جواهر الكلام - المقدمة

الشيخ محمّد رضا المظفّر

جواهر الكلام - المقدمة

المؤلف:

الشيخ محمّد رضا المظفّر


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٧
الصفحات: ٤٢٥

١

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

ترجمة المؤلف

بقلم الحجة الشيخ محمد رضا المظفر

من هو؟

هو (محمد حسن) بن الشيخ باقر بن الشيخ عبد الرحيم بن اغا محمد الصغير بن عبد الرحيم الشريف الكبير.

هو عنوان الاسرة الجواهرية العلمية المعروفة بالنجف الأشرف ، وبكتابة (جواهر الكلام) عرفت. ومنه ابتدأت شهرتها وطار صيتها ، وانتشرت آثارها ، وتوطدت أركانها.

وإذا كان قصير النسب فهو المطول لمجد أسرته ، والمجدد لها الذكر الذائع وبعد الصيت ، وطيب الأحدوثة ، والفخر الخالد. والمؤسس لمحتدها والباني لصرح عزها.

ولم يقتصر جهد هذا الشيخ الجليل على تصنيف كتابه العظيم (الجواهر) فحسب ـ وإن كان هذا وحده ليس بالشئ القليل ، فقد جعله في مصاف العظماء النوابغ على ما سيأتي ـ ولكنه كان من عظماء القرن الثالث عشر الهجري ونوابغه في كتابه هذا

٢

وفي قوة عارضته ، ولسانه المفوه ، وبراعة تدريسه ، وإدارته لشؤون النجف والعالم الاسلامي التابع لها ، واخلاقه الفاضلة المحمدية وملكاته العالية الملكوتية ، وعنايته الفريدة بتربية تلامذته أبطال الحوزة العلمية الذين تبوأوا بعده منصة الزعامة الروحية المطلقة. وقد انتهت إليه الرئاسة العامة والمرجعية في التقليد باستحقاق ، فنهض بها خير ما ينهض به المجاهدون العاملون ، وتفرد بها لا يشاركه مقارن ولا يزاحمه معارض في النجف وخارجها ، مع وفرة العلماء الكبار في عصره.

تولده ووفاته

لم ينص المؤرخون لحياته على تأريخ ولادته ـ على العادة في اكثر العظماء المغفلة نشأتهم الأولى ـ أما وفاته فالمتفق عليه أنها كانت سنة ١٢٦٦ وعين بعضهم أنها ظهر يوم الاربعاء غرة شعبان.

وقد استنتج شيخنا اغا بزرك الطهراني حفظه الله أن ولادته في حدود سنة ١٢٠٠ أو ١٢٠٢ من أمرين : (الأول) أن المسموع من الشيوخ أنه حين الشروع في تأليف الجواهر كان عمره خمسا وعشرين سنة. و (الثاني) أنه ابتدأ في تأليفه في حياة استاذه الشيخ كاشف الغطاء المتوفى سنة ١٢٢٨. ـ وستأتي الاشارة الى ذلك ـ وإذا طرحنا ٢٥ من ١٢٢٨ كان ما استنتجه شيخنا على نحو التقريب.

وإذا صح أن الشيخ ممن تلمذ على الاستاذ الأكبر الاغا الوحيد البهبهاني المتوفى سنة ١٢٠٨ وأدرك صحبته ـ كما نقله الشيخ عباس القمي في الفوائد الرضوية عن بعضهم ـ فلابد أن تكون ولادته أسبق من ذلك بكثير ، نظرا إلى أنه لا يصح في ابن ثمان أو ست ـ مهما كان نبوغه ـ أن يتلمذ على مثل الأغا البهبهاني ويصطحبه.

ثم أن صاحب الروضات ـ وهو ممن عاصر الشيخ وحضر درسه ـ خمن عمره في سنة ١٢٦٢ بسن السبعين ، فتكون ـ على هذا ـ حوالي سنة ١١٩٢. فلا ويبعد حينئذ أنه اواخر أيام درس الوحيد البهباني.

٣

ومن هذين القولين يمكن القول بتقدم تولده على ما قر به الشيخ أغا بزرك. أما أنه ابتدأ في تأليف كتابه في حياة استاذه كاشف الغطاء فلا يدل على أن ذلك كان في اخريات أيام استاذه ، بل يجوز أن يكون ذلك في حدود سنة ١٢١٧ مثلا. فتتقارب المنقولات.

وعليه فالاقرب أن تولده في حدود سنة ١١٩٢. ويساعد على ذلك الاعتبار ، لاسيما ـ كما قيل ـ أنه ممن تلمذ على السيد بحر العلوم المتوفي سنة ١٢١٢ أو روى عنه. فهل تلمذ عليه أو روي عنه وهو ابن عشر أو ثمان؟!

نشأته

لم يكن شيخنا المترجم له مبتدئا في اختياره المسلك الديني ، بل ورث ذلك من اسرته العلمية التي ورثت هذا المسلك أبا عن جد ، فان جده الأعلى عبد الرحيم المعروف بالشريف الكبير هو الذي هاجر الى النجف لطلب العلم ، وصار ممن يشار إليه بالفضلية حتى توفي فيها أوائل القرن الثاني عشر. وانجب ولدين عالمين كبيرين هما اغا محمد الكبير واغا محمد الصغير.

أما الأول الكبير فهو الذي تزوج بنت العالم الجليل المولى ابي الحسن الشريف العاملي الفتوني صاحب كتاب ضياء العالمين في الامامة المعروف الذي لا يزال مخطوطا عند الاسرة الجواهرية. فأنجب منها بنتا واحدة فقط تزوجها الشيخ عبد الرحيم ابن عمها اغا محمد الصغير ، فأنجبت هي بدورها له الشيخ باقر والد المترجم له.

