المعاد الجسماني

شاكر عطية الساعدي

المعاد الجسماني

المؤلف:

شاكر عطية الساعدي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: صدف
الطبعة: ١
ISBN: 964-7741-72-3
الصفحات: ٢٨٤
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

١

٢

٣
٤

کلمة الناشر

من أهم المسائل التي سعي الانسان دوماً إلى فکّ رموزها ومعرفة أسرارها ، هو الدين والحقائق الدينية ، وسنّة التفکير الثرى التي تستلهم من شعاع مدرسة أهل البيت : تحظى بالسموّ والتقدم إلى درجة أنها استطاعت بتأسيس الأنظمة العقلانية والفلسفية المتعالية أن تهيئ للإنسان إمکانية فهم وإدراک معارف الدين العالية.

وفي مهد الثقافة الإسلامية وحيث العناية الخاصة التي يوليها ديننا العزيز للتفکير العقلائي ، ظهرت قمم رفيعة من المفکّرين والعقليين الذين يُعدّ کل واحدٍ منهم ضمن عصره افتخاراً عظيماً في تاريخ الحضارة على سطح الأرض ، وآية في نظام الخلق.

ومن بين هؤلاء يحظى الشيخ ابن سينا بامتياز حيث انه استطاع من خلال وضع قواعد منهج مرتب ومنتظم من الأصول المشائية والمقولات العقلائية الفلسفية ، أن يوفّق في الإسهام بفکّ رموز الکثير من المعارف الاعتقادية الإسلامية بشکل منقطع النظير ، ومع کل هذا يجب القول إن مسألة المعاد أو الحياة بعد الموت ، التي تعدّ إلى جانب الاعتقاد بالله وتوحيده من أهم قواعد الاعتقاد للأديان الکبري سيما دين الإسلام ، هي مسألة أخرى لم تدرک أسرارها ولم تحلّ رموزها ، فبقيت بکراً عذراء ، حتى إن تبوغ ابن سينا وذکاءه الثرّ توقّف عند المعاد الجسماني ، والذي دفع مفکّراً إسلامياً کبيراً آخر أعني به الإمام أبا حامد الغزالى إلي محاکمة الفلسفة والفلاسفة أمثال ابن سينا ، حتى وصل إلى حدّ تفکيرهم.

إن التناقض والتهافت الذي نسبه الغزالي إلى الفلاسفة ، لم يجب عنه ابن رشد في تهافت الهافت بشکل کامل ، لذلک کان يتوجب أن تظهر نجوم

٥

أخرى في سماء الفلسفة الدينية تعکس نورانية الوحي والولاية والعرفان ، أمثال صدر المتألهين الشيرازي ، الذي أکسب العقل أجنحة جديدة تستطيع أن تحلّق بها في سماء المعارف العالية سيما في مجال معرفة المعاد.

ولولا هذا الحکيم المتألّه لبقيت أکثر تلک الحقائق والمعارف متوارية في خزانة الآيات القرآنية وروايات أهل البيت :. وعلى أي حال ، فإنه من بالغ الأهمية أن نطرح وجهات نظر أفذاذ العلماء في مسألة المعاد ، أمثال ابن سينا ، والخواجة نصير الدين الطوسي ، وأبي حامد الغزالي ، وصدر المتألهين ، جنباً إلى جنب ونقارن بينها ، حتى تتّضح لنا خصوصيات کل واحدٍ منهم ، ويتبين لنا دوره ومدى إسهامه في حلّ معضلة المعاد الجسماني.

وقد نهض بهذا الأمر المهم الطالب شاکر الساعدي أحد طلاب مدرسة الإمام الخميني ١ ، وأنجزه بهذه الرسالة الجيدة. التي ضمنها عدّة فصول ، فعالج فيها الأُسس الفلسفية والخلفية التاريخية والمباحث التمهيدية المتعلقة بالمعاد الجسماني ، وخصوصيات المعاد في القرآن الکريم ، وخصص لکلّ واحد من العلماء الأربعة المتقدمين فصلاً عرض فيه آراءه ناقداً ومقيماً ، واستطاع أن يقدّم دراسة جيدة عن مجمل نظراتهم في هذا الموضوع.

