الحاشية على مدارك الأحكام - المقدمة

الحاشية على مدارك الأحكام - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : الفقه
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٥

١
٢

٣
٤

المقدمة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

الحمد لله رب العالمين ثم الصلاة والسلام على محمّد سيّد المرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين. واللعنة على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.

وبعد ، فإنّ الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وأودع فيه قابلية التعليم والتعلّم ، فعلّم آدم الأسماء كلّها ، وأنزله نبيّا ، فقرن سبحانه الخليقة بالتعلّم أوّلا ، وخصّه بعد ذلك بعلم الأديان والنبوّة ، وذلك لأهميّة الدين في حياة البشر ، ولما له من علاقة متجذّرة بمصير الإنسان بعد الموت وفي العالم الأخروي.

وقد واصلت الرسالات والرسل مسيرها في توعية البشر والسعي للارتقاء به إلى أعلى مراتب الكمال.

حتى إذا اذن الله بزغ فجر الإسلام ، وشعّت الأنوار المحمّدية لتملأ‌

٥

الدنيا إيمانا وعلما ومعرفة ، ولترسم للبشرية جمعاء مستقبلها الزاهر ، ومسيرها الدنيوي والأخروي ، فكان أن انتشر الإسلام وصارت أحكامه التي صدع بها النبي الأكرم دستورا تحتذيه الأمم وتستلهم منه خلودها وتصنع من خلاله أمجادها وسعادتها في الدارين.

ولما تعثرت مسيرة العلم والفقه الإسلامي نتيجة لغياب شخص الرسول الأكرم ، وتصدي من لم يحط بالأمور علما للسلطة الفعلية ، وقف أئمة أهل البيت الموقف الفكري الثاقب لتصحيح ما انحرف ، وتقويم ما اعوجّ ، مواصلين بذلك سيرة الرسول الأكرم ، وقد نالهم من الاضطهاد الفكري ما نالهم ، لكنّهم ظلّوا مواصلين لتبليغ الأحكام الإسلامية ، وتبيين الآراء الصائبة في شتى مجالات الحياة ، وفي شتى العلوم وعلى كافة الأصعدة.

وكان الرصيد الأكبر من التحريف ـ عند الحكومات ـ قد انصبّ على الفقه والتشريع الإسلامي ، لما لهذا العلم من أهميّة بالغة ومساس مباشر في حياة المسلمين ، فكان الكذبة والمحرّفون والفقهاء المتزلفون يدورون في محور السلطة حيث دار ، وذلك ما جعل الفقه الإسلامي حتى نهايات العصر الأموي تحت ظل التحريف والإرهاب الأموي.

ولما وجد الإمامان الهمامان محمّد بن علي وولده جعفر بن محمّد المجال مفتوحا والظروف مناسبة لبيان حقائق الفقه الإسلامي شمّرا عن ساعد الجدّ ، فاقتحموا ساحة الفكر وكسروا الطوق الاضطهادي للفكر الإسلامي الذي فرضه الأمويّون من قبل والعباسيون من بعد ، فكانت ثمار ذلك الصراع الفقهي بروز الفقه المحمّدي الصحيح على الساحة الإسلامية متمثلا بأئمة أهل البيت واتباعهم من العلماء المخلصين ، فتجلّت في هذه‌

٦

الحقبة أروع معالم الفقه وأنقى مدوناته ، وأمّهات قواعده التي شيد عليها بنيان الفقه الإمامي في العصور اللاحقة.

واستمرت هذه الحركة الفقهية الرائدة تقارع الأفكار الدخيلة ، وتصحّح ما انحرف من فقه الآخرين ، تدوّن وتؤصّل وتكتب ، وتنقح.

إلى أن تكاملت اللّبنات الأساسية لفقه شامل صحيح في ضمن فكر إسلامي شامل في شتى المجالات ، ودوّنت الأصول الأربعمائة صحيحة منقحة كاملة ، وعرضت على الأئمّة الذين كانوا بعد الإمام موسى بن جعفر (ع) ، فصار الفقه الإمامي في غاية الوثاقة والدقة.