فالشيخ باقر هذا سبط اغا محمد الكبير وحفيد اغا محمد الصغير ، فهما جداه لأمه وأبيه ، فقد ولده الشريف الكبير عبد الرحيم مرتين.

كما أن الشيخ باقر سبط الشريف أبي الحسن الفتوني من جهة أمة. ولذا كان شخينا صاحب الجواهر يعبر عن الفتوني بجدنا.

فشيخنا المترجم له نقطة نقطة التقاء الاسر العلمية ومجمع فضائلها من جهة الآباء والامهات

٤

ووالده الشيخ باقر بالخصوص كان من فضلاء أهل العلم.

كما أن أخاه الذي يكبره سنا الشيخ محمد حسين كان من نوابغ طلاب العلم ، وقتل في ريعان شبابه خطأ وهو في طريقه الى مسجد السهلة ، بطلقة نارية طائشة من أحد طلاب العلم الذين كانوا ـ بأمر الشيخ كاشف الغطاء وتوجيههه ـ يتدربون في الصحراء خارج النجف على الرمي بالبنادق لغرض الدفاع عن هجمات الوهابيين التي كانت مستمرة على النجف وكربلاء.

ومن الغريب أن والدتهما العلوية ـ على ما هو المشهور عند الأسرة الجواهرية ـ أسفت أن يكون المقتول ولدها الاكبر محمد حسين ويبقى الأصغر على قيد الحياة الذي لم تكن تتوسم فيه النبوغ كالقتيل ، ولله في خلقه شؤون. ولكنها بقيت حية إلى العصر الذي تسنم فيه ولدها الصغير هذا دست الزعامة الكبرى حيث انقادت له الامور وطبق صيته الخافقين ، فرأت بأم عينها من اقتحمته عينها.

نسبه

أن نسبه الشريف كما سقناه في أول ترجمته ينتهى إلى الشريف الكبير جده الاعلى عبد الرحيم ، كما أنهاه هو في آخر كتاب القضاء من كتابه الجواهر. ولم يعلم من نسبه إلى أبعد من ذلك.

كما لم يعلم من أين كانت هجرته جده الأعلى إلى النجف. ولعل في تلقيبه بالشريف ما يقرب أن يكون من أسرة الشيخ الفتوني أبي الحسن الملقب بالشريف أيضا ، وان كان شيخنا آغا بزرك يرى أن لقب الشريف يعطي في تلك العصور لمن كانت أمه علوية.

أما القول بانه من نجار غير عربي فلم يظهر لنا ما يدل عليه ، والتلقيب بأغا ـ وقد لقب هو به جده الثاني محمد في آخر كتاب القضاء ـ ليس دليلا على الاصل الايراني فان هذا اللقب كان معروفا في ذلك العصر للايرانيين وللاتراك ولغيرهم حتى للعرب

٥

ممن لهم منزلة رفيعة وتقدير واحترام.

وأما تجسيل الاسرة بالتبعية الايرانية فقد حدث متأخرا كسائر الاسر النجفية. الاخر لأجل التخلص من الجندية الاجبارية في عهد الاتراك.

ولهذا الأمر قصة طريفة خلاصتها أن الحكومة العثمانية شددت في احدى السنين على تجنيد الناس بالنجف وطلبت من المرحوم الشيخ علي الجواهري المتوفى ١٣١٨ ه‍ حفيد المترجم له المعروف ب‍ (علاوي) أن يحضر المشمولين من اسرته. وحينما رأت دائرة التجنيد تباطؤه أرسلت عليه ثلة من الشرطة (الجاندرمة) وهو في المسجد للصلاة فاخذ مخفورا. وكان طريقهم على دار رئيس البلدية يومئذ الحاج محمد سعيد شمسة جد رئيس بلدية النجف السابق الحاج محمد سعيد ، وكان هذا واقفا على باب داره لاستقبال الناس لمجلس التعزية عنده. فلما رأى الشيخ وقد حفت به الشرطة وقع عليه مقبلا يديه ونهرهم وأخذ بيده الى أن أدخله المجلس. ولما علم أهل النجف بهذا التحدي ثارت ثائرتهم وعطلت الاسواق وتجمهروا ، مما اضطر القائم مقام الى زيارة الشيخ في ديوانه (براني آل الجواهر المعروف متعذرا ، ولكن التدابير قد سبقته فقد عزم الشيخ أن يسجل اسرته بالتبعية الايرانية مع اسر اخرى نجفية رغبت في ذلك ، وأرسيل إلى القنصل الايراني للحضور ، فاتفق حضوره في وقت حضور القائم مقام ، فتشادا في الامر ومنعه القائم مقام من التسجيل والقنصل رفع قلنسوته (الكلاة) وأقسم ألا يضعها على رأسه قبل أن يتم تسجيل الاسرة الجواهرية بالتبعية الايرانية.

وهكذا استمر الجدال مما اضطر المرحوم الشيخ جواد نجل الشيخ علي أن يسافر في يومه الى بغداد وهو يومئذ ابن خمس وعشرين ، واتصل هناك بالسفارة الايرانية ، وبالمقام العالي بالاستانة ، فاهتمت الحكومة الايرانية بالأمر ، واوعزت إلى ممثلها عند الباب العالي أن يفهم الحكومة العثمانية بضرورة الخضوع لهذا الأمر. أما السلطان فقد أوعز الى والى بغداد أن يترك هذه الاسرة وباقي الاسر النجفية الطالبة للبعية الايرانية

٦

وشأنها ، ولكن الوالي لم يحفل بامر السلطان ، والسلطان يكرر عليه الأمر ثلاث مرات وهو مصر على عناده ، مما أثار حفيظة الحكومة الايرانية حتى قطعت علاقتها مع الحكومة العثمانية فقد أمر الشاه ناصر الدين سفيره في الاستانة بانزال العلم.