نأمل من الله العزيز أن يوفقه لما لديه من المثابرة والسعي في مجال تحقيق تحصيل معارف القرآن وعلوم أهل البيت :.

وقد تمّ طبع هذا الأثر من قبل معونية التحقيق في المرکز العالمي للدراسات الإسلامية ، لما يتمتع به من خصوصيات تؤهّله لأن يکون بين أيدي محبى العلم الحکمة ، آملين أن نکون قد استطعنا أن نخطو خطوة على طريق صياغة الإيمان الإسلامي لجيلنا الجديد ، ونشر معارف الإسلام والقرآن الکريم العالية.

المرکز العالمي للدراسات الإسلامية

معاونية التحقيق

محرم الحرام ١٤٢٦ ق / ١٣٨٣ ش

٦

الفهرس

المقدمة  ١١

في الأمور العامة  ٢١

١. في التعريف  ٢٢

أولاً : التعريف اللغوي للمعاد  ٢٢

ثانياً : التعريف الاصطلاحي للمعاد  ٢٣

٢. المعاد عبر التاريخ  ٢٥

تصورات الأقوام والديانات القديمة والحديثة وعلمائها  ٢٥

١. تصور المجتمع البدائي  ٢٩

٢. المجتمع المصري القديم  ٢٩

٣. المجتمع الهندي  ٣٢

٤. المعاد في تصور الديانة الإيرانية القديمة  ٣٥

٥. المعاد في التصور اليهودي  ٣٧

٦. المعاد في التصور المسيحي  ٤٣

٣. في بيان حقيقة النفس الإنسانية  ٤٤

١. القائلون بجسمانيتها من المحدثين  ٤٦

٢. أقوال بعض المفسرين  ٤٧

٣. متکلمي الإسلام  ٤٨

٤. أقوال بعض الفلاسفة  ٥٠

٤. اختلاف خصائص عالم الدنيا عن عالم الآخرة  ٥٣

٥. الأصول الموضوعة  ٥٥

الأصل الأول : تجرد النفس الإنسانية  ٥٦

الأصل الثاني : النفس لاتفسد بفساد البدن  ٥٨

الأصل الثالث : للإنسان جسم طبيعي وجسم مثالي وروح مجردة  ٥٨

الأصل الرابع : الحرکة الجوهرية  ٦١

٦. الفرق بين البحث الکلامي والبحث الفلسفي  ٦٤

أولاً : من حيث الهدف  ٦٤

ثانياً : من حيث الطريقة والأسلوب المتبع  ٦٤

ثالثاً : من حيث الوظيفة  ٦٥

المعاد الجسماني في القرآن الکريم  ٧١

١. في إثبات ضرورة المعاد  ٧٥

٧

الدليل الأول : دليل الحکمة  ٧٧

الدليل الثاني : دليل العدالة الإلهية  ٨٠

الدليل الثالث : دليل الحرکة  ٨٥

٢. امکان المعاد الجسماني  ٨٩

أولاً : الإمکان الذاتي للمعاد الجسماني  ٩٠

ثانياً : الإمکان الوقوعي للمعاد  ٩٨

المعاد الجسماني عند أبي حامد الغزالي  ١٠٩

١. موقف الغزالي من الأساليب العلمية في التحقيق  ١١٠

الأسلوب الأول : الأسلوب العقلي  ١١٢

الأسلوب الثاني : الأسلوب الجدلي  ١١٣

الأسلوب الثالث : الذوقي الصوفي  ١١٤

٢. في مناقشة المنهج العلمي للغزالي  ١١٧

٣. في ماهية الإنسان  ١٢٠

٤. نظرية الغزالي في إمکان المعاد الجسماني  ١٢٣

التناسخ لغة  ١٢٦

٦. أدلة إبطال التناسخ  ١٢٩

الدليل الأول  ١٢٩

الدليل الثاني : عدم الموازنة بين الأموات والمواليد  ١٣١

