من علم الفلك القرآني

الدكتور عدنان الشريف

من علم الفلك القرآني

المؤلف:

الدكتور عدنان الشريف


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار العلم للملايين
الطبعة: ٢
الصفحات: ١٧٢

١
٢

٣
٤

الإهداء

القرآن العظيم معجزة كبرى قالها رب العالمين والكون معجزة صغرى خلقها أرحم الراحمين ...

من الذرة إلى المجرة وما بينهما من مخلوقات تتصاعد أصداء سمفونية ولا اشجى ...

إلى قلّة عاقلة تريد أن تسمع وتبصر وتعقل وتطرب بما قاله المولى فى كتابه المقروء ، القرآن الكريم ، عن كتابه المخلوق ، الكون وما حوى ، كتبت وجمعت هذه الكلمات ، « فبالعلم يعرف الله ويوحّد ».

د. عدنان الشريف

٥

بسم الله الرّحمن الرّحيم

٦

مدخل

تعريف بالثوابت العلمية القرآنية

يجد الباحث في كتاب الله العظيم بضع مئات من الآيات الكريمة بعضها اليوم مبادئ أساسية وثوابت علمية في فروع العلوم المادية ، أي الطبيعية كالطب والكون والفلك والأرض وغيرها ، والبعض الآخر لم يكشف العلم مضامينها بعد حتى اليوم ، والكل يشكّل ما أسميناه بالثوابت العلمية القرآنية أو ما سمّي بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم. فالحقائق العلمية الكامنة في هذه الآيات الكريمة لم تكشف إلا بعد قرون من التنزيل ، لذا كانت كل آية منها برهانا علميّا ودليلا منطقيّا عقليّا على أن القرآن هو كلام الله سبحانه وتعالى مصداقا لقوله : ( يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً ) ( النساء : ١٧٤ ). ومن العجيب والملفت للنظر أننا لم نجد في المراجع العلمية الأجنبية التي تيسّر لنا الاطلاع عليها خلال عشر سنوات ونيف من دراستنا لعلم الفلك والكون وتاريخهما أية إشارة إلى هذه الحقائق العلمية القرآنية في العلوم الكونية والفلكية. وما هدفنا في هذا الكتاب من خلال الدراسة المطولة لكل آية علمية على ضوء الثابت من العلوم وتاريخ اكتشافها ، إلا لفت النظر إلى هذه الثوابت العلمية القرآنية التي تشكّل بحد ذاتها نواة المبادئ الأساسية في علم الكون والفلك اليوم. وهدفنا أيضا الانتقال ، في محاولة متواضعة ، بالقارئ من إيمان الفطرة الذي فطره المولى عليه إلى يقين البرهان

٧

العلمي ، كما أن هذه الدراسة تشكّل بنظرنا الرد العلمي الرصين على كل لامز ومشكّك في كتاب الله العظيم وتعاليم رسوله الكريم ، والله وراء القصد.

قواعد قرآنية في التفسير

تفسير الآيات القرآنية مهمّة خطرة وجليلة ، فالقول في كلام الله بغير علم محرّم بنص التنزيل كما جاء في قوله تعالى : ( قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ ) ( الأعراف : ٣٣ ). لذلك اعتمدنا في محاولتنا تفهّم كلمات الله قواعد قرآنية هي الآتية :

