موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ علي الغروي

فصل في الأغسال المندوبة

وهي كثيرة ، وعدّ بعضهم سبعاً وأربعين ، وبعضهم أنهاها إلى خمسين ، وبعضهم إلى أزيد من ستين ، وبعضهم إلى سبع وثمانين ، وبعضهم إلى مائة. وهي أقسام زمانية ومكانية وفعلية إما للفعل الذي يريد أن يفعل أو للفعل الذي فعله. والمكانية أيضاً في الحقيقة فعلية ، لأنها إما للدخول في مكان أو للكون فيه. أمّا الزمانية فأغسال :

أحدها : غسل الجمعة ورجحانه من الضروريات ، وكذا تأكّد استحبابه معلوم من الشرع (١)

______________________________________________________

فصل في الأغسال المندوبة‌

إنما نتعرّض للأغسال المندوبة لأجل ما قدّمناه من أن الأغسال حتى المستحبة تغني عن الوضوء ، فلا بدّ من التكلم في أن أي غسل منها ثابت الاستحباب وأياً منها غير ثابت الاستحباب فلا يغني عن الوضوء ، وإلاّ فليس من دأبنا التعرض للمستحبات.

استحباب غسل الجمعة‌

(١) لا ينبغي الإشكال في رجحان غسل الجمعة في الشريعة المقدسة ، ولا خلاف فيه بين المسلمين ، وإنما الكلام في وجوبه واستحبابه. والمشهور هو استحبابه وجواز‌

١

تركه ، وقد ادّعى الشيخ عليه الإجماع في الأمالي (١) والخلاف (٢) ، لكن نسب إلى الصدوق والكليني قدس‌سرهما وجوبه. قال في الكافي : باب وجوب الغسل يوم الجمعة (٣).

وقال في الفقيه : غسل يوم الجمعة واجب على الرجال والنساء في السفر والحضر ثم قال : وغسل يوم الجمعة سنة واجبة (٤). وكذلك نسب إلى والد الصدوق.

ونقل في الحدائق ذهاب الشيخ سليمان البحراني إلى الوجوب (٥). ومال إليه شيخنا البهائي قدس‌سره وهو الذي نسب القول بالوجوب إلى والد الصدوق (٦) ، وكذا مال إليه المحقق الأردبيلي قدس‌سره (٧).

وقد أجاب في الحدائق عن هذه النسبة بأن مراد الكليني والصدوق من الوجوب هو الثبوت لا الوجوب بالمعنى المصطلح وهو ما لا يجوز تركه ، وإنما عبّرا بالوجوب تبعاً لما ورد في الأخبار من أن غسل الجمعة واجب (٨).

والوجه في هذا الاختلاف هو اختلاف الأخبار ، حيث دلّت جملة من الأخبار المعتبرة سنداً على وجوبه. ولا بدّ لنا من التكلّم في مقامين :

أحدهما : في الأخبار الواردة في غسل الجمعة في نفسها مع قطع النظر عن القرينة الخارجية.

ثانيهما : في الأخبار الواردة في غسل الجمعة مع النظر إلى القرينة الخارجية.

المقام الأوّل : والحق فيه مع القائلين بوجوب غسل الجمعة ، فقد ورد ما يفيد الوجوب في غير واحد من الأخبار المعتبرة والمستفيضة الموجبة للاطمئنان بل للقطع‌

__________________

(١) لم نظفر على دعوى الإجماع في الأمالي.

(٢) الخلاف ١ : ٢١٩ مسألة ١٨٧ ، ٦١١ مسألة ٣٧٦.

(٣) الكافي ٣ : ٤١ / باب وجوب غسل الجمعة.

(٤) الفقيه ١ : ٦١ / باب ٢٢ ، غسل يوم الجمعة ودخول الحمام.

(٥) الحدائق ٤ : ٢١٧.

(٦) حبل المتين : ٧٨.

(٧) مجمع الفائدة والبرهان ١ : ٧٣.

(٨) الحدائق ٤ : ٢٢٣.

٢

بصدور بعضها من المعصومين عليهم‌السلام.

منها : صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « الغسل يوم الجمعة على الرجال والنساء في الحضر ، وعلى الرجال في السفر وليس على النساء في السفر » (١).

ومنها : صحيحة ابن المغيرة المروية بإسناد الشيخ عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : « سألته عن الغسل يوم الجمعة؟ فقال : واجب على كل ذكر أو أُنثى عبد أو حر » (٢).

ومنها : صحيحة زرارة أو حسنته : « ... وقال : الغسل واجب يوم الجمعة » (٣).

ومنها : موثقة سماعة قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن غسل الجمعة فقال : واجب في السفر والحضر » (٤) إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة على الوجوب إما تصريحاً بالوجوب أو إطلاقاً.

كما اشتملت على الأمر به كما في صحيحة محمد الحلبي (٥) وصحيحة محمد بن مسلم (٦).

وفي قبال ذلك جملة من الأخبار استدل بها على الاستحباب.

منها : صحيحة علي بن يقطين قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الغسل في الجمعة والأضحى والفطر ، قال : سنّة وليس بفريضة » (٧) وقد استدلّ بها على الاستحباب من وجهين :

أحدهما : تصريحها بأن الغسل في الجمعة سنّة وأمر مستحب وليس من الواجبات.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣١١ / أبواب الأغسال المسنونة ب ٦ ح ١.

(٢) الوسائل ٣ : ٣١٢ / أبواب الأغسال المسنونة ب ٦ ح ٣.

(٣) الوسائل ٣ : ٣١٢ / أبواب الأغسال المسنونة ب ٦ ح ٥.

(٤) الوسائل ٣ : ٣٠٣ / أبواب الأغسال المسنونة ب ١ ح ٣.

(٥) الوسائل ٣ : ٣٠٦ / أبواب الأغسال المسنونة ب ١ ح ٩.

(٦) الوسائل ٣ : ٣١٤ / أبواب الأغسال المسنونة ب ٦ ح ١١.

(٧) الوسائل ٣ : ٣١٤ / أبواب الأغسال المسنونة ب ٦ ح ٩.