وحينما رأى السطان ذلك أرسل إلى العراق رسولا خاصا بهذه المهمة ، وهذا الرسول جاء مع الشيخ جواد الى النجف وحل ضيفا عليه ، فسجلت الأسرة بحضوره وحضور القائم مقام والقنصل في ديوان آل الجواهر ، كما سجلت كثير من الاسر كآل الصافي وآل سميسم في ذلك المجلس. ووجه الشيخ جواد كلاما قارصا الى القائم مقام مهددا له بالتحاق جميع رعايا الدولة العلية بايران إن بقى موظفوها على مثل هذه الغطرسة.

وكان ذلك الموقف باكورة أعمال الشيخ جواد ومنه ارتفع شأنه وعلا صيت فعاليته.

ولاشك أنه سجل بذلك ـ يومئذ ـ نصرا مبينا للحوزة العلمية بالنجف وللحكومة الايرانية معا ، فان النجف التي هي مرجع تقليد الأقطار الشيعية وقبلة أنظارهم كانت موضع عناية الحكومة الايرانية واعتزازها ، فكيف إذا طلب عيون أهلها التبعية لهم والالتحاق ، لاسيما وإن النجف كانت تلاقي من اضطهاد الدولة العثمانية ما لا يوصف ، ولم يكن شئ يقف في وجهها غير تعهد الحكومة الايرانية بصيانة العتبات المقدسة واهلها ، ولو ذلك لنسفوها نسفا وما أبقوا فيها ديارا.

هذا نسب شيخنا المترجم له من قبل الآباء ، أما من جهة الامهات ، فهو ينتهي من قبل أم أبيه ـ كما تقدم ـ الى الشيخ أبي الحسن الفتوني العالم الجليل. ومن قبل أمه الى السادة العذاريين المعروفيين بآل حجاب ، فانها علوية منهم. ولذا كان يقضي شيخنا شطرا من أوقاته في أيام نشأته الأولى في العذارات (وهي من قرى الحلة) عند أخواله. وسيأتي في سبب تأليفه الجواهر أنه ألفه ليكون له مذكرة فقهية يرجع إليها حيث لا تتهيأ له هناك الكتب للمراجعة عند الحاجة.

٧

آثاره العلمية

ألف الشيخ ـ عدا جواهره التي سيأتي تفصيل الحديث عنها ـ كتاب نجاة العباد ، وهو رسالة عملية صنعها لمقلدية ، وهي من الرسائل العلمية التي حظيت بالتعاليق والشروح بعد عصره. وله أيضا عدة رسائل أخرى في الدماء الثلاثة والزكاة والخمس وأحكام الأموات ، كلها ألحقت بنجاة العباد ، وصارت جمعيها رسالة واحدة بهذا الاسم. وله هداية الناسكين في مناسك الحج ، ورسالة في المواريث وهي آخر مؤلفاته فقد فرغ منها سنة الوباء ١٢٦٤.

وله كتاب في الاصول تلفت نسخته الوحيدة التي هي بخطه ، وقصتها ان له وليدا صغيرا تناول هذا الكتاب أثناء لعبه والقاه في البئر. وبعد اخراجه وجدوا انه قد انمحت كلماته ولم يكن وقت الشيخ يسمح له يومئذ وهو المرجع للتقليد أن يعيد تأليفه

ولو لم يكن الا جواهر الكلام لكفى. هذا الكتاب الكبير الواسع الذي بلغت اجزاؤه حسب تقسيمه ٤٤ جزءا ، وان كان الناشرون حشدوا هذه الاجزاء في ستة مجلدات ضخام حشدا ، رعاية للاقتصاد. وسيأتي وصف هذا الكتاب الجليل

الحركة العلمية في عصره

كانت الحركة العلمية في عهد شيخنا المترجم له في القمة من الحركات العلمية التي امتاز بها القرن الثالث عشر الهجري في خصوص النجف الاشرف وكربلاء.

فان النهضة العلمية التجديدية في الفقة واصوله ـ بعد الفتور العام الذي اصابها في القرن الحادي عشر واكثر الثاني عشر ـ ابتدأت في كربلاء على يد المؤسس العظيم الاغا محمد باقر البهبهاني المتوفي سنة ١٢٠٨.

وبقيت بعده النجف تنازع كربلاء وتشاطرها الحركة العلمية بفضل تلميذيه العظيمين السيد مهدي بحر العلوم المتوفى سنة ١٢١٢ والشيخ جعفر كاشف الغطاء المتوفى سنة ١٢٢٨

٨

ذا تحول قسم من الاتجاه العلمي شطر النجف بسببهما ، وان كانت كربلا بقيت محافظة على مركزها الأول حتى وفاة المربي العظيم المعروف بشريف العلماء وهو الشيخ محمد شريف المازندراني المتوفي سنة ١٢٤٥ الذي قيل ان حضار درسه كانوا يبلغلون الف طالب ، وكفى ان احد طلابه وتلاميذه الشيخ الانصاري. وبوفاة شريف العلماء فقدت كربلا تلك المركزية العلمية حتى اتجهت الانظار صوب النجف لوجود الشيخ صاحب الجواهر المترجم له الذي اجتذب إليه طلاب العلم بفضل براعته البيانية وحسن تدريسه وغزارة علمه وثاقب فكره الجوال وبحثه الدؤب وانكبابه على التدريس والتأليف ولعل هناك اسبابا اخرى لهذا التحول ولا يبعد أن من اهمها ان كربلا بالخصوص كانت عرضة للغارات السعودية وضغط الحكومة العثمانية وتعدياتها.