الدليل الثالث : عدم الفائدة في التکرار  ١٣٣

الدليل الرابع : اجتماع نفسين في بدن واحد  ١٣٣

الدليل الخامس : علاقة النفس بالبدن توجب التناسق بينهما قوة وفعلاً  ١٣٥

في إبطال قول الغزالي بالتناسخ في عالم الآخرة  ١٣٦

المعاد الجسماني عند الخواجة نصير الدين الطوسي  ١٤٥

١. المنهج العلمي للخواجة في التحقيق  ١٤٥

٢. في طبيعة البحث الکلامي في مسألة المعاد  ١٤٧

٣. نظر الخواجة في إمکان المعاد الأخروي  ١٤٧

دفاع عن الخواجة  ١٥١

٤. في ماهية الإنسان  ١٥١

أولاً : جوهر جسماني  ١٥٢

ثانياً : جوهر مجرد غير جسماني  ١٥٤

ثالثاً : عرض وليست بجوهر جسماني أو غير جسماني  ١٥٤

٥. في انعدام العالم وجواز إعادة المعدوم  ١٥٥

أولاً : الأدلة العقلية  ١٥٦

ثانياً : الأدلة السمعية  ١٥٧

٦. في کيفية المعاد الأخروي  ١٦١

دفاع عن الخواجة  ١٦٧

٧. علاج الخواجة لشبهات المعاد الجسماني  ١٦٩

الشبهة الاولى : شبهة الآکل والمأکول  ١٧١

الشبهة الثانية : عظم بدن المعاد  ١٧٤

٨

المعاد جسماني عند الشيخ الرئيس ابن سينا  ١٧٩

١. المنهج العلمي للشيخ الرئيس ابن سينا  ١٧٩

٢. مدي خطورة وأهمية مسألة المعاد الجسماني  ١٨٥

٣. موقف علمائنا من نظرية الشيخ الرئيس في المعاد  ١٨٧

٤. في تحقيق مسألة المعاد الجسماني وبحثها  ١٩٠

المقدمة الأولى : المقدمة العقلية في بيان محدودية العقل  ١٩٠

المقدمة الثانية : المقدمة الشرعية  ١٩٣

٥. في ماهية الإنسان المکلف بالخطابات الإلهية  ١٩٥

٦. في أدلة تجرد النفس الإنسانية الناطقة  ١٩٦

٧. موقف الشيخ من نظرية الشرع في المعاد الجسماني  ١٩٨

المعاد الجسماني عند صدر المتألهين الشيرازي  ٢٠٣

١. طبيعة التوفيق بين القرآن والعرفان والبرهان  ٢٠٥

٢. طبيعة الترتيب بين الأرکان الثلاثة في نظريته  ٢٠٧

٣. ماهية الإنسان  ٢١٢

٤. خصائص البدن الدنيوي والبدن الأخروي  ٢١٣

٥. اعتبارات البدن  ٢١٥

٦. استدلال ملاصدرا على إثبات المعاد الجسماني  ٢١٩

أ) أن حقيقة کل شيء وماهيته بصورته ومبدأ فصله الأخير  ٢١٩

ب) تشخص الشيء بوجوده الخاص به  ٢٢١

ج) أن الوجود حقيقية واحدة مشککة  ٢٢١

د) الحرکة التکاملية الجوهرية  ٢٢٢

هـ) الفاعل لجميع الأفاعيل ... هو النفس  ٢٢٣

و) تشخص البدن وهويته  ٢٢٣

ز) تجرد القوة الخيالية  ٢٢٤

ح) تجرد الصور الخيالية  ٢٢٥

ط) طبيعة تکوّن الصور المقدارية والأشکال والهيئات الجرمية  ٢٢٦

ي) انحصار أجناس العوالم والنشئات في ثلاثة عوالم  ٢٢٧

النتيجة الحاصلة من مجموع هذه الأصول  ٢٢٧

٧. في الإشکالات التي ترد علي الاستدلال  ٢٢٩

