نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٨
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

٣
٤

٥
٦

المقصد الثالث

في باقي الصلوات‌

وفيه فصول‌

٧
٨

الفصل الأول

( في صلاة الجمعة )

وفيه مطالب :

المطلب الأول

( في الشرائط )

ويزيد الجمعة على الشرائط في اليومية بأمور ستة : الأول الوقت. الثاني السلطان. الثالث العدد. الرابع الجماعة. الخامس الوحدة. السادس الخطبتان. فهنا مباحث :

البحث الأول

( في الوقت )

الجمعة واجبة بالنص والإجماع ، قال الله تعالى ( فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ ) (١) وقال عليه‌السلام في خطبة : اعلموا أن الله قد افترض عليكم الجمعة في مقامي هذا في شهري هذا في عامي هذا ، فمن تركها في حياتي أو بعد موتي وله إمام عادل استخفافا بها أو جحودا بها ، فلا جمع الله شملهم ولا بارك الله له في أمره ، ألا ولا صلاة له ، ألا ولا زكاة له ، ألا ولا حج له ، ألا ولا صوم‌

__________________

(١) سورة الجمعة : ٩.

٩

له ، ألا ولا بر له حتى يتوب ، فإن تاب تاب الله عليه (١).

وقال الباقر عليه‌السلام : فرض الله على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة ، منها صلاة واحدة فرضها الله عز وجل في جماعة ، وهي الجمعة ، ووضعها عن تسعة الحديث (٢).

وأجمع المسلمون كافة على وجوب صلاة الجمعة على الأعيان ، لقوله عليه‌السلام : الجمعة حق واجب على كل مسلم إلا أربعة : عبد مملوك ، أو امرأة ، أو صبي ، أو مريض (٣).

ولا خلاف في أن الجمعة كسائر الفرائض في الأركان والشرائط ، لكنها تختص بأمور زائدة ، منها ما هو شرط في صحتها ، ومنها شروط زائدة في لزومها ، ومنها آداب ووظائف ، وقدم الشرائط لتقدمها طبعا ، وهي ستة : الأول الوقت. الثاني السلطان. الثالث العدد. الرابع الخطبتان. الخامس الجماعة. السادس الوحدة.

أما الوقت : فلا خلاف في اشتراطه ، فلا مدخل للقضاء في الجمعة على صورتها إجماعا ، بخلاف سائر الصلوات ، فإن الوقت ليس شرطا لها ، وإنما هو شرط في إيقاعها أداء.

وأول وقتها زوال الشمس كالظهر على الأصح ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلي الجمعة بعد الزوال ، وقال : صلوا كما رأيتموني أصلي (٤). وقال الصادق عليه‌السلام : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلي الجمعة حين زوال الشمس قدر شراك (٥). ولأنها بدل عن عبادة فلا يحسب قبل وقتها كالتيمم.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٧ ح ٣٨ ، سنن ابن ماجة ١ ـ ٣٤٣.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٦ ح ١٩.

(٣) وسائل الشيعة ٥ ـ ٦ ح ٢٤.

(٤) جامع الأصول ٦ ـ ٣٧٤.

(٥) وسائل الشيعة ٥ ـ ١٨ و ٣٠.

١٠

وقال المرتضى : يجوز أن يصلي الفرض عند قيام الشمس يوم الجمعة خاصة.

وآخر وقتها إذا صار ظل كل شي‌ء مثله ، لأنه عليه‌السلام كان يصلي دائما بعد الزوال بلا فصل. فلو جاز التأخير لفعله في بعض الأوقات للبيان ، كغيرها من الصلوات.

وليس بقاء الوقت شرطا ، فلو انعقدت الجمعة وتلبس بالصلاة ـ ولو بالتكبير ـ فخرج الوقت قبل إكمالها أتمها جمعة ، إماما كان أو مأموما ، لأنه دخل فيها في وقتها ، فوجب إتمامها كسائر الصلوات ، ولأن الوجوب يتحقق باستكمال الشرائط ، فلا يسقط مع التلبس بفوات البعض كالجماعة.