وبعد غيبة الإمام الثاني عشر الحجة بن الحسن ( عج ) ، ورزوح الشيعة تحت وطأه الاضطهاد الفكري العباسي ، ظل رواة أهل البيت وعلماء الشيعة يقاومون التيارات الفكرية ، ويجمعون فقههم ، يحرصون عليه ويتدارسونه ، ويضحّون من أجل حفظ الشريعة الغراء بكل غال ونفيس ، حفظا لهذا الموروث الفكري العظيم عن الضياع ، فالّفت الكتب الأربعة وغيرها من المجاميع الروائية التي كانت وما تزال عماد الفقه الإمامي.

وكرّس علماء الإمامية جهودهم وضاعفوها ، فبوّبوا المرويّات واستدلّوا على صحّتها بأصول الاستنباط التي تلقّوها عن أئمتهم فردّوا الفروع إلى الأصول ودوّنوها ككتب فقهية ، وكفتاوى يلتزم بها في مقام العمل ، وهذا العمل بحدّ ذاته يعتبر تقدّما ملحوظا وانتقالا نوعيّا ملموسا في الفقه الشيعي ، وكان هذا العمل بمثابة انطلاقة جديدة ومرحلة متقدمة في بني الفقه الإمامي.

وقد كان أوّل من فتح هذا الباب شيخ الشيعة وفقيهها ابن أبي عقيل الحذّاء العماني المتوفّى بعد سنة ٣٢٩ ، والشيخ الأجل أبو علي ابن الجنيد‌

٧

الإسكافي المتوفّى ٣٨١ ه‍ ، وهما اللذان يعبر عنهما في كتب الفقه بـ « القديمين ». فإنهما دونا الفقه على نمط الكتب الفقهية الاستدلالية.

وقد تلا هذين العلمين الشيخ محمّد بن النعمان المفيد رحمه‌الله المتوفّى ٤١٣ والسيّد علم الهدى الشريف المرتضى المتوفّى ٤٣٦ وأبو الصلاح الحلبي المتوفّى سنة ٤٤٧ فالّفوا وأغنوا الفقه الإمامي استدلالا وبحثا ومدارسة وتدوينا ، فكان لهم أحسن الأثر في دفع عجلة الفقه الإمامي إلى الإمام.

إلى أن برز الشيخ الطوسي « قدّه » المتوفّى ٤٦٠ ه‍ من بين تلامذة السيّد المرتضى فأبدع أيّما إبداع في كثير من العلوم التي حاز فيها قصب السبق ، كعلم الكلام والفقه وأصول الفقه والتفسير والرجال وغيرها من العلوم ، لكنّ أمّهات مدوّناته هي الّتي ألّفها في الفقه الإمامي لا كرواية ـ كالتهذيب والاستبصار ـ بل كفقه استدلالي / كالمبسوط والخلاف والنهاية / فكان أن هيمن على ساحة الفقه الإمامي لمدّة أكثر من قرن من الزمان ، بحيث كان الفقهاء يتحاشون التخطّي عن آرائه واستدلالاته الفقهية ، ويتابعونه في كثير منها لما لها من قوّة ومتانة وجامعية.

وقد تخلّل هذه الفترة الزمنية فقهاء من كبّار الاعلام ، وخيرتهم ، من أمثال سلاّر المتوفّى ٤٤٨ والقاضي ابن البرّاج المتوفّى ٤٨١ ، وأبي يعلى الجعفري المتوفّى ٤٦٣ ، وابن حمزة من أعلام القرن السادس ، وابن زهرة الحلبي المتوفّى ٥٨٥ ، ومن هو في مصافّ هؤلاء العظماء الّذين أغنوا مكتبة الفقه الإمامي وما زالت آثارهم خير شاهد على باعهم الطويل في هذا العلم من علوم آل محمّد.

بعد هذه الفترة المتباطئة الحركة شيئا ما ، لمع اسم ابن إدريس الحلّي‌

٨

المتوفّى ٥٩٨ كفقيه متحرر ، ذي رأي نافذ ، وعلميّة فائقة ، ومقدرة عالية في الاستدلال وردّ الفروع إلى الأصول ، غير محاذر نقد ناقد ، ولا متابع لرأي عالم ، بل كان يتّبع ما يوصله إليه الدليل ، وما كان يستدل عليه هو بما وهبه الله من ملكات الفضل والعلم ، فصار يناقش أخذا وردا آراء شيخ الطائفة الشيخ الطوسي رحمه‌الله ، وربّما يصل في بعض الأحيان إلى حدّة غير معهودة للدفاع عن آرائه ، ودفعا لما لا يراه من آراء الشيخ الطوسي رحمه‌الله ، فأوصل الفقه الإسلامي إلى حالة رائعة من الانفتاح والتقدّم في الفقه الإمامي وهو يعد بحقّ صاحب قفزة نوعيّة في تطوّر الفقه الإمامي ، وإن كان ربّما يقال إنّه أفرط في ردّ الشيخ الطوسي.