٨. في الإشکالات المعاد الجسماني  ٢٣٧

أ) شبهة الآکل والمأکول  ٢٣٧

ب) عدم وفاء الأرض للأبدان غير المتناهية  ٢٤١

ج) خلق الجنة والنار وجسمانيتهما  ٢٤٢

د) لزوم مفسدة التناسخ  ٢٤٤

هـ) استلزام المعاد الجسماني القول بالعبثية ٢٤٧

و) کيف لنا دفع محذور حشر البعض أو حشر الجميع ؟  ٢٥٠

٩. في أصناف الخلائق يوم القيامة  ٢٥١

المصادر العربية  ٢٧٥

الفارسية ٢٨٣

٩
١٠

المقدمة

الحمد لله الذي هدانا لهذا وما کنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، والحمد لله الذي منه المبتدأ وإليه المنتهي والرجعى ، والصلاة والسلام على خير الأنام وبدر التمام سيدنا ونبينا المحمود الأحمد والمصطفى الأمجد أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

إنّ شرف العلم بموضوعه ، وأشرف العلوم علم العقائد والأديان ، وأهم بحوثها البحث عن المبدأ والمنتهى ، لقول أمير المؤمنين علي ٧ : « إنّ أول الدين معرفته » ، (١) ولقوله : « رحم الله أمرءاً عرف من أين وفي أين وإلى أين » ، (٢) فالبحث عن المنتهى لا يقل أهمية عن بحث المبتدأ ؛ لأنها ينبعان من منبع واحد ويصبان في مصب واحد ، لقوله تعالى : ( إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) (٣) وقد صوّر لنا صدرالمتألهين عظم وأهمية هذه المسألة ببعض الکلمات ، حيث جاء فيها : ( اعلم أن المعاد رکن عظيم في الإسلام ، وأصل کبير في الحکمة ، وهي من أغمض المسائل دقة ، وأعظمها شرفا ورتبة ، قلّ من هدى إليها من کبرى الحکماء من المتقدمين ، من يرشد إلى إتقانها من

ــــــــــــــــ

١. نهج البلاغة ، ج ١ ، ص ١٤.

٢. السيد حسن علي القبانجي ، شرح رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين ٨ ، ص ٨٨.

٣. البقرة ، ١٥٦.

١١

عظماء الفضلاء من الإسلاميين ) ، (١) وقال : ( کيف يجد الطريف إلى مثل هذا المطلوب الذي أحد عمودي الاعتقاد ، وهما علم المبتدأ والمعاد ). (٢)

وکيف لا يکون بهذه الدرجة والرتبة من الشرافة ، وقد قرنه الحق تعالى بمسألة التوحيد والدعوة للإيمان به ، فما من آية في التوحيد إلا وتجد في ذيلها حکاية عن المعاد واليوم الآخر ، حتى أنزل فيه ما يقارب ثلث القرآن ، فالاعتقاد به بشکل رکناً أساسياً من أرکان الدين الإسلامي الحنيف ، ومنکره يعد خارجاً عن ملّة الإسلام ، کافراً بکل ما جاء به ، لأنه المنکر لضرورة من ضرورات الدين ، وتکمن أهميته في ممارسة دوره الفعّال في القضايا الآتية :

١. دور المعاد في بناء شخصية إنسانية متکاملة للفرد ، بناءً فريداً من نوعه ، ويعد هنا ضرورة أخلاقية.