٣

ثانيهما : أنها عدّت غسل الجمعة مع غسل الفطر والأضحى غير الواجبين فتدل على أنه مستحب غير واجب أيضاً. وبهذين الوجهين نبني على استحباب غسل الجمعة ونستكشف أن المراد بالوجوب الوارد في الأخبار المتقدمة هو الثبوت ، وأن المراد من الأمر به أو من قوله : « عليه الغسل » هو الاستحباب.

لكن يرد على الوجه الأوّل أن السنة في الصحيحة إنما هو في قبال الفريضة لا في قبال الواجب ، ومعنى السنة المقابلة للفريضة أنها مما أوجبها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والفريضة ما أوجبها الله في كتابه. ومن هنا ورد أن الركوع والسجود فريضة وأن التشهد والقراءة سنّة ، ومنه ما دل على أن غسل الميِّت أو مسه سنّة وغسل الجنابة فريضة ، فلا دلالة لها على الاستحباب بوجه.

ويرد على الوجه الثاني إشكال ظاهر وهو أن عد غسل الجمعة مع الغسلين المستحبين لا يدل على استحبابه ، إذ يمكن أن يذكر الواجب والمستحب معاً.

ومنها : ما عن سعد عن أحمد بن محمد عن القاسم عن علي قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن غسل العيدين أواجب هو؟ قال : هو سنّة ، قلت : فالجمعة؟ قال : هو سنّة » (١).

ولا إشكال في دلالتها على استحبابه ، حيث صرحت بكونه سنّة ، وهي في قبال الواجب فتدل على جواز تركه. إلاّ أنها ضعيفة السند ، لأن الظاهر أن القاسم الواقع في سندها هو القاسم بن يحيى بن الحسن بن راشد مولى المنصور ، الضعيف ، كما أن الظاهر أن عليّاً الواقع في آخر السند هو علي بن أبي حمزة البطائني المتهم الكذاب على ما ذكره ابن فضال (٢).

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣١٤ / أبواب الأغسال المسنونة ب ٦ ح ١٢.

(٢) رجال الكشي : ٤٠٣. والظاهر أن القاسم في الرواية هو قاسم بن محمد الجوهري الراوي عن علي بن أبي حمزة البطائني ، وهو وإن وثقناه سابقاً لوجوده في أسناد كامل الزيارات مطابقاً لمسلك السيد الأُستاذ ( دام ظله ) ولكن لا بدّ من الانتباه إلى أمر وهو أن نظره الشريف ( دام ظله )

٤

والأخبار في الحث عليه كثيرة ، وفي بعضها أنه يكون طهارة له من الجمعة إلى الجمعة (١) ، وفي آخر : « غسل يوم الجمعة طهور وكفارة لما بينهما من الذنوب من الجمعة إلى الجمعة » (٢). وفي جملة منها التعبير بالوجوب ، ففي الخبر : إنه واجب على كل ذكر أو أُنثى من حر أو عبد (٣) ، وفي آخر : عن غسل يوم الجمعة فقال عليه‌السلام : « واجب على كل ذكر وأُنثى من حر أو عبد » (٤) وفي ثالث : « الغسل واجب يوم الجمعة » (٥) وفي رابع قال الراوي : « كيف صار غسل الجمعة واجباً؟ فقال عليه‌السلام : إنّ الله أتمّ صلاة الفريضة بصلاة النافلة .... إلى أن قال : وأتمّ وضوء النافلة بغسل يوم الجمعة » (٦) وفي خامس : « لا يتركه إلاّ فاسق » (٧) وفي سادس : « عمّن نسيه حتى صلّى قال عليه‌السلام : إن كان في وقت فعليه أن يغتسل ويعيد الصلاة وإن مضى الوقت فقد جازت صلاته » (٨) إلى غير ذلك ، ولذا ذهب جماعة‌

______________________________________________________

ومنها : ما رواه الحسين بن خالد قال : « سألت أبا الحسن الأوّل عليه‌السلام كيف صار غسل الجمعة واجباً؟ فقال : إن الله أتم صلاة الفريضة بصلاة النافلة وأتم‌

__________________

قد تغير وخص التوثيق العام المذكور في مقدمة الكتاب بمشايخ ابن قولويه ( رحمه‌الله تعالى ) دون بقية الرواة الموجودين في السند ، وعلى هذا فلا يكون القاسم داخلاً في هذا التوثيق ، وهكذا لا بدّ من تصحيح ما وقع منّا من التوثيقات لسائر الأشخاص في التعاليق السابقة وتطبيقها على المبنى الجديد.

(١) الوسائل ٣ : ٣١٨ / أبواب الأغسال المسنونة ب ٧ ح ٢.

(٢) الوسائل ٣ : ٣١٥ / أبواب الأغسال المسنونة ب ٦ ح ١٤.

(٣) الوسائل ٣ : ٣١٦ / أبواب الأغسال المسنونة ب ٦ ح ٣. والمذكور فيه هو : واجب ...... عبد أو حر.

(٤) الوسائل ٣ : ٣١٢ / أبواب الأغسال المسنونة ب ٦ ح ٦ ، ٣. وفيه ما تقدم في المصدر (٣).

(٥) الوسائل ٣ : ٣١٧ / أبواب الأغسال المسنونة ب ٧ ح ١.

(٦) الوسائل ٣ : ٣١٣ / أبواب الأغسال المسنونة ب ٦ ح ٧.

(٧) المستدرك ٢ : ٥٠٦ / أبواب الأغسال المسنونة ب ٤ ح ٢.

(٨) الوسائل ٣ : ٣١٩ / أبواب الأغسال المسنونة ب ٨ ح ١.

٥

إلى وجوبه منهم الكليني والصدوق وشيخنا البهائي على ما نقل عنهم ، لكن الأقوى استحبابه ، والوجوب في الأخبار منزل على تأكد الاستحباب ، وفيها قرائن كثيرة على إرادة هذا المعنى ، فلا ينبغي الإشكال في عدم وجوبه وإن كان الأحوط عدم تركه.