هذه الحالة التي خلقها ابن إدريس الحلّي ساهمت في بزوغ نجم فقهاء من طراز أكثر شمولية وأدق نظرا وعلميّة ونقدا لآراء السابقين ومبانيهم واسسهم ، مقارنة بما توصّلوا إليه هم من نتائج فقهيّة قد تتّفق وقد لا تتّفق مع نتائج السابقين من الفقهاء رحمهم‌الله ، فكان أن برز فقهاء من أمثال ابن نما الحلّي المتوفّى سنة ٦٤٥ من مشايخ المحقّق الحلّي ، وعلي ابن طاوس المتوفّى ٦٦٤ ، وأحمد بن طاوس المتوفّى سنة ٦٧٣ ، لكنّ الحقّ أن هذه الفترة ـ أعني ما بين وفاة ابن إدريس وظهور المحقق الحلّي على الساحة العلمية ـ وإن كانت قليلة إلاّ أنها لم تنجب من فطاحل الفقهاء ومشاهيرهم وأصحاب التصنيف والتأليف في الفقه والأصول منهم أحدا ، يستطيع لمّ شمل الفقه والهيمنة على الساحة العلمية ، حتى قيض الله المحقّق الحلّي لحمل أعباء هذه المهمة الدينية الخطيرة.

المحقق الحلي وكتاب الشرائع ٦٠٢ ـ ٦٧٦‌

وحين أنجب المخاض الفقهيّ المحقّق الحلّيّ ، بدأت مرحلة جديدة‌

٩

من مراحل تطوّر الفقه ، فقد ظهر على الساحة العلمية الفقهية كفقيه أوحد بلا منازع ، ينشر علوم آل البيت ويربي التلاميذ ويواصل ويجدد المسيرة العلمية رغم الظروف. المضطربة التي كانت سائدة آنذاك.

ولعل من أجلّ مؤلفّات المحقّق الحلّي ـ بل أجلّها على الإطلاق ـ هو كتاب « شرائع الإسلام » الذي لاقى من إقبال العلماء والفضلاء والتلامذة ما لم يلقه كتاب فقهيّ قبله ولا بعده ، قال الآقا بزرك : « وكتابه هذا من أحسن المتون الفقهيّة ترتيبا وأجمعها للفروع ، وقد ولع به الأصحاب من لدن عصر مؤلفه إلى الآن (١).

ولع العلماء هذا وإقبالهم عليه كان ـ بعد العناية الإلهية ـ لميزات جمّة انفرد بجمعها هذا السفر النفيس ، إذ أن هذا المتن الفقهي يعتبر حالة متوازنة بين التعصّب الفقهي للشيخ الطوسي ، وبين التعصب عليه ، فلم يكن ليتقيّد بما تقيد به الذين لم يتخطوا نهج الشيخ الطوسي رحمه‌الله ، كما أنّه لم ينفكّ عنه الانفكاك الذي نجده عنده ابن إدريس الحلّي رحمه‌الله.

ومن ناحية أخرى نرى أن الجانب المشرق الآخر في هذا الكتاب هو أنّه يجمع لبّ ما في المطوّلات الفقهيّة الاستدلالية ، ويزيد عمّا في الكتب الفقهية المختصرة ، فهو حاو للبّ ما في المبسوط والخلاف والسرائر ، من أدلّة وروايات ومناقشات ، مع أنّه يمتاز عن مثل النهاية ، بأنّه يأخذ مطالبه التي هي مضامين الأخبار ، ثمّ يستخلص نتيجته الفقهية كفتاوى يعمل بها ، فهو إذا صحّ التعبير حالة برزخيّة بين المطوّلات الاستدلالية والمختصرات الفقهية من جهة ، وبين نقل الأقوال ومناقشتها ، ومضامين الأخبار من جهة‌

__________________

(١) الذريعة ١٣ : ٤٧.

١٠

أخرى.