٢. دوره الکبير في تأکيد المعارف الأصولية في نفس الفرد ، وبعث روح التحقيق والاجتهاد فيها ، کمسألة التوحيد والنبوة والإمامة ، ويعد هنا المعاد ضرورة عقائدية.

٣. دوره الکبير في تطبيق الشريعة الإسلامية بشکل صحيح وکامل ، من خلال الالتزام بأوامرها ونواهيها ، ويعد هنا ضرورة فقهية.

٤. دوره الکبير في تعديل السلوک النفسي عند الإنسان ، من خلال الزهد في هذه الدنيا الزائلة والتفکير بمصيرة الذي ينتظره من وراء هذه النشأة ، فلايطلب الدنيا لنفسها ، ولا يأسى على حرمانها مادام محافظاً علي غيرها ، ويعد هنا ضرورة نفسية.

٥. دوره الکبير في التکامل العلمي ، من البحث عن أفضل الطرق والوسائل المنجية له في الدنيا والأخرة ، من خلال بعث وروح التحقيق فيه عن جميع ما يحيط به ، وکيفية التعامل معه ، ومعرفة ما ينفعه وما يضره منها ، وغير ذلک ، ويعد هنا ضرورة علمية وفلسفية.

ــــــــــــــــ

١. صدر الدين الشيرازي ، تفسير القرآن الکريم ، تفسير سورة سجدة ، ص ٦٣.

٢. المصدر السابق ، ص ٦٣.

١٢

٦. دوره الکبير في تحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية التي باتت الأمة محرومة اليوم عنها ، هذا وغيره من المسائل التي يلعب المعاد دوراً هاماً وکبيراً في تحقيقها ، فموضوع المعاد من أهم المواضيع الاعتقادية الذي له الشمولية العامة لجميع جوانب الحياة البشرية وما يتعلق بها من الأمور المعنوية والمادية ، ويعد هنا ضرورة اجتماعية وسياسية.

ولقد وقع اختيارنا للبحث فيه على أساس ما له من أهمية کبيرة في مختلف المجالات ، من جهة أخرى فأن مسألة المعاد التي جاء فيها ثلث القرآن مازالت أغلب مسائلها وأهمها لم تتضح بعد للجميع ، حتى کاد يکون الإيمان بها أمراً تعبدياً في الوقت الذي هي فيه من أصول الدين ، خصوصا مسألة تبيين الکيفية التي يعاد الناس فيها في تلک الساعة ، وما يحصل فيها من بعث وحشر وحساب وجزاء ، و ... ، نبتغى من وراء هذا البحث التسليط الضوء على أبرز خصوصياتها ، لعلها تبعث في القارئ روح البحث والتحقيق وراءها ، وعندئذ تجتمع الجهود لمحاولة حلّ هذه المعضلة.

وأمّا بالنسبة للأسلوب الذي اعتمدناه في تحقيق وبحث هذه المسألة ، فإنّه کان على النحو التالي :

١. المطالعة لفترة طويلة قبل البحث وبعد الشروع في البحث عن أهم ما يتعلق بهذه المسألة من جزئيات وخصوصيات ، کان الغرض منها معرفة أکبر قدر ممکن منها.

٢. کتابة تقرير الحکمة المتعالية المختص بنظر صدر الدين المتألهين للبحث فيها تحت إشراف أحد أساتذتي الأعزاء ، الأستاذ الدکتور گرجيان ، في خمسة أربعين صفحة.

٣. العمل بإشارة مجموعة من أساتذتي المشرف والمستشار وغيرهم ، ومن أساتذة الحوزة العلمية في قم المقدسة ، في تعين ما هو الأهم والأصل عن غيره.

٤. تعين رؤوس المطالب المهمة التي کنا نأمل البحث فيها.

١٣

٥. زيارة المکتبات التخصصية في مجال الفلسفة والکلام ، وکذلک زيارة المکتبات العامة لغرض الوقوف على أکبرقدر ممکن من آراء العلماء والفلاسفة فيها.