وعلى كل حال ، فقد شهد هذا القرن وهو القرن الثالث عشر حركة علمية واسعة في كربلا والنجف مبتدئة بالوحيد البهباني ، وبلغت غاية ازدهارها في عصر شيخنا المترجم له في خصوص النجف ، فان عصره ازدهر بكبار الفقهاء فطاحل العلماء من اساتذته واقرانه وتلاميذه ما لم يشهده اي عصر مضى. ويكفي ان يكون من نتاج ذلك العصر حبر الامة وامام المحققين الشيخ مرتضى الانصاري المتوفي سنة ١٢٨١ الذي انسى الاولين والآخرين ، إذ تجدد على يديه الفقه واصوله التجدد الأخير ، وخطابهما شوطا بعيدا قلب فيه المفاهيم العلمية رأسا على عقب ، ولا يزال اهل العلم الى يومنا هذا يدرسون على مدرسته العلمية الدقيقة ويستقون من نمير تحقيقاته ، ويتغذون بآرائه ، ويتخرجون على كتبه البارعة الفاخرة.

وكان شيخنا واستاذنا العظيم ميرزا حسين النائيني المتوفي سنة ١٣٥٥ يفتخر بانه من تلامذة مدرسته ، وان كل ما عنده من تحقيق ومعرفة فهو فهم اسرار آراء الشيخ الانصاري وتحقيقاته وعرضها عرضا مبسطا. وكم صرح بهذا المعنى على منبر الدرس معتزا بذلك. وفي الحقيقة كان الميرزا النائيني يعد فاتحا مظفرا ، ومجددا موصلا لما

٩

انقطع ـ أو كاد ـ من المنهج البحثي للشيخ. وهو وتلاميذه يعتزون بهذه الصلة والوصلة العلمية بالشيخ.

* * *

نعم ، لقد ازدهر عصر شيخنا صاحب الجواهر بالعلم والعلماء والطلاب ، فازدحمت النجف يومئذ براود العلم من كل حدب وصوب لاسيما من القطر الايراني ، وبلغت القمة في رواج العلم فيها.

ومرد ذلك ـ فيما اعتقد ـ هو الاستقرار السياسي وفترة السلم التي سادت في البلاد الاسلامية يومئذ ، لاسيما بين الدولتين العثمانية والايرانية اللتين كانتا يتطاحنان ويتصارعان للتغلب على العراق مدة قرنين تقريبا ، انهكت فيها الامة العراقية ايما انهاك وتأخرت تأخرا أفقدها كل حيوية ، فسادها الوباء والجهل والفقر وانواع الامراض الفتاكة

وابتدأت الهدنة بين الدولتين قبيل عصر شيخنا المترجم له ، وذلك في اخريات ايام الشيخ جعفر كاشف الغطاء ، إذ سافر الى ايران بقصد اطلاق سراح اسرى جيوش الحكومة العثمانية بعد موقعة حربية سنة ١٢٢١ توغلت فيها الى حدود ايران ففشل الجيش العثماني واسر اكثره. فاستطاع الشيخ كاشف الغطاء ان نقنع شاه ايران فتحعلي شاه وابنه مرزا محمد علي قائد الجبهة بالعفو عن الاسرى وارجاعهم الى حكومتهم بعد ان فشلت كل الوسائط التي استعملتها الحكومة العثمانية.

فكان الصلح بعد ذلك بين الدولتين على يد مصلح الدولتين العظيم الشيخ موسى نجل الشيخ كاشف الغطاء المتوفى سنة ١٢٤١ ، وفتح الباب واسعا امام الهجرة الايرانية الى العتبات المقدسة ، وامام الاموال التي كانت ترسل لتعمير العتبات وصيانتها ولرجال الدين ومراجع التقليد. فزاد ذلك في نشاط الحركة العلمية لاسيما انها كانت تحظى بتشجيع شاه ايران بتقديره للعلماء تقديرا منقطع النظير. وكفى من تقديره الحفاوة البالغة التي لاقاها الشيخ كاشف الغطاء في ايران ، وقبول وساطته في اعظم امر كان يحرص عليه الشاه ، وهو الاحتفاظ باسرى الترك تأديبا للحكومة العثمانية ، لاسيما قائد الجيش

١٠

كهيا سليمان باشا ابن اخ والي بغداد يومئذ علي باشا.

وبلدة النجف ـ مع كل هذا ـ اصبحت في ذلك العهد في أمان من الغارات الوهابية التي كانت لا تنقطع والتي كانت النجف وكربلاء مهددتين بها دائما ، بعد أن فشلت الغارة الأخيرة لهم سنة ١٢٢١ على النجف بأعجوبة ومعجزة وقد بيتوها على حين غرة.

نعم قد أصبحت النجف في أمان من الغارات بسببين ـ الأول ـ تسليح أهلها لاسيما رجال الدين بأمر وإشراف الشيخ كاشف الغطاء ، فانه جلب لهم السلاح الكافي الرائج يومئذ وأمر بتدريبهم عليه ، فكانوا يخرجون خارج البلد كل يوم للتدريب وبسبب هذا قتل خطأ شقيق صاحب الجواهر كما تقدم. وكان حمل السلاح والتدريب عليه فرضا دينيا للدفاع حتى ألف السيد الجليل صاحب مفتاح الكرامة السيد جواد العاملي المتوفي سنة ١٢٢٦ رسالة في وجوب الذب عن النجف ، وهو أحد تلامذة كاشف الغطاء المبرزين واستاذ صاحب الجواهر ، كما أن الشيخ كاشف الغطاء شجع طلاب العلم على الرياضة الدارجة في ذلك العصر ، وصنع (زورخانة) في نفس داره. وإن كان تسليح النجف قد اسئ استعماله بعد ذلك بوقوع الفتن بينهم لاسيما فتنة الشمرت والزكرت المعروفة التي امتدت زمنا طويلا مدة قرن تقريبا. ولا تزال آثارها باقية في التحزبات النجفية الى اليوم وإن بدات تتضاءل على ممر الزمن.