فروع :

الأول : لو أدرك المسبوق ركعة مع الإمام ، صحت له الجمعة إن كان تكبيرة افتتاحه وقعت في الوقت ، ثم يقوم لتدارك الثانية وإن كان الوقت خارجا.

الثاني : لو غفلوا عن الصلاة حتى ضاق الوقت ، فإن علم الإمام اتساعه لخطبتين خفيفتين وركعتين خفيفتين ، وجبت الجمعة ، وكذا لو أدرك مع الخطبتين ركعة واحدة ، بل تكبيرة الإحرام لا غير معهما ، صحت الجمعة عندنا.

الثالث : يستحب تعجيل الجمعة كغيرها من الصلوات.

الرابع : فرض الوقت للجمعة (١) ، وهي قائمة بنفسها ، ليست ظهرا مقصورة ، فليس له إسقاط الجمعة بالظهر ، لأنه مأمور بالجمعة ، فيكون منهيا عن الظهر فلا تقع عن الواجب ، ولقوله عليه‌السلام : كتب عليكم الجمعة فريضة واجبة إلى يوم القيامة (١).

__________________

(١) في « ق » الجمعة.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٦ ح ٢٢.

١١

الخامس : لو فاتت الجمعة صلى الظهر أربعا بنية الأداء إن كان وقت الظهر باقيا ، وإن خرج الوقت صلى أربعا بنية قضاء الظهر لا الجمعة ، لأنه مع خروج وقت الجمعة تسقط الجمعة ويجب الظهر أداء ، لسعة وقت الظهر وإمكان فوات الجمعة مع بقائه ، فيكون الفائت بعد فوات الجمعة هو الظهر ، لانتقال الوجوب إليه.

ولو فاتته الجمعة بعد انعقادها ، بأن زوحم وخرج الوقت قبل إدراك ركعة مع الإمام ، استأنف الظهر ولا يبني على الجمعة ، لتغاير الفرضين.

السادس : لو صلى المكلف بالجمعة الظهر قبل أن يصلي الإمام الجمعة ، لم تصح صلاته ويجب عليه السعي إلى الجمعة ، فإن صلاها برئت ذمته ، وإلا أعاد الظهر ، لأن ما فعله أولا لم يكن واجبا عليه.

ولا فرق في صحة الظهر المفعولة بعد فوات الجمعة بين أن يكون قد ترك الجمعة عمدا أو لضرورة.

ولو صلى الظهر وشك هل صلى قبل صلاة الإمام أو بعدها؟ فالأصل البقاء.

ولو صلى الظهر قبل فراغ الإمام من الجمعة ، فإن علم أنه يفوته إدراكها ، صحت صلاته وإلا فلا. وفوات الجمعة برفع الإمام رأسه من ركوع الثانية.

السابع : من لا تجب عليه الجمعة ـ كالمسافر والعبد ـ له أن يصلي الظهر قبل صلاة الإمام ومعه وبعده ، وإن جاز أن يصلي جمعة ، لأن الجمعة غير واجبة عليه ، فصح منه الظهر في أوله كالبعيد. ولا يستحب له تأخير ظهره حتى يفرغ الإمام ، لأن فرضه الظهر ، فيستحب تقديمها.

فإذا حضر أصحاب الأعذار الجمعة وجبت عليهم ، وسقط عنهم فرض الوقت ، لأنها سقطت عنهم لعذر تخفيفا ، ووجبت على أهل الكمال ، لانتفاء المشقة في حقهم ، فإذا حضروا سقطت المشقة المبيحة للترك.

١٢

ولو صلوا الظهر في منازلهم ثم حضروا الجمعة ، لم تبطل ظهرهم ، سواء زال عذرهم أو لا.