٦. الاستعانة بجهاز الحاسوب الآلي ( الکامبيوتر ) (١) للبحث عن أهم المطالب التي کتبت فيها ، من خلال استعانة بمجموعة من الأقراص التي جمعت فيها کميات کبيرة من کتب الاختصاص ، وکذلک عن طريق البحث في شبکة الاتصالات العالمية ( الانترنيت ) (٢) للوقوف على آخر الأبحاث التي دونت فيها.

٧. جمع المطالب التي تم البحث عنها وتنظيمها بأسلوب منطقي يعتمد أسبقيتها في البخث ، في الرسالة بشکل عام ، والفصل بشکل خاص.

٨. وأهم شيء في الرسالة ، وهو تهئيتها وتقديمها بين يدى أحد الأساتذة المؤمنين الذي تم اختياره وفق شروط خاصة من قبل اللجنة المشرفة على هذا العمل العلمي الدقيق ، ليشرف على دراستها مرّة أخرى بعد ممارسة دور الأساتذة ، المشرف والمستشار في ذلک ، وليقوم بتقييمها ونقدها بشکل علمي يعتمد فيه على أساس الإنصاف والعدل.

وأمّا بالنسبة لمجموعة الموانع التي واجهتنا في إنجاز عملنا العلمي هذا نلخصها بما يلى :

١. صعوبة تحصيل بعض المعادر الأصلية والثانوية التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالبحث.

٢. حالة عدم الثبات على رأى واحد لباحث ومحقق واحد فيها ، خصوصاً وأنّ رسالتنا هذه تتعلق بالبحث عن تحديد موقف أربعة علماء کبار ، وهم الغزالي ، والخواجة ، وابن سينا ، وصدر المتألهين ، فمن بينهم صدر المتألهين الذي قلّ وجود من بحث هذه المسألة مثله ، ولکنه وللأسف لم يکن له رأي واحد فيها ، فقد قال بالعينية التي طرحها القرآن في کتابه المظاهر الإلهية ، وقال بالجسمانية الفلسفية

ـــــــــــــــــ

٢. Internet

١. Computer

١٤

اللازمة للمعاد الخيالي بحسب تعبيير البعض في کتابه الأسفار مع وصفه له بأنه هو مراد القرآن الکريم ، وهو عين ما قال به ، وقد نقل الميرزا حسن البجنوردي عن الشيخ النائيني أنّه قال فيه : ( لولا شبهة حصلت له ، لحکمنا بکفره ) ، (١) ونجد له رأي في ( شرح الداية الأثيرية ) ، قال فيه بالبدن المثلي لا العيني ، حيث قال فيه : ( ... ثم اعلم أنّ إعادة النفس إلى بدن مثل بدنها الذي کان لها في الدنيا ... ). (٢)

٣. عدم بحثها بشکل مفصل من قبل بعض هؤلاء الأربعة ، کالخواجة نصير الدين الطوسي ، فإنّ کل ماکتبه عنها لا يتجاوز أربعة أسطر مجملة ، قام بعض الشرّاح بتفصيلها ، ولکن من الصعب أن نُحمّلهُ نظر الشرّاح في بعض المسائل ؛ لاحتمال أنّه لم يکن مراده ما لم نقطع بوجود قرائن تدل على ذلک ، وکذلک بالنسبة للغزالي فقد أتکل في بيانها وإثباتها وما يتعلق بها على الشرع المقدّس.

٤. نقد البعض لهؤلاء الأربعة غير واضح ، أو أنّه يأتي بدليل هو في نفسه غير ثابت ، فبدل أنّ يحل المسألة يعقدها أکثر ، کما سيأتي ذکر بعضها في هذه الرسالة.

