدر ـ المعالم الجديدة : ٨٤ ـ ٨٥ الطبعة الاولى / النجف.

(٢) محمد مهدي بن مرتضى بن محمد بن عبد الكريم ، المنتهى نسبه إلى إبراهيم المعروف بـ « طباطبا » ابن إسماعيل الديباج بن إبراهيم الغمر بن الحسن المثنى بن الإمام الحسن عليه‌السلام ، المولود في كربلاء عام ١١٥٥ ه‍ ونشأ فيها ، وربّاه والده المرحوم السيد مرتضى ، حيث درس أوليات مقررات الحوزة فيها على أعلام من الحوزة ، ثم حضر درس خارج الاصول على والده ، وعند ما تقدم في المسيرة العلمية ، اختص بالشيخ الاستاذ الوحيد البهبهاني في بحث الاصول ، وفي الفقه بالشيخ يوسف البحراني ، وبقي فيها مفيدا ومستفيدا لعام ١١٦٩ ه‍ حيث انتقل إلى النجف ، وحضر بحوث أعلام عصره في الفلسفة والحكمة ، ثم مرجعا شاخصا حتى وفاته عام ١٢١٢ ه‍ ودفن في الساحة الخارجية لجامع الشيخ الطوسي في النجف الأشرف. انظر ترجمته مفصلا في مقدمة كتابه « الفوائد الرجالية » بقلم العلمين السيد محمد صادق والسيد حسين بحر العلوم ، الجزء الأول : ٨ ـ ١٢٦ / طبع النجف مطبعة الآداب ١٩٦٥.

٢٠