بحث حول المهدي (عج)

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

بحث حول المهدي (عج)

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


المحقق: الدكتور عبدالجبار شرارة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ١٤٣

١

٢

٣

٤

٥

٦
٧

كلمة المركز

٨
٩

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وآله الطاهرين.

إن من المهام الفكرية والعلمية التي تصدى مركز الغدير للعناية بها ونشر الأبحاث والدراسات الدائرة حولها والمهتمة بالتعريف بها هي الأبحاث والدراسات العقيدية المرتبطة بعقيدة الإمامة ، ولعل دراسة قضية الإمام المهدي عليه‌السلام وبحثها بحثاً علمياً استدلالياً والتعريف بها ، ومناقشة الشبهات المثارة حولها ، هي من أهم المباحث وأكثرها حاجة إلى الإيضاح والتعريف.

ولقد كتب العلماء والمفكرون والباحثون والمحققون الكتب والدراسات لدراسة هذا الموضوع الخطير.

كما خرّج علماء الحديث وأصحاب الموسوعات الحديثية أحاديث المهدي المروية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كتبهم وأفردوا لها باباً خاصاً حيناً ، كما وردت ضمن أحاديث وروايات أخرى حيناً آخر.

ومن الذين تناولوا هذه البحث بالدراسات والتحليل ، وضمن منهج متميز هو الفقيه والمفكر الإسلامي الشهيد السيد محمد باقر الصدر رضي الله عنه ، فقد بحث هذا الموضوع تحت عنوان «بحث حول المهدي» فكان بحثاً عقلياً وتنظيرياً لعقيدة

١٠

المهدي. ولم يورد فيه مؤلّفه الروايات الدالة على الموضوع ؛ ذلك لأن البحث كان عبارة عن مقدمة لكتاب استدلالي موسع هو كتاب «موسوعة الإمام المهدي» للسيد محمد الصدر.

فهو عبارة إذاً عن مقدمة لكتاب ، وليس كتاباً. غير انّه جاء بحثاً استوعب مرتكزات الموضوع وأغنى جوانبه. وحق ان تبذل الجهود لتحقيقه وإخراجه ونشره. فكاتبه ( الشهيد الصدر ) قمة من قمم الفكر والعلم ، وحجة من حجج البحث والتحقيق.

من أجل ذلك بادر مركز الغدير بتكليف الأستاذ الدكتور عبد الجبار شرارة أن يقوم بتحقيق هذا الأثر من تراث شهيدنا الصدر العلمي والتعريف بمسئلة من أهم مسائل العقيدة من خلال هذا البحث القيم ، ولقد تركز عمل المحقق بمقدمة علمية استعرض فيها وحلل مناهج البحث في هذه المسألة ، فلخصها يمنهجين هما :

١ ـ منهج المشككين.

٢ ـ منهج المثبتين ، الذي قسمه إلى منهجين هما :

الف ـ المنهج الروائي.

ب ـ المنهج العقلي ( منهج الشهيد الصدر ).

فتحدث عن منهج الشهيد الصدر وأوضح طريقته في إثبات القضية وبلورة معالمها ، كما قام بنقد ورد الشبهات المثارة حول عقيدة الإيمان بوجود المهدي المصلح ، وأورد الأدلة المثبتة لذلك.

وبعد تلك المقدمة انتقل المحقق إلى نص كتاب «بحث حول المهدي» فقام بتدقيق المتن وضبطه وتخريج الآيات والروايات والإحالات الواردة في متن الكتاب والتعليق على بعض نصوص الكتاب لإيضاحها وكشف غوامضها.

١١

ومركز الغدير إذ يتبنى إعداد هذا الكتاب بتوجيه وعناية من المشرف العام آية الله السيد محمود الهاشمي ، إنما يقدم للقراء أثراً علمياً قيّماً ، وصياغة فكرية فذة لمبدأ إسلامي خطير ، ويعرّف من خلاله بمسألة من أهم مسائل الفكر والعقيدة الإسلامية.