٥. سعة الموضوع وقلة مصادره لبعض منهم ، وتشعبه ، وغموض أکثر مسائله ، باعتبار أنّها من المسائل الغيبية المستقبلية ، وجزئيتها تخرجها عن دائرة بحثها العقلي ، ولکن عند ما نرجع فيها إلى النقل نجد فيه اختلافاً في الظاهر ، کمسألة کيفية المعاد التي هي مدار البحث في هذه الارسالة ، فالقرآن يطرح لها کيفيتين ، جسمانية وروحانية ، والروايات الشريفة تارة تبين الأمر بعين هذا البدن ، وأخرى بمثل هذا البدن ، کما في رواية أبي العوجاء عند ما سأل الامام الصادق ) عندما مثل له باللبنة ، فقال : « هي هي وهي غيرها ». (٣)

٦. تزامن البحث مع مجرى الحوادث التي جرت على أهلنا وأحبتنا في العراق الجريح ، في الوقت الذي لسنا بعيدين عن مجرياتها ؛ باعتبار أنّ خروجنا منه لم يکن

ـــــــــــــــــ

١. نقلاً عن : محمد رضا حکيمي ، معاد جسماني در حکمت متعالية ، ص ٢٣٤.

٢. صدر المتألهين ، شرح الهداية الأثيرية ، ص ٣٨١

٣. أحمد بن علي الطبرسي، الاحتجاج ، ج ٢ ، ص ١٠٤

١٥

باختيارنا ، وعملنا الديني يتطلب موقفاً منا تجاه من کان ومن أصبح اليوم محتلاً له ، فقد تبدل السيئ بالأسوأ ، حتى عصف هذا الظرف بالحوزة العلمية العراقية بحيث سبب تعطيل دروسها العلمية ، وتحويلها إلى دراسات سياسية تتعلق بالوضع الراهن ، والبحث عن أفضل الوسائل لإنقاذ هذا الشعب المظلوم من أيدي المحتلين ، والمهم أن هذا الوضع أسهم بدور کبير في تشويش الذهن ، وبعث على عدم الارتياح النفسي ، وحتى أنّه عکّر صفاء الفکر ، خصوصاً مع تقديمنا ما يقارب ستة ملايين شهيد من خيرة شبابنا الشيعي المتدين وعلمائنا العاملين الواعين ، ضحية بيدي زمرة الکفر والطغيان البعثي.

وأما النتيجة التي توصلنا لها من خلال بحثنا لهذا المسألة ، أنّه في الوقت الذي نعتقد فيه وتعتقد فيه البشرية عامة بوجوب المعاد والحساب والجزاء ، وأنّ الذهن ينصرف فطرياً على أساس أنّ الکيفية التي يعاد فيها النّاس في ذلک اليوم الحق ، هي الكيفية الجسمانية ، ولكن الدليل العقلي عاجز عن إثبات هذا الأمر ما لم يجعل قول المعصوم : ، أو النص القرآني مقدمة يقينية في القياس العقلي ، والاستدلال المنطقي ، فعند ذلک يمکننا أنّ نتعقل إمکان ثبوتها ، وإلاّ فلا يمکننا تعقلها فضلاً عن إقامة الدليل العقلي على إثباتها ، کما قال فيه ملاصدرا ، فمن خلال دراستنا للمجتمعات والأمم والديات القديمة ، ثبت لنا أن جميع الأقوام والمجتمعات الديانات كانت تعتقد بوجوبها ، ما عدا فرقة واحدة من فرق اليهود وهم الصدوقيون ، بدعوى أنّ التوراة المکتوبة الموجودة بين أيديهم خالية عن التصريح بها ، وأما التلمود فهو کتاب دوّن بعد ذلک بکثير ، ولذا يعبر عنه بالتوراة الشفهية وتدور اكثر مسألة حول الأحكام والآداب والرسوم التي يجب العمل بها ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى أنّ الأکثر کانوا يذهبون إلى الاعتقاد بالکيفية الجسمانية ، ما عدا المسيحيين فأن التصوير الإنجيلي لها يتوافق مع القول بالمعاد الروحاني ، وأنّ الناس يحشرون على شکل ملائکة ، بينما البحث القرآني حولها ، قد أثبت لنا أنّه من