______________________________________________________

صيام الفريضة بصيام النافلة وأتم وضوء النافلة ( الفريضة ) بغسل يوم الجمعة ، ما كان في ذلك من سهو أو تقصير ( أو نسيان ) أو نقصان » (١).

حيث دلّت على أن غسل الجمعة مستحب بقرينة أن إتمام الفريضة في الجملات السابقة إنما كان بالأمر المستحب ، فيستفاد منها أن المراد بكونه واجباً هو كونه ثابت الاستحباب في الشريعة المقدّسة.

وفيه : أنّا لو سلمنا دلالتها على الاستحباب فلا يمكن الاعتماد عليها لضعف أسنادها بالحسين بن خالد ، لعدم توثيقه في الرجال.

ومنها : ما نقله في البحار عن كتاب جمال الأُسبوع لابن طاوس في حديث رواه فيه بسنده عن أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال لعلي عليه‌السلام في وصيّته : « يا علي .... فاغتسل في كل جمعة ، ولو أنك تشتري الماء بقوت يومك وتطويه فإنه ليس شي‌ء من التطوع بأعظم منه » (٢).

ودلالتها على المدعى قاصرة ، لأن التطوع بمعنى ما يؤتى به بالتطوع والاختيار وهذا لا ينافي الوجوب. على أن سندها ضعيف بأبي البختري وهب بن وهب ، فإنه قيل في حقه أكذب البرية. فالمتحصل : أن مقتضى الأخبار الواردة في نفسها هو الوجوب.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣١٣ / أبواب الأغسال المسنونة ب ٦ ح ٧. وقد بنى على وثاقة الحسين بن خالد في المعجم ٦ : ٢٤٩ / ٣٣٩٠ فلاحظ.

(٢) المستدرك ٢ : ٥٠٢ / أبواب الأغسال المسنونة ب ٣ ح ٩ ، بحار الأنوار ٧٨ : ١٢٩ / ١٨ ، جمال الأُسبوع : ٣٦٦.

٦

المقام الثاني : في قيام القرينة الخارجية على الاستحباب ، وهي أن غسل الجمعة أمر محل ابتلاء الرجال والنساء في كل جمعة فلو كان واجباً عليهم لانتشر وجوبه وذاع ووصل إلينا بوضوح ولم يشتهر بين الأصحاب استحبابه ، ولما أمكن دعوى الإجماع على عدم وجوبه كما عن الشيخ قدس‌سره وهذا دليل قطعي على عدم كونه واجباً شرعاً.

وقد ذكرنا مثل ذلك في الإقامة ، لأن الأخبار الواردة فيها لا قصور في دلالتها على الوجوب لكنّا مع ذلك بنينا على استحبابها لعين ما ذكرناه من القرينة ، لأن وجوبها لا يلائم اشتهار الفتوى باستحبابها مع كثرة الابتلاء بها في كل يوم خمس مرات ، فلو كانت واجبة لانتشر وجوبها وذاع ولم تكن مورداً لدعوى الشهرة أو الإجماع على خلافه.

وعلى الجملة إن غسل الجمعة لا يقصر عن صلاة الكسوفين التي اشتهر وجوبها وذاع مع قلة الابتلاء بها ، بل قد لا يتفق في بعض السنين ، وكيف يخفى وجوب غسل الجمعة مع كثرة الابتلاء به في كل أسبوع؟! وقد تقدم أن الشيخ ادعى الإجماع على عدم وجوبه ، ولم يعلم من المتقدمين قائل بوجوبه ، وسبق أن الكليني والصدوق ووالده ( قدس الله أسرارهم ) لم يعلم ذهابهم إلى الوجوب لما مر.

ثم إنه على تقدير القول بالوجوب فهل أنه واجب نفسي أو أنه واجب غيري مقدّمة لصلاة الظهر أو الجمعة؟ لا يحتمل الوجوب النفسي فيه ، لأنه ليس لنا من الأغسال ما يكون واجباً نفسياً ، ولم يحتمل ذلك إلاّ في غسل الجنابة على قول ضعيف تقدّم في محلِّه (١).

وأمّا الوجوب الغيري فيدفعه صحيح ابن أبي نصر عن الرضا عليه‌السلام قال : « كان أبي يغتسل للجمعة عند الرواح » (٢) فان الظاهر من الرواح هو وقت العصر كما‌

__________________

(١) شرح العروة ٦ : ٣٤٨.

(٢) الوسائل ٣ : ٣١٧ / أبواب الأغسال المسنونة ب ٦ ح ٢٢.

٧

في قوله تعالى ( غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ ) (١) فدلّت على أن موسى بن جعفر عليه‌السلام كان يغتسل يوم الجمعة عصراً أي بعد الصلاة ، فلو كان الغسل واجباً غيرياً مقدمة للصلاة لم يكن يؤخرها إلى العصر. فتدل الصحيحة على عدم كونه واجباً غيرياً. واحتمال كونه واجباً نفسياً قد عرفت بعده جدّاً.

ودعوى أن الرواح بمعنى الرواح إلى الصلاة مندفعة :

أوّلاً : بأن موسى عليه‌السلام قضى أكثر عمره الشريف في السجون ولم يتمكن من الذهاب إلى الصلاة مدّة مديدة يصدق معها قوله : « كان أبي ... » ، فإنه ظاهر في الاستمرار.

وثانياً : أن الصحيحة اشتملت على لفظة « عند » ، وظاهرها أن اغتساله عليه‌السلام كان مقارناً للرواح لا أنه قبله ، ومقارنة الاغتسال للذهاب إلى الصلاة مما لا معنى له إلاّ أن يراد بالرواح زمان العصر.

وموثقة أبي بصير التي رواها الصدوق عنه بإسناده إليه : « أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يدع غسل يوم الجمعة ناسياً أو متعمداً ، فقال : إن كان ناسياً فقد تمّت صلاته وإن كان متعمداً فليستغفر الله ولا يعد » (٢) بالتقريب الآتي في الرواية الآتية.