راجين من الله سبحانه قبول العمل وشفاعة أهل البيت عليهم‌السلام وتحقق آمال المستضعفين في العالم بإقامة دولة الحق التي يرفع لواءها المصلح المنتظر.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

مركز الغدير للدراسات الإسلامية

ربيع الأول ١٤١٧ للهجرة الشريفة

١٢
١٣

مقدمة المحقق

١٤
١٥

الاعتقاد بالإمام المهدي المنتظر عليه‌السلام قضية أساسية في عقيدة المسلمين وقد شغلتهم وما تزال منذ بشّر خاتم المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به ، وأكّد ظهوره في آخر الزمان في أحاديث جمّةٍ ، وفي موارد ومناسبات لا تحصى كثرة بلغت حدّ التواتر ، فصار الاعتقاد به من ضروريات الاسلام. ومع ذلك كلّه فقد نجم في القرون الماضية وفي قرننا الحالي من أنكر وشكّك فيه إمّا تأثراً بمناهج مادية او بسبب عصبية مذهبية أو لجهلٍ بما أودع في الصحاح والمسانيد والسنن ومئات الروايات (١) عن طريق الفريقين السنّة والشيعة ، ولقد ألّف العلماء المتقدمون والمتأخرون عشرات الكتب كما كُتبت فصول أو دراسات تضمنت أدلةً معتبرة واحتجاجات سليمة وقوية على وجود المهدي وصدق القضية بما لا ينبغي معه أن يرتاب فيه مسلم صحيح العقيدة يؤمن بما يخبر به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ولقد بلغ من رسوخ هذه العقيدة في الامّة المسلمة أن استغلّها بعض الأدعياء ، وادّعوا المهدوية ، ولكن سرعان ما انكشفوا وافتُضحوا ، كما افتُضح أدعياء النبوّة ، وقد حاول الدكتور أحمد أمين في كتابه ( المهدوية في الاسلام) أن

__________________

(١) راجع : المهدي الموعود المنتظر عند علماء أهل السنّة والإمامية / الشيخ نجم الدين العسكري ، وفيه أكثر من أربعمئة حديث من كتب أهل السنّة.

منتخب الأثر في الامام الثاني عشر عليه‌السلام / العلاّمة الشيخ لطف الله الصافي ، وفيه ما مجموعه (٦٠٠٠) ستة آلاف حديث عن طريق الفريقين.

١٦

يجعل من ادّعاء المهدوية سبباً للطعن على فكرة المهدي وأصالتها ، ولكن العكس هو الصحيح. فالادّعاء يدلّ على أنّ المدّعين يستغلّون حقيقيةً موضوعيةً ، واعتقاداً راسخاً عند الناس ، ثمّ لو صحّ أنّ الادّعاء مبطل لأصل القضية ، فلازم ذلك إبطال النبوّات لكثر المدّعين بها.

والأمر المثير للعجب أن يتصدى بعض أدعياء العلم والمعرفة قديماً وحديثاً للتشكيك والتشويش على الأمة المسلمة ، لا لشيءٍ الاّ بسبب قصور فهمهم عن إدراك أسرار هذه العقيدة ، ومقاصدها السامية ، أو بسبب غرض آخر ، ومن هؤلاء في عصرنا الحديث المستشرقون وتلامذتهم من أمثال گولدزيهر ، وفلهاوزن ، وفان فلوتن ، ومكدونالد ، وبرنارد لويس ، ومونتغمري وات ، وماسنيون وغيرهم ممن تبعهم من تلامذتهم من أبناء الإسلام ، وسار على منهجهم في إثارة الشبهات والتشكيك بعقائد الإسلام ومقولاته وفي القرآن الكريم والسنّة المطهرة ، ثمّ سلك هذا المسلك الوهابية ومن سار في ركابهم من أبناء الشيعة والسنّة في التشكيك بعقيدة المهدي المنتظر ، وليس لدى جميع هؤلاء ما يدعم إنكارهم من الأدلة والمستمسكات الموثوقة ، بل الدليل قائم على خلاف مذاهبهم والبرهان ساطع وقاطع على صحة العقيدة في المهدي ؛ لثبوت التواتر كما حكاه غير ، ومنهم البرزنجي في الإشاعة لأشراط الساعة ، والشوكاني في التوضيح كما سيأتي.