هذا مضافا إلى أنّه ـ كما مرّ ـ أحسن المتون الفقهية وأجمعها للفروع ، ويمتاز بمتانة الأسلوب ووضوح العبارة وخلّوها عن اللكنة والتعقيد ، كما يمتاز الكتاب بجودة التبويب وترتيب الأحكام ، وغيرها من الميزات الكثيرة التي جعلت منه كتابا فقهيا يحظى من الأهمية بما لم يحظ به كتاب آخر.

فتوالى عليه العلماء قرنا بعد قرن يكتبون تعليقاتهم وحواشيهم وشروحهم عليه ، فالطالب للعلم يجعله كتابا درسيا يأخذ عنه علوم الفقه ، والفاضل يجعله نصب عينيه في دراساته ومثابراته ، والعالم يجعله متنا يدرّس على نسقه بحوثه الفقهية الاستدلالية.

وكان نتيجة هذا التواصل والإبداع الفقهي أن وصل إلينا ما يقارب المائة شرح على الشرائع ، وأكثر من ثلاثة عشر حاشية عليه ، بل إنّ معظم الموسوعات الفقهية الضخمة التي ألّفت بعد عصر المحقق شروح له ، منها :

١ ـ « مسالك الإفهام » للشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي الجبعي ، المتوفّى سنة ٩٦٦ ه‍. ق.

٢ ـ « مدارك الأحكام » للسيد محمّد بن علي الموسوي العاملي ، المتوفّى سنة ١٠٠٩ ه‍ ق.

٣ ـ « حاوي مدارك الأحكام » لمهدي القومشهي الأصفهاني ، المتوفّى حدود سنة ١٠٨٠ ه‍ ق.

٤ ـ « غاية المرام » للعلامة السيد حسين بن السيد حسن مير حكيم الحسيني الطالقاني النجفي ، المتوفّى سنة ١١٦٢ ه‍ ق.

٥ ـ « معارج الأحكام » في شرح مسالك الإفهام وشرائع الإسلام ، للسيد حسين بن الأمير إبراهيم بن الأمير معصوم القزويني ، المتوفّى سنة‌

١١

١٢٠٨ ه‍ ق.

٦ ـ « مناهج الأحكام » أو « منهاج الكلام » أو « مناهج الكلام » ، للشيخ عبد علي الرشتي الجيلاني ، الذي كان حيّا إلى سنة ١٢٢٦ ه‍ ق.

٧ ـ « جامع الجوامع في شرح الشرائع » للسيد حسن بن السيد محسن الأعرجي الكاظمي ، الذي كان حيا إلى سنة ١٢٢٧ ه‍ ق.

٨ ـ « البرهان الساطع للأنام » للشيخ محمّد جواد بن حسن بن حيدر ابن عبد الله الحارثي الهمداني العاملي ، فرغ منه سنة ١٢٣٦ ه‍ ق.

٩ ـ « مطالع الأنوار المقتبسة من آثار الأئمّة الأطهار » للسيد محمّد باقر الأصفهاني ـ المشهور بحجة الإسلام ـ بن السيّد محمّد تقي الموسوي الشفتي الجيلاني ، المتوفّى سنة ١٢٦٠ ه‍ ق.

١٠ ـ « دلائل الأحكام » للسيّد إبراهيم بن باقر الموسوي القزويني الحائري المتوفّى سنة ١٢٦٢ ه‍ ق.

١١ ـ « كشف الإبهام » للعالم محمّد علي بن مقصود المازندراني ، المتوفّى سنة ١٢٦٤ ه‍ ق.

١٢ ـ « جواهر الكلام » للشيخ العلاّمة محمّد حسن بن الشيخ باقر النجفي ، المتوفّى سنة ١٢٦٦ ه‍ ق.

١٣ ـ « نتائج البدائع في شرح الشرائع » لمحمّد حسين بن علي ( عباس علي ) الطالقاني القزويني ، المتوفّى بالحائر سنة ١٢٨١ ه‍ ق.

١٤ ـ « كشف الأسرار » ، في شرح شرائع الإسلام ، للمولى الحاج مولى حسين علي بن نوروز التويسركاني ، المتوفّى سنة ١٢٨٦ ه‍ ق ، فرغ من تأليفه سنة ١٢٦٢ ه‍ ق.

١٥ ـ « كنز الأحكام » للشيخ محمّد قاسم بن الشيخ محمّد بن علي‌

١٢

النجفي المتوفّى سنة ١٢٩٠ ه‍ ق.