١ ـ قاعدة المثاني : لكل آية من آيات الله آية أو عدة آيات أخرى تشبهها في المعاني أو الألفاظ يفسر بعضها بعضا أسماها المولى بالمثاني ، كما جاء في قوله عز وعلا : ( اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ ، ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ ، وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ ) ( الزمر : ٢٣ ). لذلك كان تفسير القرآن بالقرآن أعلى درجات التفسير ، ولقد حاولنا أن نضع آيات المثاني جنبا إلى جنب عند كل تعليق مفصّل على كل آية كريمة توقفنا عندها كما جهدنا بقدر ما يسّره المولى لنا بأن نستخلص معاني كلمات المفردات القرآنية من خلال آيات المثاني. فإن لم نجد فبالرجوع إلى الأحاديث الشريفة أو إلى معاجم اللغة ، ذلك أن للكلمة في كتاب الله معاني عدة يجب التفتيش عنها من خلال الآيات المتشابهة في معانيها ، فالقرآن الكريم هو الذي أعطى ويعطي للمفردات معانيها قبل معاجم اللغة ، وهو الذي أغنى ويغني العربية بمعانى المفردات ، كما أن سياق الجملة في الآيات هو الذي يعطي للكلمات معانيها وليس العكس.

٢ ـ قاعدة العلم : أول آية في التنزيل هي أمر بالقراءة أي بالعلم : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) ( العلق : ١ ) ، والاستزادة منه أمر آخر :

٨

( وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ) ( طه : ١١٤ ). والمولى فصّل القرآن الكريم لقوم يعلمون وجعله لقوم يعقلون : ( كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) ( فصّلت : ٣ ) ، و ( إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) ( الزخرف : ٣ ). أما العلم فنفهمه الدراسة المطوّلة للعلوم القرآنية ، وهي علوم القراءة والتفسير والتنزيل والحديث والفقه واللغة العربية وقواعدها ، إضافة إلى التخصص في حقل معين من العلوم الوضعية التي تطرقت إليها الآيات الكريمة التي يريد الباحث أن يخصّصها ببحثه ، وهذه الدراسة ، بنظرنا ، تحتاج إلى ما لا يقلّ عن عشر سنوات كاملة.

٣ ـ قاعدة التقوى : من قوله تعالى : ( وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ ) ( البقرة : ٢٨٢ ) ، ومثانيها قوله : ( الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ ) ( الرحمن : ١ ). فالمولى لا يعلّم كتابه إلا لكل عالم تقىّ. أما شروط التقوى والصدق في الإيمان ، وهي تسعة ، فتختصرها الآية الكريمة التالية : ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) ( البقرة : ١٧٧ ).

٤ ـ قاعدة الحديث الصحيح : وهي من أهم القواعد التي نعتمدها في فهم الآيات الكريمة التي شرحتها الأحاديث الصحيحة ، التزاما بقوله تعالى : ( وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) ( النحل : ٤٤ ) ، و ( وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) ( النحل : ٦٤ ). والجدير بالذكر أن الرسول الكريم لم يفسّر جميع آيات الكتاب الكريم ربما ، والله أعلم ، التزاما بقوله تعالى : ( ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ ) ( القيامة : ١٧ ) ، وبقوله أيضا : ( إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ. وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ) ( ص : ٨٧ ـ ٨٨ ) ، علما أن القرآن الكريم يظل الميزان الدقيق في صحة الأحاديث الشريفة ، فكل حديث يتعارض

٩

بصورة واضحة مع أية آية قرآنية هو مرفوض مهما كانت صحّة سنده استنادا لقوله تعالى : ( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ. لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ. فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ ) ( الحاقّة : ٤٤ ـ ٤٧ ) ، واستنادا أيضا إلى الأحاديث الشريفة التالية :

« إنكم ستختلفون من بعدي ، فما جاءكم عنّي فاعرضوه على كتاب الله فما وافقه فعنّي وما خالفه فليس عنّي » ( رواه ابن عباس ـ مسند الإمام الربيع ).

« اعرضوا حديثي على كتاب الله فإن وافقه فهو منّي وأنا قلته » ( كنز العمال ).

« إن على كل حق حقيقة ، وعلى كل صواب نورا ، فما وافقه كتاب الله فخذوه ، وما خالفه كتاب الله فدعوه » ( روضة الكافي ).