والثاني من الأسباب لأمان النجف من الغارات : بناية سورها الأخير والخندق حوله الذي اتفق عليه مبالغ طائلة خيالية في ذلك العصر الصدر الأعظم نظام الدولة جد أسرة آل نظام النجفية. ويومئذ كان وزيرا لفتح علي شاه. وقد تم بناؤه سنة ١٢٢٦ أي قبل وفاة الشيخ كاشف الغطاء بسنتين.

فصارت النجف بسببه قلعة حصينة لا تستطيع أية قوة في ذلك العصر أن تقتحمها. وبسببه استطاعت أن تقاوم الجيوش البريطانية اكثر من شهر في حصار النجف المعروف سنة ١٣٣٦

* * *

١١

وإذا اطمأنت النجف على سلامتها من عادية الوهابيين من جهة وعادية الحكومة العثمانية من جهة أخرى ، لاسيما بعد وساطتها وتأثيرها لدى الحكومة الايرانية كما سبق ، ورعاية الحكومة الايرانية لها ـ ابتدأت حياة الاستقرار والاطمئنان فيها تزدهر عند سكانها والمهاجرين إليها ، ونشطت فيها ايضا ـ تبعا لذلك الحياة الاقتصادية ، ونشط العمل لجلب المياة من الفرات إليها بشتى الوسائل.

إن كل تلكم الاسباب اجتمعت في عصر الشيخ صاحب الجواهر بالذات أكثر من كل عهد مضى ، فزادت الهجرة إليها من أهل العلم زيادة ملحوظة ، وانصرف أهل العلم الى التحصيل والجد والدرس والتدريس والتأليف. فلذلك كان نشاط الحركة العلمية في ذلك العهد في القمة.

والى جانب ذلك نشطت الحركة الأدبية أيضا نشاطا لم تعهده البلاد الاسلامية كلها بعد القرن الخامس الهجري. فنبع في القرن الثالث عشر بالنجف (والحلة أيضا) شعراءهم في الدرجة الاولى من الشعر العربي ، وفي الطليعة من شعراء كافة العصور الاسلامية كشعراء آل الأعسم وآل محيي الدين وآل النحوي والشيخ عباس الملا علي. ثم طبقة السيد حيدر الحلي والشيخ محسن الخضري والسيد جعفر الحلي ومن إليهم ممن جاء تلوهم من طبقة المجاهد الحجة السيد محمد سعيد الجبوبي والسيد ابراهيم بحر العلوم الذين كانوا من نوابغ القرنين الثالث عشر والرابع عشر.

ولاشك أن نشاط الحركة الأدبية كان من نتائج ازدهار النجف بالعلم والعلماء ، واستقرارها من نواحي الأمان والحياة الاقتصادية ، فكثرت محافلها ومجالسها ، والمباريات الادبية ، وتوطدت فيها البيوت العلمية توطنت.

وجميع هذا مما ساعد على ظهور نوابغ في العلم هم في جبين الدهر غرة بيضاء مشرفة وفي صفحات القرون صفحة مليئة بالمعرفة مرصونة بالآثار العلمية القيمة.

ونكرر أنه في القمة كان شيخنا صاحب الجواهر وكتابه ، وكان عهده ايضا كذلك ،

١٢

وذلك من ناحية إقبال الناس على تحصيل العلم وكثرة الطلاب حتى قيل كان مجلس بحثه يضم أكثر من ستين مجتهدا من المعترف لهم بالفضيلة. وقد تخرج على يديه من أعلام الدين ما يفوت الحصر. واستمر هذا الارتفاع في الارقام العلمية للمؤلفات والعلماء حتى القرن الرابع عشر الذي ورثنا فيه ذلك المجد العلمي والأدبي.

ولولا الوباء الكاسح الذي كان ينتاب العراق والنجف الخصوص بين آونة وأخرى ، ولولا فتنة الشمرت والزكرت التي استفحلت بالنجف في تلك العهود وصارت سببا لقلق السكان الدائم وخطرا على الارواح والأموال وكرامة الناس ـ لكان للنجف شأن آخر لم يحلم به المقدر.

كتاب الجواهر

تقدم في الفصل السابق وصف الحركة العلمية في القرن الثالث عشر خصوصا في النجف وقلنا : إن ذلك القرن شهد تحولا جديدا في الاتجاه العلمي ، ابتدأ على يد الوحيد البهبهاني.

وقد برز في ذلك القرن أقطاب لعلم الفقة وأصوله هم في الدرجة الأولى علما وتأليفا وتقوى وصلاحا. وخلفوا لنا آثارا قيمة خالدة تشهد على مدى التوسع العلمي في ذلك العهد ، مثل كتاب كشف الغطاء ومفتاح الكرامة والرياض والمكاسب في الفقة ، والقوانين والفصول والضوابط وحاشية المعالم للشيخ محمد تقي الاصفهاني ورسائل الشيخ الأنصاري وتعليقاتها في أصول الفقة ، الى غير ذلك من كتب مطولة.