١٦ ـ « مواهب الإفهام » للسيّد معز الدين مهدي القزويني الحلّي ، المتوفّى سنة ١٣٠٠ ه‍. ق.

١٧ ـ « بدائع الأحكام » للميرزا محمّد بن سليمان التنكابني ، المتوفّى سنة ١٣٠٢ ه‍ ق.

١٨ ـ « هداية الأنام » لملاّ محمّد حسين بن هاشم الكاظمي النجفي المتوفّى سنة ١٣٠٨ ه‍ ق.

١٩ ـ « موارد الأنام » للشيخ عباس بن الشيخ علي بن الشيخ الأكبر جعفر كاشف الغطاء النجفي ، المتوفّى سنة ١٣١٥ ه‍ ق.

٢٠ ـ « شوارع الأعلام » للسيّد الأجل العلاّمة محمّد حسين بن محمّد علي بن محمّد حسين الشهرستاني الحائري المتوفّى سنة ١٣١٥ ه‍ ق.

٢١ ـ « أساس الأحكام » للشيخ محمّد حسن بن الشيخ محمّد جعفر شريعتمدار الأسترآبادي المتوفّى سنة ١٣١٨ ه‍ ق.

٢٢ ـ « مصباح الفقيه » في شرح شرائع الإسلام ، للشيخ آقا رضا بن المولى الفقيه الآقا محمّد هادي الهمداني ، المتوفّى سنة ١٣٢٢ ه‍ ق.

٢٣ ـ « شوارع الأعلام » للسيد محمّد بن السيد هاشم الهندي الغروي ، المتوفّى سنة ١٣٢٣ ه‍ ق. وهو والد العلاّمة السيّد رضا الهندي.

٢٤ ـ « المباني الجعفرية » في شرح الشرائع ، للشيخ جعفر بن الشيخ عبد الحسين بن الشيخ راضي النجفي ، المتوفّى سنة ١٣٤٤ ه‍ ق.

٢٥ ـ « مفتاح الكلام » للسيّد المير محمّد هاشم بن المير عبد الله الموسوي الخوئي المتوفّى سنة ١٣٥٨ ه‍ ق.

٢٦ ـ « تقرير المرام » لمؤلّفه محمّد علي بن حسين التستري.

١٣

هذا بعض ما سنخ لنا العثور عليه من شروح الشرائع ، وأكثرها مما عنوانه مسجّع على شرائع الإسلام ، وهناك شروح كثيرة أخرى بعنوان « شرح الشرائع » أو عناوين أخرى.

السيّد محمّد العاملي وكتاب المدارك ٩٤٦ ـ ١٠٠٩‌

ولعلّ من أبرز وأقدم الشروح على الشرائع ، هو مدارك الأحكام في باب العبادات ، ومسالك الأفهام في جميع أبواب الفقه عموما وفي المعاملات خصوصا ، فأمّا مدارك الأحكام فان مؤلّفه لم يتم العبادات إلى آخرها ، إذ الموجود منه إلى آخر كتاب الحج ، وقد كان غرض المؤلف رحمه‌الله ـ كما صرح هو في مقدمة المدارك ـ أن يسدّ الاختصار الذي كان في باب العبادات من كتاب المسالك ، إذ أنّ الشهيد الثاني رحمه‌الله استوفى باب المعاملات بالنقد والبحث ونقل الأقوال ، واختصر في باب العبادات ، فكان غرض المرحوم العاملي أن يوفي باب العبادات بالبحث والنقد ، فأصاب الغرض وتناول ما تيسر له من العبادات أحسن التناول وبحثها أدقّ البحث ونظر إلى مسائله بثاقب النظر ، فكان مكمّلا للنقص الذي مني به كتاب المسالك ومفصّلا لما أجمله صاحب المسالك.

ومن هنا حظي كتابا المدارك والمسالك ـ بعد الجواهر ـ بما لم يحظ به كتاب آخر في شرح الشرائع ، فكانا مدار أخذ وردّ جهابذة الفن ، ومورد تعليقهم وتحشيتهم ومناقشاتهم ، لأنهما يشكّلان معا شرحا رائعا ومنبعا مهمّا في الفقه الاستدلالي ، خصوصا وإنّ المؤلّفين ـ الشهيد الثاني والعاملي ـ من كبار الفقهاء ومن البارزين في التحقيق والتدقيق في عصرهما وإلى الآن ، تؤخذ آراؤهما ومناقشاتهما مأخذ الإكبار في المناقشة والمطارحة ، ولا‌

١٤

يستغني عنهما فقيه ، ولا يستطيع أن يغضّ عنهما النظر في بحوثه الاستدلالية.