ولا إشكال في سندها غير أن في طريق الصدوق إلى أبي بصير علي بن أبي حمزة البطائني وهو ممن صرح الشيخ قدس‌سره في العدة بوثاقته (٣) ، وما ذكره ابن فضال من أنه كذاب متهم (٤) لا يعلم رجوعه إليه لاحتمال رجوعه إلى ابنه الحسن فليراجع (٥).

ويؤيده ما رواه محمد بن سهل عن أبيه قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن‌

__________________

(١) سبأ ٣٤ : ١٢.

(٢) الوسائل ٣ : ٣١٩ / أبواب الأغسال المسنونة ب ٨ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٦٤ / ٢٤٢.

(٣) عدة الأُصول : ٥٦ السطر ١٩.

(٤) رجال الكشي : ٤٠٣.

(٥) رجع السيد الأُستاذ ( دام ظله ) عن ذلك والتزم بضعف علي بن أبي حمزة في المعجم ١٢ : ٢٣٤.

٨

[١٠٣١] مسألة ١ : وقت غسل الجمعة من طلوع الفجر الثاني (١)

______________________________________________________

الرجل يدع غسل الجمعة ناسياً أو غير ذلك ، قال : إن كان ناسياً فقد تمت صلاته وإن كان متعمداً فالغسل أحب إليَّ ، فان هو فعل فليستغفر الله ولا يعود » (١). وذلك لأن الغسل لو كان واجباً غيرياً مقدّمة للصلاة لكانت الصلاة عند نسيانه ولا أقل عند تعمد تركه باطلة ، فمن حكمه عليه‌السلام بصحتها نستكشف عدم كونه مقدمة للصلاة ، غاية الأمر أنه مستحب مؤكد. والوجه في جعلها مؤيدة أن محمد بن سهل لم يوثق في الرجال.

نعم ورد في موثقة عمار الساباطي أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن الرجل ينسى الغسل يوم الجمعة حتى صلّى ، قال : إن كان في وقت فعليه أن يغتسل ويعيد الصلاة ، وإن مضى الوقت فقد جازت صلاته » (٢) وهي وإن كانت موثقة إلاّ أنها لا بدّ من حملها على الاستحباب بقرينة ما دل على عدم كونه واجباً غيريا.

مبدأ وقت غسل الجمعة‌

(١) لا ينبغي الإشكال في عدم جواز الإتيان بغسل الجمعة قبل الفجر ، لأن العبادات توقيفية ولا يجوز الإتيان بها في غير وقتها. وهل يجوز الإتيان به بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس؟ قد يقال بجوازه ويستدل عليه بأن ما بين الطلوعين من اليوم فيجوز الإتيان حينئذ بما يجوز الإتيان به بعد طلوع الشمس.

وفيه : أن ما بين الطلوعين لم يعلم كونه من اليوم ، فإنهم يقسمون الزمان إلى ليل ونهار ويعبّرون عما بين طلوع الشمس وغروبها بالنهار وعن غيره بالليل أي الزمان الذي تكون الشمس فيه تحت الأرض ، كما يعبّرون عن منتصف النهار بالزوال وهو منتصف ما بين طلوع الشمس وغروبها ، وكذلك الحال في منتصف الليل فيعبّرون عنه‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣١٨ / أبواب الأغسال المسنونة ب ٧ ح ٣.

(٢) الوسائل ٣ : ٣١٩ / أبواب الأغسال المسنونة ب ٨ ح ١.

٩

إلى الزوال (١) وبعده إلى آخر يوم السبت قضاء‌

______________________________________________________

بزوال الليل ، وعليه فيكون ما بين الطلوعين من الليل.

نعم دلنا غير واحد من الأخبار المعتبرة على أن ما بين الطلوعين ملحق بالنهار ففي صحيحة أو حسنة زرارة والفضيل قالا « قلنا له : أيجزئ إذا اغتسلت بعد الفجر للجمعة؟ فقال : نعم » (١) ، ورواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلاً عن كتاب حريز بن عبد الله عن الفضيل وزرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام مثله (٢) ، ورواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه وعن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن حماد ابن عيسى مثله (٣) ، ونظيرها ما رواه ابن بكير عن أبيه ومحمد بن الوليد عن ابن بكير (٤) فليراجع.

منتهى وقت غسل الجمعة‌

(١) وقع الكلام في منتهى زمان الغسل يوم الجمعة فقال بعضهم بأن آخر وقته هو الزوال ، ذهب إليه المحقق في المعتبر (٥) واستدل عليه بجملة من الأخبار :

منها : صحيحة زرارة قال « قال أبو جعفر عليه‌السلام : لا تدع الغسل يوم الجمعة فإنه سنة ، وشم الطيب والبس صالح ثيابك وليكن فراغك من الغسل قبل الزوال ، فاذا زالت فقم ... » (٦).

روى في الوسائل تمامها في أبواب صلاة الجمعة وصدرها في الباب السابع من‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٢٢ / أبواب الأغسال المسنونة ب ١١ ح ١.

(٢) السرائر ٣ : ٥٨٨.

(٣) الكافي ٣ : ٤١٨ / ٨.

(٤) الوسائل ٣ : ٣٢٢ / أبواب الأغسال المسنونة ب ١١ ح ٢ ، ٤.

(٥) المعتبر ١ : ٣٥٤.

(٦) الوسائل ٧ : ٣٩٦ / أبواب صلاة الجمعة ب ٤٧ ح ٣ ، ٣ : ٣١٧ / أبواب الأغسال المسنونة ب ٧ ح ١.

١٠

أبواب الأغسال المسنونة ، حيث اشتملت على قوله عليه‌السلام : « وليكن فراغك من الغسل قبل الزوال » وهو كناية عن عدم كونه بعد الزوال سواء كان قبله أم مقارناً للزوال ، وإنما بيّن خصوص الغسل قبله دون المقارن للغلبة ، فإن الغالب أن يغتسل قبل الزوال أو بعده ، وأما الاغتسال بنحو يكون آخره مقارناً للزوال فهو نادر بعيد. وكيف كان ، فتدل على أنه بعد الزوال قضاء لا محالة.