٥ ـ قاعدة عدم التعارض مع الآيات : القرآن الكريم هو الميزان في صحة ما أسماه الإنسان بالعلوم سواء كانت مادية طبيعية أو إنسانية من قوله تعالى : ( تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ ) ( السجدة : ٢ ) ، و ( ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) ( البقرة : ٢ ). لذلك فنحن لا نربط بين أية آية علمية أو حديث شريف تطرّق إلى حقل من حقول العلوم المادية إلا مع ما أثبته العلم بالبرهان والصورة فأصبح قاعدة لا جدال فيها ، علما بأننا نرفض بعد المناقشة أية علوم تتعارض بنص صريح مع أية آية كريمة ، كما أننا لا نربط بين النظريات العلمية والآيات الكريمة إلا إذا كانت هذه تؤيد النظريات العلمية بصورة واضحة. أما النظريات العلمية التي تتعارض بصورة قاطعة مع النصوص القرآنية فهي مرفوضة سلفا ، وقد أثبت العلم والوقت ذلك ، ومن يستعرض تاريخ النظريات العلمية وتاريخ اكتشاف الحقائق التي لا جدال فيها في مختلف فروع العلوم يجد أن القرآن الكريم هو دائما وأبدا الكلمة الفصل في صحة العلوم التي تطرقت إليها الآيات الكريمة سواء كانت علوما مادية أو إنسانية. وما هدفنا إلا تبيان ذلك بصورة تفصيلية من خلال ما كتبناه وسنكتبه بإذن الله.

١٠

الثوابت العلمية القرآنية

في علمي الكون والفلك

١١
١٢

( أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها )

( النازعات : ٢٧ )

« أبى الله أن يجري الأشياء إلا بالأسباب ، فجعل لكل شيء ولكل سبب علما ، وجعل لكل علم بابا ناطقا »

( حديث شريف )

« الإنسانية لن تنتهي أبدا من سبر الكون واكتشافه »

( بيكر )

١٣
١٤

الفصل الأول

في نشأة الكون وتطوره ونهايته

علم الفلك أو علم الهيئة ، كما أسماه العرب ، علم قديم جدّا يرجع إلى آلاف السنين ، هدفه دراسة الكواكب والنجوم والمجرّات. إلا أنه لم يصبح علما بالمعنى المتعارف عليه للعلم ، إلا منذ القرن السابع عشر مع اختراع المرصد. وقد تقدم علم الفلك تقدما كبيرا في القرنين التاسع عشر والعشرين مع مكتشفات الكيمياء والفيزياء الحديثة. أما علم الكون فهدفه دراسة نشأة وتركيب وتطور الكون ككل ، وهو علم ناشئ لم يتجاوز عمره عشرات السنين ، فحتى بداية القرن العشرين كان تصور الإنسان لبداية وتطور ونهاية الكون تصورا خاطئا مستندا إلى الآراء السحرية والأسطورية والفلسفية والنظريات العلمية الخاطئة. أما في القرآن الكريم فإننا نجد مئات الآيات الكريمة التي تتعلق بعلم الكون والفلك ، وهذه الآيات إن درست بصورة منهجية تشكّل ما نسمّيه بعلم الكون والفلك القرآني ، بمعنى أن بعض الخطوط الرئيسية لهذين العلمين كما نعرفهما اليوم مرسومة من خلالها. فكثير من الآيات الكريمة التي أسميناها بالثوابت العلمية القرآنية هي ، كما أسلفنا ، قواعد أساسية يعتمدها علماء الكون والفلك كما سنبيّن من خلال التعليق العلمي المطوّل على كل آية كريمة تطرقت في مضامينها إلى هذين العلمين.