ولا نكاد نحيد عن الصواب إذا قلنا إنّ المدارك قد كان محطّ أنظار الفقهاء في الاستدلال أكثر من المسالك ، وذلك لاعتبارات شتّى ، منها : أنّه يجمع المسالك وزيادة ـ في باب العبادات ـ ممّا يعني حالة امتزاج وتطوّر في الاستنباط ، باعتباره ناظرا للمسالك ومتمّما لنواقصه ، هذا مع أنّ المسالك في المعاملات يكاد يكون مستوفيا للبحث وليس فيه الاختصار الذي في العبادات ، وهذا ما يعني أنّ قلّة التحشية والتعليق عليه أمر منطبق ومنطقي.

ومنها أنّ سيرة الفقهاء التدريسية آنذاك أن يبدؤوا دروسهم من أوّل الفقه ، فيبدؤون بكتاب الطهارة ثم الصلاة. وهكذا حتى نهاية أبواب الفقه إن امتدّ بهم العمر إلى إتمام ذلك ، وهذا ما يعني أن طبيعة البحث والدرس هذه تقتضي أن يكون المدارك محطّ نظرهم الأوّل ، فإن وصلوا إلى المعاملات كان المسالك هو المقدّم في المضمار.

لكنّ العمر ـ في الأعمّ الأغلب ـ لا يصل بأولئك الأفذاذ إلى إتمام دورة فقهية كاملة ـ لما يستلزم ذلك من مدّة مديدة لإتمام جميع الأبواب ـ وهذا ما جعل الحواشي والتعليقات على كتاب المدارك أكثر مما هي على كتاب المسالك ، ومما جعل أكثر الحواشي على المدارك ناقصة غير تامّة حتى آخره ، ففي حين ذكر الآقا برزك ثمان حواشي على مسالك الإفهام (١) ذكر أكثر من عشرين حاشية على مدارك الأحكام (٢) ،

__________________

(١) الذريعة ٦ : ١٩٨ ـ ١٩٩.

(٢) الذريعة ٦ : ١٩٦ ـ ١٩٨.

١٥

وعلى كلّ حال فإن كتاب مدارك الأحكام من الكتب الفقهيّة القيّمة الّتي تعدّ من النمط الأعلى والطراز الأول في الفقه الإمامي ، حتى اشتهر أنّ مؤلّفه عرف به ، لا العكس.

وهذا ما جعل العلماء يتوالون على هذا الكتاب عصرا بعد عصر بالتحشية والمناقشة والاستدلال ، فكانت حصيلة ذلك أن توفّرت حواشي كثيرة على هذا الكتاب منها :

١ ـ « حاشية المدارك » للشيخ محمّد بن الحسن بن زين الدين ، الشهير بالشيخ محمّد السبط ، المتوفّى بمكة المكرمة سنة ١٠٣٠ ه‍ ق.

٢ ـ « حاشية المدارك » للمولى محمّد أمين بن محمّد شريف الأسترآبادي المتوفّى سنة ١٠٣٦ ه‍ ق.

٣ ـ « حاشية المدارك » للمولى عبد الله بن محمّد التوني صاحب « الوافية التونية » ، الملقّب بالفاضل التوني المتوفّى سنة ١٠٧١ ه‍ ق.

٤ ـ « حاشية المدارك » للمولى عزيز الله المجلسي ، أكبر ولد المولى محمّد تقي المجلسي ، المتوفّى سنة ١٠٧٤ ه‍ ق.

٥ ـ « حاشية المدارك » للسيّد رفيع الدين محمّد بن حيدر الطباطبائي النايني ـ شيخ العلاّمة المجلسي والمحدّث الحرّ العاملي ـ المتوفّى سنة ١٠٨٢ ه‍ ق.

٦ ـ « حاشية المدارك » للسيّد الميرزا إبراهيم بن سلطان العلماء علاء الدين حسين المرعشي الآملي الأصفهاني ، المتوفّى بأصفهان سنة ١٠٩٨ ه‍ ق.

٧ ـ « حاشية المدارك » للمولى محمّد بن عبد الفتاح التنكابني ، المتوفّى سنة ١١٢٤ ه‍ ق.