وفيه : أن الظاهر من الصحيحة أن أمره عليه‌السلام بذلك إنما هو من جهة كونه مقدمة للأُمور التي ذكرها بعده كقوله : « فاذا زالت فقم ... ». ولا إشكال في أفضلية قرب الزوال ، وليست الصحيحة بصدد بيان أن الغسل بعد الزوال قضاء.

على أنّا لو سلمنا أنها بصدد بيان أن الغسل لا بدّ أن يكون قبل الزوال لا تكون الصحيحة مقيدة للإطلاقات الواردة في الغسل ، لأن التقييد إنما يبتني على أن يكون غسل الجمعة واجباً ، وأما بناء على أنه مستحب كما تقدم فلا مقتضي لتقييد المطلقات بها على ما هو القانون في المطلق والمقيد في المستحبات ، فان المطلق في المستحبات يبقى على حاله واستحبابه ويكون المقيد أفضل الأفراد.

ومنها : ما رواه سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « في الرجل لا يغتسل يوم الجمعة في أول النهار ، قال : يقضيه آخر النهار ، فان لم يجد فليقضه من يوم السبت » (١) والاستدلال بها من جهتين :

الاولى : تعبيره عليه‌السلام بالقضاء في قوله : « يقضيه آخر النهار ».

الثانية : اقتران الغسل بعد الزوال بالغسل يوم السبت ، فكما أنه قضاء بلا كلام فليكن الأمر كذلك بعد زوال يوم الجمعة.

وفيه : أن الرواية لو تمت بحسب السند لا تتم بحسب الدلالة ، وذلك لأن القضاء في لغة العرب بمعنى الإتيان بالشي‌ء وليس بالمعنى المصطلح عليه ، نعم علمنا خارجاً أن الغسل يوم السبت قضاء اصطلاحاً ، لا أن القضاء في الرواية بهذا المعنى ، بل معناه أنه‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٢١ / أبواب الأغسال المسنونة ب ١٠ ح ٣.

١١

إذا لم يأت به قبل الزوال يأتي به بعد الزوال وإلاّ فيقضيه يوم السبت.

على أن الرواية ضعيفة سنداً وإن عبّر عنها في الحدائق بالموثقة (١) ، والظاهر أنه من جهة بنائه على أن الراوي جعفر بن عثمان الرواسي الثقة ، إلاّ أنه مما لا قرينة عليه لأنه مردد بين الموثق والضعيف (٢).

ويحتمل أن يكون توثيقه الرواية من جهة أن الراوي عنه هو ابن أبي عمير ، نظراً إلى أنه لا يروي إلاّ عن ثقة ، وفيه : ما قدّمناه مراراً من أنه ونظراءه قد رووا عن غير الثقة أيضاً فلا يتم ما ذكروه من الكلية.

ومنها : موثقة عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن رجل فاته الغسل يوم الجمعة ، قال : يغتسل ما بينه وبين الليل ، فان فاته اغتسل يوم السبت » (٣).

وتقريب الاستدلال بها أن مفروض السؤال من ابن بكير لا بدّ أن يكون هو فوت الغسل عنه قبل الزوال ، وإلاّ فلا معنى لقوله عليه‌السلام : « يغتسل ما بينه وبين الليل » ومعه تدل الموثقة على المدعى ، وذلك لأن السائل اعتقد أن الرجل حيث لم يأت بالغسل قبل الزوال فقد فاته الغسل ، والفوت إنما يتحقق بانقضاء وقت العمل والإمام عليه‌السلام لم يردعه عن هذا الاعتقاد ، بل أقره عليه وأفاده بأنه لو فاته قبل الزوال فليأت به بعده وإن فاته ففي يوم السبت.

وفيه : أن مفروض سؤاله في الموثقة وإن كان لا بدّ أن يكون هو عدم الإتيان به قبل الزوال كما ذكر إلاّ أنه لا دلالة في الموثقة على الإمضاء وعدم الردع ، بل هي دالّة على الردع عنه ، فكأنه ذكر عليه‌السلام أنه إذا لم يأت بالغسل قبل الزوال لم يفته الغسل المأمور به بل يأتي به بينه وبين الليل وإلاّ ففي يوم السبت ، وليس في كلامه‌

__________________

(١) الحدائق ٤ : ٢٢٩.

(٢) الذي يظهر من السيد الأُستاذ ( دام ظلّه ) في المعجم ٥ : ٤٧ أنّ جعفر بن عثمان منصرف إلى الرواسي الثقة فيبقى إشكال الدلالة فقط.

(٣) الوسائل ٣ : ٣٢١ / أبواب الأغسال المسنونة ب ١٠ ح ٤.

١٢

لكن الأولى والأحوط (*) فيما بعد الزوال إلى الغروب من يوم الجمعة أن ينوي القربة من غير تعرض للأداء والقضاء ،

______________________________________________________

( عليه‌السلام ) أنه يكون فائتاً حينئذ.

ويمكن أن يقال : إن التعبير بالفوت في كلام السائل إنما يريد به فوت الفرد الراجح من الطبيعة المأمور بها ، وهذا المقدار يكفي في صحّة التعبير بالفوت وإن لم تفت الطبيعة المأمور بها حينئذ.

وعليه فالصحيح أن وقت غسل الجمعة يمتد إلى الغروب دون الزوال وإن كان الأحوط بل الأفضل أن يؤتى به قبل الزوال كما سيأتي.

ونسب إلى الشيخ قدس‌سره أن غسل الجمعة يكون قضاء بإتمام صلاة الجمعة (١). وهذا أمر لم يقم عليه دليل ولم يرد في شي‌ء من الروايات لا في معتبرها ولا في ضعيفها. ويحتمل أن يريد به ذهاب وقت الفرد الأفضل منه وهو ما يؤتى به قبل الصلاة ، إذ بإتمامها ينتهي وقته ويكون قضاء.

ثمرة النزاع في محل الكلام‌

وهل هناك ثمرة في النزاع في أن الغسل بعد الزوال يوم الجمعة أداء أو قضاء ، أو لا تظهر له ثمرة عملية بوجه؟ قد يقال : تظهر الثمرة في القصد ، لأنه على الأوّل لا بدّ من قصد الأداء إذا أتى به بعد الزوال كما لا بدّ من قصد القضاء على الثاني.