١٥

( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ )

كيف تخلّقت الأشياء

الرسم (١) : في البدء أي بعد جزء من مليار من الثانية كان الكون مؤلفا من أول وأصغر جزيئات الذرة المسماة الكوارك ومضاد ، أي زوجة ( الكرات الصغيرة البيضاء والسوداء ) ، ثم اتحدت ثلاثة منها فألفت البروتون ( Proton ) والنترون ( Neutron ) بفعل القوة النووية القوية

الرسم (٢) : بعد الدقائق الأولى من بدء الكون اتحدت جزيئات الذرة المؤلفة من البروتون والنترون بفعل القوة النووية القوية فألفت نواة ذرة غاز الهيدروجين الثقيل ونواة غاز الهاليوم

١٦

أوّلا : ( وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ ) ( الواقعة : ٦٢ )

١ ـ كيف تخلّقت الأشياء

في زمن التنزيل لم تكن الإنسانية تعلم شيئا يذكر عن نشأة الأشياء. وكما نلاحظ فإن صيغة فعل ( عَلِمْتُمُ ) في قوله تعالى أعلاه قد جاءت بصيغة الماضي تأكيدا من المولى ـ وهو أعلم بتأويل كلماته ـ بأن الإنسان سيعلم يوما ما ، تركيبة النشأة التي تتكوّن منها الأشياء في هذه الدنيا. ولقد استقر نبأ ما أعلمنا به التنزيل منذ عشرات السنين فقط ، حين بدأ العلم يعرف شيئا عن نشأة الأشياء مصداقا لقوله تعالى : ( لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) ( الأنعام : ٦٧ ). وفيما يلى ، وبصورة مبسّطة ، بعض التفاصيل العلمية في النشأة الأولى للمخلوقات ، كما استقيناها من آخر المراجع العلمية ومن كتاب « النغم السري » ـ الصادر باللغة الفرنسية (١) :

نشأت كل المخلوقات من جبلة بدائية ( Primitive Puree ) مؤلفة من جزيئات أولية ( Elementaires Particules ) هي التالية :

الكوارك ( Quark ) : وهو جزيئ سالب وموجب يتألف منه البروتون والنترون ، وهو تصوّر نظري لم تثبت التجربة وجوده بعد.

الإلكترون ( Electron ) : وهو جزيئ خفيف ذو شحنة كهربائية سالبة ، يدخل في تركيب الذرة وزنه [ تصوير ] ٩* ٢٨ ـ ١٠ غرام.

البروتون ( Proton ) : وهو جزيئ خفيف ذو شحنة كهربائية موجبة يدخل في تركيب نواة الذرات مؤلف من ثلاثة كوارك ، كتلته أكبر ب ١٨٣٦ مرة من كتلة الإلكترون.

النترون ( Neutron ) : وهو جزيئ محايد الشحنة الكهربائية يدخل في تركيب نواة الذرات ، كتلته أكبر ب ١٨٣٨ مرة من كتلة الإلكترون.

__________________

(١) Trinh Thuan. La Melodie Secrete. Fayard, ١٩٨٨.

١٧

( أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ )

كيف تخلّقت الأشياء

الرسم (٣) : وبعد أن تألفت نوى غاز الهيدروجين والهاليوم بفعل القوة الكهرطيسية بدأت تظهر بقية الذرات والعناصر : فتكوّن عنصر الماء المؤلف من ذرة من الهيدروجين ( الكرة الزرقاء ) وذرّتين من الأوكسجين ( الكرة الحمراء ) والأمونياك ( الكرة الصفراء مع الكرات الحمراء ) والميتان ( الكرة الرمادية مع الكرات الحمراء ) ثم الأشياء الأكثر تعقيدا كما يظهر في الرسم (٤).

١٨

الفوتون ( Photon ) : وهو الجزىء الذي يؤلف الضوء ، لا كتلة له ، وسرعته ٣٠٠ ألف كلم في الثانية.

النترينو ( Neutrino ) : وهو جسم محايد له قوة تمكّنه من اختراق جميع الأشياء ، لم تحدد كتلته بعد.