٨ ـ « حاشية المدارك » للمولى محمّد تقي الطبسي ، تلميذ المحقق‌

١٦

الآقا جمال الخوانساري ، كان حيّا إلى ٢٨ / رجب / ١١٣٠ ه‍ ق.

٩ ـ « حاشية المدارك » للسيّد محمّد بن علي بن حيدر الموسوي ، مؤلف كتاب « إيناس سلطان المؤمنين باقتباس علوم الدين من النبراس المعجز المبين » المتوفّى سنة ١١٣٩ ه‍ ق.

١٠ ـ « حاشية المدارك » للأمير إبراهيم بن الأمير معصوم الحسيني القزويني ، المتوفّى سنة ١١٤٩ ه‍ ق.

١١ ـ « حاشية المدارك » للأمير السيّد علي بن عزيز الله بن عبد المطلب الجزائري الخرّم‌آبادي ، المتوفّى سنة ١١٤٩ ه‍ ق.

١٢ ـ « الحواشي على المدارك » لمحمّد رفيع بن فرج الجيلاني الرشتي ، من تلامذة العلاّمة المجلسي والسيّد الأجل الميرزا رفيعا النايني ، ويعرف المحشّي بالمولى رفيعا الجيلاني ، المتوفّى سنة ١١٦٠ ه‍ ق.

١٣ ـ « حاشية المدارك » ، للمولى إسماعيل بن الحسين المازندراني الأصفهاني الخواجوئي ، المتوفّى سنة ١١٧٣ ه‍ ق. وكان قد فرغ من كتابة حاشيته هذه سنة ١١٧٢ ه‍ ق.

١٤ ـ « حاشية المدارك » ، للسيّد عبد الله بن نور الدين الجزائري التستري المتوفّى سنة ١١٧٣ ه‍ ق.

١٥ ـ « تدارك المدارك » ، حاشية للمحدث البحراني ، الشيخ يوسف بن أحمد بن إبراهيم ، صاحب كتاب « الحدائق » ، المتوفّى سنة ١١٨٦ ه‍ ق.

١٦ ـ « حاشية المدارك » ، للأستاذ الأكبر الوحيد ، الآقا محمّد باقر بن محمّد أكمل البهبهاني ، المتوفّى بالحائر في سنة ١٢٠٦ ه‍ ق.

١٧ ـ « الفذالك في شرح المدارك » ، للآقا محمّد علي بن الآقا باقر البهبهاني ، المتوفّى سنة ١٢١٦ ه‍ ق.

١٧

١٨ ـ « حاشية المدارك » ، للسيّد محمّد الجواد الحسيني الشقرائي النجفي ، صاحب كتاب « مفتاح الكرامة » ، المتوفّى سنة ١٢٢٦ ه‍ ق.

١٩ ـ « حاشية المدارك » ، وهي حواش متفرقة للأمير السيّد علي بن المير محمّد علي بن أبي المعالي الطباطبائي الحائري ، صاحب « رياض المسائل » ، المتوفّى سنة ١٢٣١ ه‍ ق.

٢٠ ـ « حاشية المدارك » ، للحاج علي أكبر بن الآقا علي بن الآقا إسماعيل بن الآقا خليل الخراساني الشيرازي ، المتوفّى سنة ١٢٦٣ ه‍ ق.

٢١ ـ « كشف المدارك » ، حاشية وتعليقة على المدارك للمولى رفيع ابن محمّد رفيع الجيلاني الأصفهاني ـ من تلامذة بحر العلوم ـ المتوفّى سنة ١٢٦٤ ه‍ ق.

٢٢ ـ « حاشية المدارك » ، للمولى الفقيه الشيخ محمّد حسن كبة ، فرغ منها سنة ١٣١٥ ه‍ ق ، وتوفّي سنة ١٣٣٦ ه‍ ق.

٢٣ ـ « حاشية المدارك » ، للشيخ طاهر بن الشيخ عبد علي بن طاهر الحچامي النجفي ، المتوفّى سنة ١٣٥٧ ه‍ ق ، وهي حاشية على بعض مواضع المدارك.