وكان في القمة من تلك الآثار الفقهية كتاب (جواهر الكلام) في شرح شرائع الاسلام الموسوعة الفقهية التي فاقت جميع ما سبقها من الموسوعات سعة وجمعا واحاطة باقوال العلماء وأدلتهم. فوفق الكتاب توفيقا منقطع النظير في إقبال أهل العلم عليه رجوعا ونسخا. وبالأخير توفق للنشر بعد وفاة المؤلف بقليل ، فطبع على الحجر بايران خمس

١٣

طبعات في ستة مجلدات ضخام ، ووقف منه مئات النسخ على طلاب العلم بالنجف وكربلاء وايران.

والسر في هذا الاقبال على الكتاب يرجع إلى أنه كتاب لم يؤلف مثله في سعته وأحاطته بأقوال العلماء وأدلتهم ومناقشتها ، مع بعد نظر وتحقيق.

مضافا إلى أنه كتاب كامل في أبواب الفقة كلها جامع لجميع كتبه. وميزة ثالثة تفرد بها أنه على نسق واحد واسلوب واحد وبنفس السعة التي ابتدأ بها انتهى إليها.

ورابعا ، أن به الغنى عن كثير من الكتب الفقهية الأخرى ولا يستغني بها عنه ، فان المجتهد ـ إذا حصل على نسخة صحيحة منه ـ يستطيع أن يطمئن الى استنباط الحكم الشرعي بالرجوع إليه فقط. وليس له أن يطمئن الى ذلك عند الرجوع الى ما سواه في أكثر المسائل الفقهية حتى في هذه العصور الأخيرة. ونقل عن صاحبه رحمه الله أنه قال : « من كان عنده جامع المقاصد والوسائل والجواهر فلا يحتاج الى كتاب للخروج عن عهدة الفحص الواجب على الفقيه في آحاد المسائل الفرعية ». وهذه من الشيخ شهادة قيمة في جامع المقاصد للمحقق الثاني الشيخ على الكركي. وهو بحق أروع الكتب الفقهية في تحقيقاته.

وميزة خامسة في الجواهر ، أنه احتوى على كثير من التفرعات الفقهية النادرة بما قد لا تجده في غيره من الموسوعات الأخرى. فهو جامع لامهات المسائل وفروعها.

فالجواهر جواهر بجميع ما تعطي هذه الكلمة من دلالة ، فهو اسم على مسماه. وهذا كله سر خلوده وتفوقه وبقائه مرجعا للفقهاء على طول الزمن. ولعدم استغناء الفقيه عنه لانجد في جميع الاقطار العلمية طالبا للفقه تخلو مكتبته من هذا الكتاب مهما كانت فقيرة ومهما كانت حاجته الى المال.

وليس ـ مع هذا كله ـ يخلو الكتاب من لعل وعسى ، فان أبرز ما يلاحظ عليه أنه قد يحتاج في جملة من مباحثه الى اعادة نظر المؤلف لتوضيح بعض العبارات ـ على

١٤

الأقل ـ ولتنظيمه في عرض الأدلة ومناقشتها وعرض الأقوال وأدلتها. ولكن أنى لمثل هذه الموسوعة الكبيرة أن يسع عمر مؤلفها اعادة النظر فيها. ولا ينقضي العجب كيف تم لشخص واحد تأليف كتاب بهذه الضخامة ووسعه عمره ، مع أنه أصبح مرجعا دينيا عاما لجميع الأقطار. وعن بعض العلماء أنه قال : لو أراد مؤرخ زمانه أن يثبت الحوادث العجيبة في أيامه لم يجد حادثة اعجب من تصنيف الجواهر.

* * *

وعقدة العقد في هذا الكتاب ـ مع أنه توفق لان يطبع عدة مرات ـ أن كل طبعاته سقيمة في نسخها وإخراجها وتشويشها وتشويه عناوينها وأبوابها ، وإن اختلفت الطبعات في هذه الميزات. بل حتى ترقيم الصفحات ضن به بعض نساخ الطبعات الحجرية ، مع كثرة الغلطات الفاحشة المغيرة للمعنى خصوصا في الطبعات الاولى ، حتى تكاد أن تضيع جملة من مقاصده وآرائه.

والمطالع يعاني في قراءة تلك الطبعات كثيرا من الأتعاب المضنية المجهدة التي لا يذللها الا الشوق الجبار الملح إلى استخراج كنوز الكتاب والاستفادة من اللفتات القيمة فيه.

وكم كان جميلا ، بل واجبا ، أن يطبع طبعا سليما صحيحا متقنا مفهرسا ، ولو على الحجر كطبعات بعض الكتب الاخرى مثل شرح اللمعة والشرائع والوافي والكافي.

ونرجوا أن تكون هذه الطبعة الجديدة ـ على الحروف ـ التي نقدمها بترجمة المؤلف قد وافاها التوفيق في إخراج الكتاب اخراجا يليق بشأنه وبالحاجة.

ونرجو أن يكون القائمون على طبعه وإخراجه ولجنة التصحيح ـ وهم الآن في أول الطريق ـ قد توفقوا لتدقيقه وتصحيحه وإبرازه بحلة جميلة تريح الطالب وتملا نفس المطالع اطمئنانا وثقة ، وهم يملكون من أسباب تصحيحه ما لم يكن يملكها الناشرون له قبلهم ، وأهمها أن تكون النسخة الاصلية المصححة بخط المؤلف تحت تصرفهم.

١٥

ونسأله تعالى أن يوفقهم لا خراجه كله على نسق واحد وإن طال بهم الزمن ، واستدعى جهودا جبارة وأموالا كثيرة لا ينهض بها إلا الرجال الأفذاذ المجاهدون في سبيل العلم. واجرهم غير ضائع عند الله تعالى من الثواب وعند أهل العلم من التقدير والدعاء.