١٦

المسائل الضرورية التي يجب الاعتقاد بها ، بل أنّ مقتضى فطرة الإنسان توجب الإيمان بها ، ومن جهة أخرى ومن خلال محاولة جديدة في طرح البحث القرآني حولها ، يعني من خلال تشقيقه إلى البحث عن إمکانها الذاتي ، وإلي البحث عن إمکانها الوقوعي ، وقد تمّ إثباتهما بالنصوص الصريحة ولم يبق مجال لإنکارها إلا الجحد بها ، والخوض في الجدل الأعمى.

ومن خلال بحثها عند محمد الغزالي فقد ثبت أنّه يقول بالمعادين الروحاني والجسماني معاً ، إلا أنّه في جانب البدن لا يشترط فيه أن يکون عين هذا البدن بالذات ، بل ليکن بدناً آخر من أي مادة کانت مدعياً فيه جواز ذلک على الشرع المقدّس کما سيأتي بيانه ، ولکننا نرى فيه لزوم القول بالتناسخ الباطل ، لأنه تناسخ ملکي لا ملکوتي ، والملکي لا فرق فيه سواء کان في الدنيا أو في الآخرة فلازمه لا ينفک عنه ، وهو تعلق نفسين ببدن واحد ، وهو الباطل.

وأما ما انتهي إليه الخواجة من بعث الروح والبدن ، وهو کون البدن المعاد عين هذا البدن ومخلوق من أجزاء البدن الأول الأصلية دون الفضليّة بحسب تعبيره ، ولکننا أيضاً لم نقبل منه هذا الرأي ، فلذا قمنا بمناقشته فيه ، وسيأتي الکلام عنه مفصلاً.

بينما تجد الشيخ الرئيس قد انتهى فيه البحث العقلي إلى القول بالمعاد الروحاني ، والتعبد بالنظر الشرعي إلى القول بالمعاد الجسماني ، وقد اختاره على الأول بدعوى التصديق بخبر المخبر الصادق ٧ ، وقد حملناه محملاً حسناً بدل إلصاق التهمة به والازدراء بشخصيته والطعن فيه ما دام هناک مجال للحمل الحسن ، وإن کان الواجب عليه أن يحاول مرّات متعددة للبحث عن طريق يوصله إلى ما توصل إليه الشرع ؛ باعتبار التطابق بينهما.

وأما البحث الصدرائي فيمکن قبوله فيما إذا وجدنا دليلاً ثابتاً يجوّز لنا تأويل أو حمل النصوص القرآنية والروائية الشريفة على ما يفهمه الفيلسوف من معنى الجسم ، وعندئذ يصبح ما جاء به ملاصدرا دليلاً عقلياً على إثبات المعاد الجسماني ،

١٧

وإلاّ مع عدم وجود الدليل على ذلک ، وعد الجواز لصرف النصوص السمعية عن ظاهرها ، فلا يمکن عدّ ما جاء به دليلاً عقلياً على إثبات المسألة بالکيفية المطروحة ، في الوقت الذي لا ننکر فيه التقدم العظيم الذي حققه صدر المتألهين في تحقيق هذه المسألة ، ولذا رأينا أنّ نعدّ ما قام به هو إثبات عقلانية المسألة وإمکان تعقلها بالشکل الذي يتناسب مع عظمها وخطورتها وأهميتها ، وقد ثبت لنا من خلال البحث أنّ أقوى رد کان في دفع الشبهات هو ما قام به ملاصدرا ، بهذا القدر نکتفي ونوکل التفصيل إلى ما سيأتي في فصولها القادمة ، سائلين المولى القدير التوفيق والتسديد.

شاکر الساعدي

قم المقدسة ـ١٤٢٥ق / ١٣٨٣ش

١٨

١٩
٢٠