من هذا الاستعراض لحواشي المدارك يتضح بجلاء ، أن كبار العلماء وفطاحل الفقهاء قد عنوا عناية فائقة بكتاب مدارك الأحكام ، فلذا ترى من سبق الوحيد ومن تأخر عنه عصرا ، كتبوا الحواشي على هذا السفر النفيس ، من أمثال الفاضل التوني ، والمحدث يوسف البحراني ، وصاحب « مفتاح الكرامة » وصاحب « الرياض ».

إلاّ أنّ حاشية الوحيد البهبهاني بقيت النجم اللامع والدرّة المتلألئة من بين جميع هذه الحواشي ، لما امتازت به من ميزات ضخمة تعكس مدى‌

١٨

عبقرية كاتبها ومدى نبوغه في عالم الفقه والبحث والاستدلال ، وهي بحق من أجود ما كتب على مدارك الأحكام ومن أمتنها فكرا ومناقشة واستدلالا وتتبعا.

الوحيد البهبهاني ١١١٧ ـ ١٢٠٥‌

هو العلاّمة محمّد باقر بن محمّد أكمل بن محمّد صالح بن أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن محمّد رفيع بن أحمد بن إبراهيم بن قطب الدين بن كامل بن علي بن محمّد بن علي بن محمّد بن محمّد بن النعمان الملقب بالشيخ المفيد.

فهو يتّصل بسلسلة نسبه من جهة أبيه بأربع عشرة واسطة بالشيخ المفيد ، ويتصل من جهة أمّه بثلاث وسائط بالمحدّث الكبير المجلسي الأوّل ، فلذا نراه يعبّر في مؤلفاته عنه بـ « الجد » ويعبر عن المجلسي الثاني بـ « الخال ».

ويلاحظ في سلسلة نسبه من هو من كبار علماء الطائفة الإمامية ، وهذا ما يدلنا على أنّ العلاّمة الوحيد نشأ وتربّى في إحضان البيوتات العلمية الطاهرة ، مما يعني أنه ترعرع في أرض وبيئة علميّة خصبة ، وانحدر من طرفين كريمين نسبا وعلما.

ألقابه‌

لقد تلمّذ الوحيد على أيدي كبار العلماء ـ الذين سيأتي ذكرهم ـ فنبغ نبوغا قلّ أنّ نجد له مثيلا في مختلف العلوم العقلية والنقلية ، حتّى فاق أقرانه ، وبرز على علماء عصره ، فصار العالم الأوحد والفطحل المتفرّد في‌

١٩

زمانه ، حتى حاز على ألقاب وأوسمة علمية أخذها بحق وجدارة.

فأما أشهرها فإنه كان يلقب رحمه‌الله بـ « استاد الكل » كما حاز على لقب « العلاّمة المجدّد » و « الأستاد الأكبر » ، وذلك لأنه كان بحقّ وبإذعان مجتهدي عصره نابغة في الفقه والأصول ، إضافة لما جمع من علوم اخرى وكمالات شتّى.

وقد صرّح العلماء بأنّه « مجدّد رسوم المذهب على رأس المائة الثانية عشر ، ومروّج رأس المائة الثالثة عشر من الهجرة ».

مولده وبداية تلمذته‌

لقد ولد العلاّمة المجدّد الوحيد البهبهاني في مدينة أصفهان عام ١١١٧ ، فتلقى بدايات علومه ، من مبادي العربيّة ومبادئ العلوم العقلية والنقلية على يد أمسّ الناس وأقربهم رحما به ، وهو والده العالم المرحوم محمّد أكمل ، الّذي يبدو أنّه كان من القمم العلمية الشامخة التي غطتها حوادث الزمان ، فلم يصل إلينا من آثارها ما كان يلزم أن يصل إلينا ، يبدو هذا الادّعاء واضحا جليّا من عبارة المرحوم الوحيد الذي عبّر عن والده بقوله « العالم الفاضل الكامل الماهر المحقّق الباذل ، بل الأعلم الأفضل الأكمل ، أستاد الأساتيد والفضلية ، وشيخ مشايخ الفقهاء الآقا محمّد أكمل ... » ‌

وهذا المدح والاطراء من مثل الوحيد يعتبر وثيقة صريحة ، وشهادة قاطعة بأعلمية هذا الرجل وأفضليته ، في زمانه ، وأنّه كان المقدّم في العلوم على أهل بلدته على أقلّ تقدير ، وهي حاضرة من الحواضر الإسلامية ومدينة عرفت بخدماتها الدينية والمذهبية ، وقد أنجبت الكثير من العلماء‌

٢٠