تأريخ تأليف الكتاب

المعروف أنه شرع في تأليفه من كتاب الخمس على غير الترتيب ، وكتاب الخمس فرغ منه بتأريخ ١٢٣١ كما سجل في آخره ، وآخر ما كتبه منه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وانتهى منه سنة ١٢٥٧ كما سجل في آخره أيضا.

ولكن الشيخ اغا بزرك الطهراني حفظه الله تعالى استنتج ان أول كتاب شرع فيه هو كتاب الطهارة بدليل أنه ذكر في مبحث أحكام الاستنجاء استاذه الشيخ كاشف الغطاء وقال عنه (سلمه الله) ، كما تنطلق به النسخة الأصلية المخطوطة. ومن المعلوم أن الشيخ الكبير توفى سنة ١٢٢٨.

سبب تأليف الكتاب

نقل عن التكملة أن الشيخ قال في جملة كلام له مع تلميذه فقيه عصره الشيخ محمد حسن آل يس عن كتابه الجواهر في قصة طويلة : ( والله يا ولدي انا ما كتبته على أن يكون كتابا يرجع إليه الناس ، وانما كتبته لنفسي حين كنت أخرج الى (العذارات) وهناك اسأل عن المسائل وليس عندي كتب أحملها لأني فقير ، فعزمت على أن اكتب كتابا يكون لي مرجعا عند الحاجة. ولو أردت ان اكتب كتابا مصنفا في الفقة لكنت احب ان يكون على نحو رياض المير السيد علي فيه عنوان الكتابية في التصنيف ).

وقد علق صاحب التكملة على هذا الخبر بما بمعناه : ان حسن نية الشيخ هذه

١٦

وخلوصها من طلب الجاه والسمعة هي السبب في توفيق مؤلفه إلى إكماله والسبب في رواجه عند الناس.

والحق أن الكتاب بما فيه من البسط وعدم الترتيب شاهد على صحة هذا النقل ، من أنه كتبه ليكون مذكرات ومرجعا له خاصة لا على أسلوب التأليفات المنمقة.

ومن هنا تعرف السر فيما كان يصنعه كثيرا من اقتطاف نص عبارات الرياض وشرح اللمعة من دون الاشارة الى المصدر ولا الى ما يشعر بالاقتطاف.

أعلام تلاميذه.

ذكرنا فيما سبق كيف نشطت الحركة العلمية في النجف الأشرف في عهد الشيخ المترجم له ، وأقبل طلاب العلم على الهجرة إليها. وكان درس الشيخ بالخصوص ملتقى النوابغ والمجتهدين من الطلاب ، فتخرج على يديه جماعة كبيرة من أعلام الفقه انتشر اكثرهم في البلاد ، حتى قيل أنه لم تبق بلدة شيعية ليس فيها مرجع للناس من تلاميذه. وكان هو يمدهم برعايته ويسددهم ويغدق عليهم. وقصة الشيخ محمد حسن آل يس أحد أعلام تلاميذه معروفة ، فان الشيخ وجه به الى بغداد ليكون مرجعا للناس هناك ، وبعد مدة قدم النجف أحد تجارها يحمل الى الشيخ من الحقوق الشرعية ثلاثين ألف (بيشك) العملة المتداولة يومئذ. فانكر عليه أن يحمل مثل ذلك إليه مع وجود الشيخ محمد حسن بين ظهرانيهم ورده وقال أظن أن الشيخ محمد حسن سيهلك جوعا. ثم بعد هذا توافد أهل بغداد لزيارة الغدير فحجبهم الشيخ عن ملاقاته معلنا غضبه وهم يجهلون السبب ، وفي عصر يوم الغدير حيث مجتمع الوفود دعا الناس للاجتماع في الصحن العلوي المطهر وخطب فيهم مذكرا لهم فضل العلماء وندد بالبغدادين إذ قصروا في حق الشيخ محمد حسن وبين لهم أن هذا سبب غضبه عليهم وحجبه لهم ، فما كان من البغداديين الا أن نهضوا الى الشيخ محمد حسن وكان حاضرا معتذرين وحملوه معهم مبجلا إلى بغداد فكان له من الشأن ما طبق ذكره الخافقين.

١٧

وأحب أن أذكر جماعة من أعلام طلابه الذين كانت لهم الشهرة العلمية والزعامة الدينية على الحروف الهجائية :