وفيه : أن ذلك لا يكون ثمرة بوجه ، لأن الامتثال لا يتوقف على قصد الأداء والقضاء ، لأنه عبارة عن الإتيان بالعمل مضافاً إلى المولى ، دون اعتبار قصد الأداء والقضاء فيه.

نعم هذا إنما يلزم إذا كان عليه واجبان وتوجه إليه أمران : أحدهما الأمر بالأداء‌

__________________

(*) لا يترك.

(١) الخلاف ١ : ٦٢١ مسألة ٣٧٨.

١٣

كما أن الأولى مع تركه إلى الغروب أن يأتي به بعنوان القضاء في نهار السبت لا في ليله‌

______________________________________________________

والثاني الأمر بالقضاء ، كما لو فاتته صلاة الظهر أو الفجر من اليوم السابق فإنه بعد الظهر أو الفجر يكلف بواجبين ، ولا يحصل الامتثال لأحدهما إلاّ بقصد الأداء أو القضاء. وأما إذا كان عليه أمر واحد فلا يلزم في امتثاله قصد شي‌ء من الأداء أو القضاء ، فإن الإتيان بقصد امتثال الأمر الفعلي كافٍ في الامتثال.

وقد يقال بأن للنزاع ثمرتين أُخريين :

إحداهما : أن من خاف أو أحرز إعواز الماء يوم الجمعة قبل الزوال يجوز له تقديم غسل الجمعة والإتيان به يوم الخميس ، كما أنه لو خاف أو أحرز إعوازه يوم السبت لم يجز له تقديمه يوم الخميس لأنه خارج عن وقت المأمور به.

وأمّا إعوازه بعد الزوال فهو إنما يسوغ التقديم يوم الخميس إذا كان الغسل فيه أداء فان حكمه حكم [ ما ] قبل الزوال ، وإن كان الغسل فيه قضاء فحكمه حكم الإعواز يوم السبت فلا مسوغ لتقديمه يوم الخميس ، فالثمرة هي مشروعية التقديم على القول بامتداد وقت الغسل إلى الغروب وعدم مشروعيته بناء على كون الوقت إلى الزوال.

وفيه : أن ما دلّ على جواز التقديم يوم الخميس قد اشتمل على الإعواز في الغد والغد يصدق على ما قبل الزوال كما يصدق على ما بعده على حد سواء ، فالاعواز في كلا الوقتين مسوغ للتقديم كان الغسل بعد الزوال أداءً أم كان قضاءً ، على أن ما دلّ على جواز التقديم مع الإعواز قبل الزوال أو بعده (١) ضعيف لا يمكن الاعتماد عليه.

ثانيتهما : أنه إذا خاف أو اعتقد الإعواز يوم الجمعة وقدّم الغسل يوم الخميس ثم وجد الماء يوم الجمعة قبل الزوال لزم عليه إعادة الغسل ، لأن ما اعتقده أو احتمله لم يكن مطابقاً للواقع وهو متمكن من الغسل يوم الجمعة ، كما أنه لو وجده يوم السبت لم‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣١٩ / أبواب الأغسال المسنونة ب ٩.

١٤

تلزم عليه الإعادة لأنه من الوجدان خارج الوقت ، وبما أنه لم يكن متمكناً من الماء في ظرف العمل جاز له تقديمه من دون لزوم الإعادة عليه.

وأمّا لو وجده بعد الزوال فلزوم الإعادة عليه وعدمه يبتني على أن الغسل بعد الزوال أداء ليلحق بما قبل الزوال وحيث لم يكن معتقده واحتماله مطابقاً للواقع وكان متمكناً من الماء في ظرف العمل لزمت عليه الإعادة ، أو أنه قضاء ليلحق بالسبت في كونه من التمكن بعد الوقت ولا تلزم عليه الإعادة.

ويدفعه : أن لزوم الإعادة عند وجدان الماء يوم الجمعة ليس مدلول رواية ولو ضعيفة ، وإنما الوجه فيه هو الإطلاقات الآمرة بالغسل لأنها لم تتقيد بالغسل يوم الخميس وعدمه ، بل مقتضاها لزوم الإتيان به يوم الجمعة مع التمكن من الماء ، وبما أنه لم يأتِ به يوم الجمعة وهو متمكن من الماء لا بدّ من أن يأتي به عملاً بالإطلاق.

وهذا الإطلاق كما يقتضي الإعادة فيما لو وجد الماء قبل الزوال كذلك يقتضي الإعادة على تقدير وجدان الماء بعد الزوال ، لأنه يوم الجمعة والماء موجود وهو لم يغتسل. فمقتضى الإطلاق هو الإعادة سواء كان الإتيان به حينئذ أداء أو قضاء ، بل بالإطلاق يثبت أن الغسل بعد الزوال أداء أيضاً.

وعلى أي حال لا ثمرة عملية للنزاع في أنه أداء بعد الزوال أو أنه قضاء ، وإن كان الصحيح أن وقت غسل الجمعة ممتد إلى الغروب وإن كان الإتيان به قبل الزوال أرجح وهو أفضل الأفراد ، وذلك لصحيحة زرارة المتقدِّمة (١) المشتملة على أمره بكون الغسل قبل الزوال المحمولة على الاستحباب كما تقدم.

ثم إن ما ذكرناه من امتداد الوقت إلى الغروب لا فرق فيه بين ترك الغسل قبل الزوال نسياناً وبين تركه عمداً ، إذ لا دليل على التقييد بالزوال ، فالمطلقات هي المحكمة مضافاً إلى موثقة عمار الساباطي المتقدِّمة (٢) الدالّة على أن من ترك الغسل قبل الزوال‌

__________________

(١) في صدر المسألة ص ١٠.

(٢) في صدر المسألة ص ٩.

١٥

نسياناً لا شي‌ء عليه ومن تركه متعمداً أتى به ، لأنها دلّت على صحّة الإتيان به بعد الزوال وإن تركه قبل الزوال عمداً.