ويستحب الجماعة لمن فاتته الجمعة في الظهر ، وكذا لأصحاب الأعذار ، لعموم قوله عليه‌السلام : صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمسة وعشرين درجة (١).

ويستحب لذوي الأعذار السعي إلى الجمعة وإن صلوا الظهر ، طلبا لفضيلة الجماعة ، كما يستحب في الظهر.

ويحرم إنشاء السفر لمن وجبت عليه الجمعة واشتملت الشرائط فيه بعد الزوال قبل الصلاة ، لقوله عليه‌السلام : من سافر من دار إقامته يوم الجمعة دعت عليه الملائكة لا يصحب في سفره ، ولا يعان على حاجته (٢). ولأنه مخاطب بالسعي ، فلا يجوز العدول عنه ، وسواء كان لأجل الجهاد أو لغيره.

أما (٣) مع الضرورة ، كخائف فوات الصحبة مع ضرورته إليها ، والخوف على النفس ، أو المرض ، أو المال ، أو على من يجري مجراه من ولد ورفيق وحيوان محترم ، يجوز له ترك الجمعة للمشقة.

ويجوز السفر قبل الزوال. ويكره بعد الفجر.

البحث الثاني

( السلطان )

ويشترط في وجوب الجمعة السلطان أو نائبه ، عند علمائنا أجمع ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعين لإقامة الجماعة ، وكذا الخلفاء بعده ، كما عين للقضاء. وكما لا يصح أن ينصب الإنسان نفسه قاضيا من دون إذن الإمام ، فكذا إمام الجمعة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٣٧١ ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٨٦ ما يشبه ذلك.

(٣) في « ق » إلا.

١٣

ولرواية محمد بن مسلم قال : لا تجب الجمعة على أقل من سبعة : الإمام ، وقاضيه ، ومدعي حقا ، ومدعى عليه ، وشاهدان ، ومن يضرب الحدود بين يدي الإمام (١).

والسلطان عندنا هو الإمام المعصوم ، فلا تصح الجمعة إلا معه ، أو مع من يأذن له. هذا في حال ظهوره.

أما في حال الغيبة فالأقوى أنه يجوز لفقهاء المؤمنين إقامتها ، لقول زرارة : حثنا الصادق عليه‌السلام على صلاة الجمعة حتى ظننت أنه يريد أن نأتيه ، فقلت : نغدوا عليك ، فقال : لا إنما عنيت عندكم (٢). وقال الباقر عليه‌السلام لعبد الملك : مثلك يهلك ولم يصل فريضة فرضها الله ، قلت : كيف أصنع؟ قال : صلوا جماعة. يعني صلاة الجمعة (٣).

ومنع جماعة من أصحابنا ذلك ، لفقد الشرط ، والباقر والصادق عليهما‌السلام لما أذنا لزرارة وعبد الملك جاز لوجود المقتضي ، وهو إذن الإمام.

ويشترط في نائب الإمام أمور :

الأول : العدالة ، لأن الاجتماع مظنة التنازع ، والحكمة تقتضي عدمه ، وإنما يحصل بالسلطان ، ومع فسقه لا يزول لتبعية أفعاله قوته الشهوية ، ولأنه ليس محلا للأمانة فلا يصلح للإمامة ، لجواز أن يصلي صلاة باطلة ، ولقوله تعالى ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (٤) والايتمام ركون إليه.

ولقوله عليه‌السلام : لا تؤمن امرأة رجلا ولا فاجر مؤمنا (٥). وسئل الرضا عليه‌السلام رجل يقارف الذنوب وهو عارف بهذا الأمر أصلي خلفه؟ قال : لا (٦).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٩ ح ٩.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ١٢ ح ١.

(٣) وسائل الشيعة ٥ ـ ١٢ ح ٢.

(٤) سورة هود : ١١٣.