ومع مرور ملايين السنين اتحدت فيما بينها الجزيئات الأولية المذكورة أعلاه والتي كانت تتألف منها الكتلة البدائية ، فكانت نواة أول وأبسط وأكثر العناصر انتشارا في الكون ، ثم ذرّتها ، وهو عنصر غاز الهيدروجين. ثم اتحدت ذرّات الهيدروجين والجسيمات التي تتألف منها بصورة متباينة فتكونت بقية الذرات والعناصر الطبيعية وعددها اثنان وتسعون عنصرا تبدأ بالهيدروجين وتنتهي بالأورانيوم ، ومن هذه العناصر نشأت مليارات المخلوقات. وهذه بصورة مبسطة وسريعة تفاصيل نشأة المخلوقات كما كشفها العلم في القرن العشرين.

٢ ـ نقطة الصفر في بدء الكون

يقول علماء الكون بأن الفيزياء الحديثة قد توصلت لمعرفة تفاصيل النشأة الأولى للكون كما كانت بعد جزء من مليارات المليارات من الثانية وتحديدا بعد الرقم ٤٣ ـ ١٠ [ تصوير ] من الثانية من نقطة الصفر من بدء هذه النشأة. أما نقطة الصفر في خلق الجبلة الأولى التي نشأت منها المخلوقات جميعها فتبقى مجهولة في حدود العلم الحاضر ، إلا إذا استطاع العلم تخطّي وقت بلانك (Planck de Temps) ، وهو الرقم ٤٣ ـ ١٠ [ تصوير ] من الثانية فيصل عندها إلى نقطة الصفر في معرفة كيفية بدء الكون وكيفية ظهوره من العدم. مسلّمة خلق الكون من العدم على يد قوة عظيمة هي الله والتي يعتمدها المفكّرون المؤمنون لا تتعارض مع العلم اليوم بل تجد لها سندا في علم الفيزياء الحديثة كما كتب مؤخرا عالم الفلك والكونية « ترن تيان » Trinh Thuan)) (١). وهذه ترجمة ما كتبه بالفرنسية : « إن المادة يمكن أن تظهر من

__________________

(١) La Melodie Secrete, P. ١٥٤.

١٩

الفراغ إذا حقنت فيها كمية كبيرة من الطاقة. الفراغ مصدر كل شيء : المجرات ، والنجوم ، والشجر ، والأزهار ، وأنت ، وأنا. إن فكرة النشوء من العدم والتي كانت بالأمس حكرا على علماء الدين تجد لها اليوم سندا علميّا في علم الكونية ».

تنبيه :

إن قوله تعالى : ( وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ ) ( الواقعة : ٦٢ ) لا يتعارض ، كما قد يتبادر إلى ذهن البعض ، مع قوله عز وعلا : ( ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً ) ( الكهف : ٥١ ) الذي نفهمه من معنى ما أشركتهم في خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم ... وهذا المعنى يفرضه السياق القرآني ، والجملة التي تعطي للكلمة معانيها في القرآن الكريم وليس العكس. فإذا تتبعنا معنى كلمتي « أشهدتهم » و « شهداءكم » في الآيات الكريمة التالية :

( ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً. وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً ) ( الكهف : ٥١ ، ٥٢ ).

( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) ( البقرة : ٢٣ )

وجدنا أن المعنى الكلي لهذه الآيات يفرض علينا فهم كلمة « أشهدتهم » بمعنى أشركتهم ، وكلمة « شهداءكم » بمعنى شركائكم ، والله أعلم.

٣ ـ تاريخ اكتشاف الذرة وجزيئاتها

الذرة هي الوحدة الأولية أو اللبنة الأساسية التي تتكون منها عناصر الأشياء. وبالرغم من أن الفيلسوف اليوناني « لوقيبوس » ( Leucippe ) وتلميذه « ديموقريطوس » ( Democrite ) في القرن الخامس قبل الميلاد قد أعطيا تصوّرا علميّا عن الذرة فجعلاها اللبنة الأساسية للأشياء وأسمياها بالأتوم

٢٠