ثم إن المشهور أن الغسل كلما قرب من الزوال كان أفضل ، فالأفضل ما كان مقارناً مع الزوال وما كان بعيداً عنه بنصف ساعة فهو أقل منه ثواباً وهكذا. إلاّ أن ذلك لم يرد في شي‌ء من الروايات سوى الفقه الرضوي (١). وقد قدمنا مراراً أنه لا يمكن الاعتماد عليه ، لعدم ثبوت كونه رواية فضلاً عن اعتبارها ، اللهمّ [ إلاّ ] بناء على التسامح في أدلّة السنن وشموله لما لم يعلم كونه رواية أيضاً. فالثابت أن الغسل قبل الزوال أفضل.

قضاء غسل الجمعة يوم السبت‌

بقي الكلام في قضائه يوم السبت ، ولا ينبغي الإشكال في مشروعيته وجواز قضائه يوم السبت ، وهو متسالم عليه بين الأصحاب كما يقتضيه غير واحد من النصوص. والكلام في قضائه يقع من جهات :

الاولى : أن قضاء غسل الجمعة الثابت مشروعيته نهار السبت هل يشرع في ليلة السبت أو لا يشرع لعدم الدليل على مشروعيته؟

مقتضى الجمود على ظاهر النصوص (٢) عدم مشروعيته ليلة السبت ، لاختصاصها بيومه ، لكن المشهور بينهم هو الجواز والمشروعية ليلاً. وقد استدل عليه بوجوه :

أدلّة المشروعية ليلاً‌

الأوّل : أن المشهور ذهبوا إلى استحبابه ، ومقتضى قاعدة التسامح في المستحبات كفاية فتوى المشهور في الحكم بالمشروعية والاستحباب.

وفيه : أن ذلك يبتني على أمرين :

__________________

(١) المستدرك ٢ : ٥٠٨ / أبواب الأغسال المسنونة ب ٧ ح ١ ، فقه الرضا : ١٧٥.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٢٠ / أبواب الأغسال المسنونة ب ١٠.

١٦

أحدهما : دلالة أخبار « من بلغ » على أن العمل الواصل فيه الثواب مستحب في الشريعة المقدسة.

وثانيهما : شمول الوصول والبلوغ لفتوى الفقيه. وكلا الأمرين قابل للمناقشة على ما قدمناه في محلِّه (١).

الثاني : استصحاب المشروعية للقطع بها يوم الجمعة فلو شككنا في بقائها وارتفاعها ليلة السبت فنستصحب بقاءها. ويرد عليه :

أولاً : أنه من استصحاب الحكم الإلهي الكلي ونحن نمنع جريانه فيه.

وثانياً : أنه من قبيل الاستصحاب الجاري في القسم الثالث من الكلي ، لأن المشروعية الثابتة يوم الجمعة إنما كانت ثابتة في ضمن الأداء وهي قد ارتفعت قطعاً ونشك في أنه هل وجد فرد آخر من المشروعية وهي المشروعية قضاء مقارناً لارتفاع الفرد الأوّل ، أو لا ، وهو مما لا يلتزم به القائل بجريان الاستصحاب في الأحكام.

الثالث : أن القيد الوارد في الأخبار (٢) أعني يوم السبت قد ورد مورد الغالب ، فان الغالب هو الاغتسال في النهار دون الليل ، والقيد الوارد مورد الغالب لا مفهوم له ليقيد به الإطلاق ، فلا موجب لاختصاص الحكم بالمشروعية بيوم السبت بل هي ثابتة في ليله أيضاً.

وفيه أوّلاً : منع الغلبة ، لأن غلبة الاغتسال في اليوم إنما هي فيما إذا كان الهواء بارداً ولا سيما إذا لم يكن المكان مما تعارف فيه الحمامات الدارجة ، وأما إذا كان الهواء حاراً أو كان المكان مما تعارف فيه الحمامات المتعارفة فلا غلبة في الاغتسال في النهار بل النهار كالليل ، ولعل الأمر بالعكس والاغتسال في الليل أكثر من الاغتسال في النهار.

وثانياً : أن ورود القيد مورد الغالب إنما لا يوجب التقييد في الإطلاق فيما إذا كان‌

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٣١٩ ٣٢١.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٢٠ / أبواب الأغسال المسنونة ب ١٠.

١٧

هناك دليل مطلق وورد في قباله دليل مقيد وكان القيد غالبياً فهو لا يوجب التقييد في الإطلاق ، وليس الأمر في المقام كذلك ، إذ لا دليل مطلق دل على جواز القضاء مطلقاً ليلاً ونهاراً ليدعى أن الأخبار الواردة في جواز القضاء يوم السبت لا تستلزم تقييد ذلك المطلق ، بل ليس عندنا إلاّ تلك الأخبار المقيدة. إذن لا دليل لنا على مشروعية القضاء ليلاً وهو كافٍ في عدم المشروعية.

ودعوى أن القضاء إذا كان ثابتاً في نهار السبت فيثبت في ليله بطريق أولى لقربه من الجمعة ، مندفعة بأن العبادات الشرعية توقيفية وهي تحتاج في مشروعيتها إلى دليل يدل عليها ، ومجرد الأولوية الاستحسانية لا يكفي في ثبوت المشروعية كما هو واضح.

الرابع : موثقة ابن بكير المتقدمة الدالّة على أن من فاته غسل الجمعة يأتي به فيما بينه وبين الليل وإلاّ ففي يوم السبت (١). وهي تدل على مشروعية قضاء الغسل ليلة السبت على ما استدل به صاحب الجواهر قدس‌سره وذكر في تقريبه : أن السائل فرض فوت الغسل في مجموع نهار الجمعة ، ومعه لا معنى لقوله عليه‌السلام : يأتي به فيما بينه وبين الليل ، أي فيما بين النهار الذي فاته الغسل فيه وبين الليل ، إذ لا فاصل بين اليوم والليل ، فلا مناص من تقدير كلمة ( الآخر ) قبل الليل فيصير معنى الموثقة أنه يأتي به فيما بين النهار الذي فاته الغسل فيه وبين آخر الليل ، فتدل على مشروعية القضاء في ليلة السبت أيضاً (٢).