والغريب أنّ هؤلاء يتوسّلون بنفس الذرائع ، ويتعلّلون بنفس التعلّلات التي توسّل بها منكرو ما جاء من أنباء الغيب التي احتواها القرآن الكريم ، أو التي نطق بها الرسول الكريم نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كإنكارهم الإسرار والمعراج (١).

إنّ قراءة متأنية لما أثاره المشككون من إشكالات ، وما يطرحونه هذه

__________________

(١) راجع : تفسير ابن كثير ٣ : ٩ وما بعدها تفسير اول سورة الإسراء.

١٧

الأيام من تشويشات ، كمافي مزاعم وادّعاءات السائح ، والقصيمي ، وغيرهم من المشوّشين ـ وهي لا تختلف عمّا طرحه الخصوم من قبلهم ـ الذين هم عن العلم بعيدون ، وبمعرفة علم الحديث ر وايةً ودرايةً أبعد ما يكونون ، وبحقائق التاريخ ووثاقئه على أتمّ الجهل أو العناد ، إنّ هذه القراءة ستوقفنا على سذاجة تفكيرهم وسُقم واختلال مناهجهم في التعامل مع هذه القضية الخطيرة (١).

ومن هنا كان تصدي الإمام الشهيد الصدر رضي الله عنه لها بالبحث والدراسة وفق منهج علمي جديد ، يعتمد النقل الصحيح ، والدليل العقلي السليم ، ومناقشة القضية مناقشةً هادئة رصينة متعرضاً لكل الإشكالات المثارة في المقام. والواقع أننا إزاء ما أثاره الخصوم قديماً وحديثاً لم نجد ـ في حدود تتبعنا القاصر ـ من درسها وناقشها بمثل هذا المنهج والأسلوب الذي اتّبعه الإمام الشهيد الصدر رضي الله عنه ، كما سيتضح للقارئ العزيز.

ولعلّ من المناسب في هذه المقدمة أن نتعرّف على جملة حقائق أو ملاحظات يمكن ان تشكل مدخلاً مناسباً لبحث السيد الشهيد رضي الله عنه الذي وفقنا والحمد لله إلى تحقيقه تحقيقاً علمياً حديثاً.

ويتضمن المدخل الإلمام بالأمور الآتية :

أولاً : منهج المشككين قديماً وحديثاً.

ثانياً : منهج المثبتين :

١ ـ المنهج الروائي.

٢ ـ المنهج العقلي ( منهج الشهيد الصدر رضي الله عنه ).

__________________

(١) راجع مناقشة السائح وأمثاله في ( نقد الحديث بين الاجتهاد والتقليد) للسيد محمد رضا الجلالي المنشور في مجلة تراثنا / العددان ٣٢ و ٣٣ ـ السنة الثانية ١٤١٣ هـ ـ اصدار مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

١٨

أولاً : منهج المشككين

ينطلق المنكرون للإمام المهدي المنتظر عليه‌السلام من دوافع ومنطلقات لا تنسجم مع منهج الإسلام العام في طرح العقائد والدعوة إلى الإيمان بها. فمنهج الإسلام الذي يعتمد على العقل والمنطق والفطرة ، يقوم في جانب مهمٍ منه على ضرورة الإيمان بالغيب. وتتكرر الدعوة في القرآن الكريم إلى ذلك ؛ إذ هناك عشرات الآيات (١) التي تتحدث عن الغيب والدعوة إلى الإيمان به ، والمدحة عليه كما في قوله تعالى : ( آلمَ ذَلِكَ الكِتَابُ لاَ رَيبَ فِيهِ هُدىً لِلمُتَّقِينَ * اَلّذيِنَ يُؤمِنُونَ بِالغَيبِ ) البقرة : ٢ ـ ٣ ، وفي الحديث النبوي الشريف (٢) كذلك ؛ إذ هناك مئات الروايات وبصورٍ متنوعة وعديدة وكلّها تؤكّد الإيمان بالغيب وعلى أنه جزء لا يتجزأ من العقيدة ، وأنّ هذا الغيب سواء تعقّله الإنسان وأدرك جوانبه أو لم يستطع إدراك شيء منه وخفيت عليه أسراره ، فإنه مأمور بالإيمان ، غير معذورٍ بالإنكار ، بلحاظ أنّ مثل هذا الإيمان هو من لوازم الاعتقاد بالله تعالى ، وبصدق سفرائه وأنبيائه الذين يُنبئون ويُخبرون بما يُوحى اليهم ، كما هو الأمر في الإيمان بالملائكة وبالجن وبعذاب القبر وبسؤال الملكين ( منكر ونكير ) وبالبرزخ (٣) وبغير ذلك من المغيّبات التي جاء بها القرآن الكريم أو نطق بها الرسول الأمين ونقلها إلينا الثقات المؤتمنون. وإذن فكلّ تشكيك بشأنها ـ أي قضية المهدي ـ إنما يتعلق بأصل التصديق بالغيب ، والكلام فيه يرجع إلى هذا الأصل.