١ ـ ميرزا ابراهيم شر يعتمدار السبزواري العلوي

١٨ ـ السيد حسين حفيد بحر العلوم

٢ ـ السيد ابراهيم اللواساني

١٩ ـ الشيخ محمد حسين الطالقاني القزويني

٣ ـ السيد اسد الله الاصفهاني

٢٠ ـ الشيخ راضي النجفي جد الاسرة العلمية المعروفة باسمه

٤ ـ السيد اسماعيل البهبهاني

٢١ ـ الشيخ زين العابدين الحائري

٥ ـ الشيخ محمد باقر الاصفهاني ولد صاحب حاشية المعالم

٢٢ ـ الميرزا صالح الداماد

٦ ـ الشيخ جعفر الاعسم

٢٣ ـ الشيخ عبد الحسين شيخ العراقين الطهراني

٧ ـ الشيخ جعفر التستري

٢٤ ـ الشيخ عبد الرحيم النهاوندي

٨ ـ الميرزا حبيب الله الرشتي

٢٥ ـ الشيخ عبد الله نعمة العاملي

٩ ـ الشيخ محمد حسن آل يس

٢٦ ـ السيد علي حفيد بحر العلوم

١٠ ـ السيد حسن المدرس الاصفهاني

٢٧ ـ المولى على الكنى

١١ ـ الشيخ حسن بن الشيخ اسد الله صاحب المقابس الكاظمي

٢٨ ـ المولى علي الخليلي

١٢ ـ الشيخ حسن المامقاني

٢٩ ـ الاغا ميرزا علي تقي

١٣ ـ الشيخ محمد حسن الشرقي

٣٠ ـ الشيخ عيسى زاهد

١٤ ـ الاغا حسن النجم آبادي

٣١ ـ ملا محمد الفاضل الايرواني

١٥ ـ ميرزا حسين الخليلي

٣٢ ـ الملا محمد الاندرماني

١٦ ـ الشيخ محمد حسين الكاظمي

٣٣ ـ الملا محمد الاشرافي

١٧ ـ السيد حسين الترك

٣٤ ـ السيد محمد الشهشهاني الاصفهاني

٣٥ ـ السيد محمد الهندي

١٨

٣٦ ـ السيد ميرزا محمود البروجردي

٣٩ ـ الشيخ نعمة الطريحي

٣٧ ـ الشيخ مهدي الكوجوري

٤٠ ـ الشيخ نوح القرشي النجفي

٣٨ ـ ميرزا نصر الله الخراساني

آثاره ومآثره

أشرنا ـ فيما سبق ـ الى الأمور التي رافقت حياة شيخنا المترجم له ، لا سيما أيام زعامته الدينية من الاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي واطمئنان النجف على سلامتها. وهذه الأمور ـ بطبيعة الحال ـ كان لها أثر كبير في رفعة شأن المقام الروحاني والزعامة الدينية في ذلك العصر ، حتى ، أصبح الزعيم الديني في النجف الرجل الأول في البلاد ، وله الكلمة العليا في الدولة الاسلامية.

وقد تمثل هذا النفوذ الكبير للزعيم الديني في شخص شيخنا المغفور له ، فأحسن الاستفادة منه في مجالات كثيرة للتوجيه وتربية رجال العلم وأعزاز شأنهم وأعلاء كلمتهم. فوجه بأقطاب العلم إلى انحاء كثيرة في البلاد ونشرهم في شتى الاصقاع وثبت مراكزهم ، كما قرأت في نصبه للشيخ محمد حسن آل يس علما في بغداد وهو من افذاذ المجتهدين ، وكيف وجه إليه الانظار وفتح له المجال ، حتى صار من مراجع التقليد بعد ذلك. ولا شك أن هذا من سعة افقه وبعد نظره وحسن تدبيره.

ومن سعة أفقه وبعد نظره واخلاصه تنصيبه للسيخ الانصاري خلفا له ، فقد دعاه في مرض موته بحضور أكثر أعلام تلاميذه وأولاده الذين يرى كل واحد منهم في نفسه الكفاية لهذا المنصب الرفيع ، ولقد اشرأبت إليه أعناقهم. ولكنه عهد إليه دونهم بهذا المنصب حتى ـ قيل ـ عض أحد تلاميذه على اصبعه فأدماها وهو لا يدري. والانصاري يومئذ مغمور لا يعرفه كل أحد ، فقد كان (ملا مرتضى) وخرج من ذلك المجلس وهو (الشيخ مرتضى) ، على أنه لم يكن معدودا من تلاميذه وانما كان يحضر درسه

١٩

في أواخر أيامه تيمنا لا حضور التمليذ المستفيد ، ولذا كان يعبر عنه في كتبه ببعض العاصرين لاأكثر ، ولما رأى شيخنا فيه الاهلية لهذا المنصب الالهي في علمه وتقواه وورعه قدمه على جميع تلامذته ، فكان في اختياره موفقا كل التوفيق ، وأعطى بذلك درسا بليغا في القدسية ونكران الذات لا ينسى تغمده الله تعالى برحمته.

ومن الأمور الجليلة التي استغل فيها نفوذه للصالح العام واستعمل كل براعته فتح النهر المعروف باسمه لارواء النجف التي كانت تعاني من العطش ما تعاني من قرون طويلة. فانه رحمه الله فكر أن يفتح من نهر الفرات قناة كبيرة الى وادي النجف مهما كلفه الامر ، ولما قيل له أن هذا المشروع يتطلب نفقات هائلة يعجز عنها الملوك إذ يجب حفر القناة الى مقدار عمق الآبار النجفية ـ قال : اعلم بمقدار ما يتطلب من مال وقد قدرت له ما يقابل وزن ما أخرجه من الرمل ذهبا ، فهل هذا لا يكفي أيضا؟ هذا هو التصميم والارادة الجبارة التي تذلل كل صعب.

وبالفعل تم حفر النهر المعروف باسمه الواقع على يسار الذاهب الى الكوفة قرب سور النجف ، وقد شهدنا آثاره قبل أن تمتد دور الجديدة إليه ، ومنبعه يتصل يا راضي بني حسن العشيرة المعروفة. وجرى الماء فيه حتى قيل أن الشيخ مناع المعروف بطول القامة (الذي كان يهتف به الناس باللغة الدارجة : شيخ مناع. رأسك بالسما ورجليك بالكاع) أنزله الشيخ الى النهر لقياس عمق الماء فغمره الماء إلى أعلى أطراف أصابعه وهو رافع يديه. وكان الشيخ مناع يتحدث بهذه المكرمة لنفسه ، وقد عمر بعد هذا الى زمن طويل حتى أدركه أحفاد الشيخ وسمعوا منه القصة منهم العلم المعروف الشيخ محسن ابن الشيخ شريف الجواهري.

ولكن النهر كانت تعوزه أمور فنية غير متهيئة في ذلك العصر ، فقضت عليه بسرعة إذ انهارت الرمال في كثير من مواقعه. ولم ينفع معها بعده قيام تلميذه الجليل السيد اسد الله الاصفهاني علم أصفهان المعروف ، إذ سعى ـ بعد أن زار النجف بعد

٢٠