ويدفعه أوّلاً : ما قدمناه من أن الظاهر من الموثقة أن السؤال هو عن فوت الغسل في الوقت المتعارف فيه الغسل وهو ما قبل الزوال ، وعليه فمعنى قوله عليه‌السلام : « فيما بينه وبين الليل » أي فيما بين الشخص والليل ، أي من الزوال إلى الليل ، فلا دلالة فيها على مشروعية القضاء في الليل.

وثانياً : لو فرضنا المعنى كما أفاده قدس‌سره فما الموجب للإغلاق في كلام الإمام‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٢١ / أبواب الأغسال المسنونة ب ١٠ ح ٤ ، وقد تقدّمت في ص ١٢.

(٢) الجواهر ٥ : ٢٢.

١٨

وآخر وقت قضائه غروب يوم السبت ،

______________________________________________________

( عليه‌السلام ) أعني قوله : « فيما بينه وبين الليل » بل كان اللازم أن يقول : يأتي به ليلاً. فلا وجه له إلاّ ما قدمناه من أن السؤال إنما هو عن فوت الغسل قبل الزوال. فالحديث لا دلالة فيه على مشروعية القضاء ليلة السبت بوجه.

نعم لا بأس بالإتيان به رجاء ، لأنه لم يقم دليل على عدم مشروعيته ليلاً ، وإنما لا نفتي بالمشروعية لعدم الدليل عليها فلا بأس معه من الإتيان به رجاء.

الجهة الثانية : الظاهر جواز القضاء إلى غروب يوم السبت وليس وقته محدداً بالزوال ، ولعله مما لا إشكال فيه ، فوقت القضاء ممتد إلى الغروب.

الجهة الثالثة : أن مشروعية القضاء يوم السبت هل تختص بمن ترك الغسل يوم الجمعة نسياناً أو لعذر من الأعذار فلا يشرع لمن تركه يوم الجمعة متعمداً ، أو لا يختص به ولا يفرق في مشروعيته بين من تركه عمداً أو تركه نسياناً أو لغيره من الأعذار؟

نسب إلى الصدوق قدس‌سره الاختصاص (١). وقد يستدل عليه بمرسلة الهداية (٢) كما في الحدائق (٣) والجواهر (٤) وبالفقه الرضوي (٥).

ويرد على الاستدلال بهما أن الاولى ضعيفة بإرسالها والثانية لم تثبت كونها رواية فضلاً عن أن تكون معتبرة. على أن المرسلة إنما دلت على أنه يقضيه يوم السبت إذا نسيه يوم الجمعة ، وأما أنه إذا تركه عمداً فلا يجوز له القضاء فهو مما لا يستفاد من‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٦٤.

(٢) الهداية : ٢٣.

(٣) الحدائق ٤ : ٢٢٩. وقد عبّر فيها بمرسلة حريز.

(٤) الجواهر ٥ : ٢٢.

(٥) المستدرك ٢ : ٥٠٧ / أبواب الأغسال المسنونة ب ٦ ح ١ ، فقه الرضا : ١٧٥ وفيه : فان فاتك الغسل يوم الجمعة قضيت يوم السبت إلخ.

١٩

المرسلة. على أن لازم الاستدلال بهما اختصاص الحكم بمن تركه نسياناً وحسب مع أن الصدوق عممه إلى سائر الأعذار أيضاً.

والصحيح أن الصدوق إنما اعتمد في ذلك على رواية سماعة المتقدمة ، حيث ورد فيها : « فان لم يجد فليقضه من يوم السبت » (١) فقد أخذت في موضوع جواز القضاء يوم السبت عدم التمكن من الغسل يوم الجمعة وكون تركه مستنداً إلى العذر وعدم التمكن منه ، فمن تركه لا لعذر ليس له أن يقضيه يوم السبت ، لأن الغسل وإن كان مستحباً ولا يقيد المطلق في المستحبات بالمقيد بل يحمل على أفضل الأفراد مع بقاء المطلق على إطلاقه إلاّ أن ذلك إنما هو إذا كانا موجبين أو سالبين ، وأما إذا كان أحدهما إيجاباً والآخر سلباً فلا مناص من التقييد.

والمقام من هذا القبيل ، لأن للموثقة مفهوماً وهو عدم جواز القضاء لمن ترك الغسل لا لعذر ، ومع المفهوم تكون الموثقة سالبة والإطلاقات موجبة فيختلفان في السلب والإيجاب ولا بدّ من التقييد معه ، أي تقييد ما دل على جواز القضاء يوم السبت لمن ترك الغسل يوم الجمعة مطلقاً بهذه الموثقة ، فينتج اختصاص مشروعية القضاء بمن ترك الغسل يوم الجمعة لعذر لا ما إذا كان الترك عن تعمّد ، هذا.

وفيه : أن الرواية لا مفهوم لها ، فكأنه عليه‌السلام ذكر أن من ترك الغسل قبل الزوال إذا كان واجداً للماء أتى به بعد الزوال لفرض أنه قاصد للامتثال وأنه إذا لم يجد الماء أتى به يوم السبت ، وأما إذا تركه متعمداً فلا نظر للموثقة إلى حكمه وأنه أي شي‌ء وظيفته ، فلا دلالة لها على المفهوم.

وحيث إن موثقة ابن بكير المتقدِّمة (٢) دلت على جواز القضاء يوم السبت عند فوته يوم الجمعة ، والفوت أعم من أن يستند إلى الاضطرار والعذر أو إلى العمد كما في فوت الفريضة الواجب قضاؤها ، فلا فرق في مشروعية القضاء يوم السبت بين تارك الغسل يوم الجمعة عن عذر واضطرار وبين تركه عن عمد واختيار.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٢١ / أبواب الأغسال المسنونة ب ١٠ ح ٣. وتقدّم الكلام في سند الرواية ص ١١.

(٢) في صدر المسألة ص ١٢.

٢٠