__________________

(١) راجع : المعجم المفهرس لألفاظ القرآن مادة (غيب). وراجع التفسير ومنها تفسير ابن كثير المجلّد الأول في تفسير أوّل سورة البقرة.

(٢) راجع كتاب الفتن وعلامات الساعة في الصحاح والمسانيد والسنن. راجع مثلاً : التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول / الشيخ منصور علي ناصف ٥ : ٣٠٠ وما بعدها.

(٣) راجع : التاج الجامع للأصول ١ : ٢٥.

١٩

ومن هنا حاول المنكرون لعقيدة المهدي عليه‌السلام أن يهربوا ، وينأوا بأنفسهم عن طائلة ذلك الاعتقاد ، فلجأوا إلى التشكيك بالأخبار الواردة بشأنه أو تضعيف أسانيدها كما فعل ابن خلدون في تاريخه في الفصل الثاني والخمسين الذي عقده في أمر الفاطمي ، حيث ضعّف الأحاديث المروية في المهدي مع اعترافه بظهور المهدي آخر الزمان ، وبصحة بعض الأحاديث المروية بشأنه. وتبعه عدد من المقلدين أمثال علي حسين السائح أستاذ كلية الدعوة الإسلامية في ليبيا في بحثه ( تراثنا وموازين النقد) (١) إذ تعرّض فيه لموضوع المهدي المنتظر ، وتعلق بالخيوط العنكبوتية التي نسجها ابن خلدون حول عقيدة المهدي ، وحسب أنه لجأ إلى ركن شديد ، وأنه سيرقى عليها إلى السماء ، غافلاً عن أنه تشبث بأوهن البيوت.

وعندما اصطدم هؤلاء بعد إمكانية ردّ تلك الروايات أو تضعيفها لكثرتها ، وتعدد طرقها ، وصحة أسانيد عدد كبير منها كما أثبتها أئمة الحديث (٢) ، لجأوا مرةً أخرى إلى احاطة أمر المهدي بالأساطير التي اخترعوها ، كاختراعهم أكذوبة السرداب التي لا أصل لها عند المعتقدين به ، وقد ناقشها الشيخ العلامة الأميني مناقشة وافية أبان فيها تخبط الخصوم في الأساطير التي نسجوها تارةً في موقع السرداب ـ إذا اختلفوا فيه اختلافاً مضحكاً ـ وتارةً اُخرى في مواقف الشيعة وطقوسهم المزعومة حول السرداب (٣).

__________________

(١) البحث نُشر في مجلة الدعوة الإسلامية الصادرة في ليبيا ، وراجع مناقشته في بحث السيد الجلالي المنشور في مجلة تراثنا المذكور سابقاً.

(٢) راجع : دفاع عن الكافي / ثامر هاشم العميدي ١ : ٢٠٣ وما بعدها ، فقد اورد مناقشة العلماء وأئمّة الحديث لتضعيفات ابن خلدون والمقلّدين لرأي ابن خلدون ، كما ناقش هو تلك التضعيفات مناقشة علمية متينة أبان فيها تهافتهم وعدم تبصّرهم ومعرفتهم بفن الرواية وأصول الدراية.

(٣) راجع : الغدير ٣ : ٣٠٨ ـ ٣٠٩ ، وراجع ما أورده العميدي من مناقشات متينة لهذه الفرية في دفاع عن الكافي ١ : ٥٣٩ ، راجع : سرة الائمة الاثني عشر / هاشم معروف الحسني ٢ : ٥٥٩.

٢٠