(٥) وسائل الشيعة ٥ ـ ٣٩٢ مع تفاوت.

(٦) وسائل الشيعة ٥ ـ ٣٩٣ ح ١٠.

١٤

الثاني : البلوغ شرط ، فلا تصح إمامة الصبي ، لعدم التكليف في حقه ، ولأنه إن لم يكن مميزا لم يعتد بفعله ، وإلا عرف بترك المؤاخذة على فعله ، فلا يؤمن ترك واجب أو فعل محرم ، ولأن العدالة شرط وهي منوطة به.

الثالث : العقل ، لعدم الاعتداد بفعل المجنون. ولو كان يعتوره فكذلك ، لجواز أن يحصل له حالة إمامته.

الرابع : الذكورة ، فلا تصح إمامة المرأة ولا الخنثى.

الخامس : الحرية ، والأقوى اشتراطها ، لأنها من المناصب الجليلة فلا يليق بالعبد ، ولأن العبد لا تجب عليه ، فلا يكون إماما كالصبي.

السادس : طهارة المولد ، فلا تصح إمامة ولد الزنا ، لنقصه ، فلا يناط به المناصب الجليلة.

السابع : السلامة من الجذام والبرص والعمى ، لقول الصادق عليه‌السلام خمسة لا يؤمون الناس على كل حال : المجذوم ، والأبرص ، والمجنون ، وولد الزنا ، والأعرابي (١). وأما الأعمى فلأنه لا يتمكن من التحرز عن النجاسات غالبا.

فروع :

الأول : لو خفي فسق الإمام ، ثم ظهر بعد الصلاة ، أجزأ للامتثال. وكذا لو ظهر كفره ، سواء كان مما يخفى كالزندقة أو لا كالتهود والتنصر.

ولو شك في إسلامه ، لم تنعقد صلاته ، لأن ظهور العدالة شرط وهو منتف مع الشك. وكذا لو بان كونه جنبا أو محدثا ، ويحتمل البطلان إن لم يتم العدد إلا به ، لأن الجماعة شرط ، وإنما يرتبط بالإمام ، فإذا بان أن الإمام لم يكن مصليا بان أنه لا جماعة ، وأن أحد شروط الجمعة قد فات ، بخلاف سائر‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٣٩٧ ح ١.

١٥

الصلوات ، لأن الجماعة ليست شرطا ، وغايته أن يصلي منفردا. ويشكل بأن حدث الإمام لا يمنع صحة الجماعة ، وثبوت حكمها في حق المأموم الجاهل بحاله.

الثاني : المخالف في فروع الفقه مع اعتقاد الحق ، لا يمنع الإمامة. ولو اعتقد المجتهد شيئا من الفروع وفعل ضده مع بقاء اعتقاده قدح في عدالته. وكذا المقلد إذا أفتاه العالم. أما لو عدل من عالم إلى أعلم أو مساو ، لم يقدح في عدالته.

الثالث : لو حضر إمام الأصل ، لم يأمّ غيره إلا مع العذر إجماعا ، لتوقف الايتمام على إذنه ، فليس لغيره التقدم عليه ، وكذا نائب الإمام ، ولقول علي عليه‌السلام : إذا قدم الخليفة مصرا من الأمصار جمع بالناس ، ليس ذلك لأحد غيره (١).

الرابع : لا يشترط في الإمام أن يكون ممن يجب عليه الجمعة ، فللمسافر أن يكون إماما مع الإذن ، لأنه ممن تصح منه الجمعة ، فكان إماما كالحاضر.

وهل يصح أن يكون متنفلا؟ كمسافر صلى الظهر ثم حضر ، إشكال ، ينشأ : من أنه لا بد في العدد المشروط ، من أن يكونوا مصلين فرض الجمعة فكذا الإمام ، ومن جواز اقتداء المفترض بالمتنقل في صورة المصلي ثانيا. أما لو صلى الصبح قضاء ، أو غيرها من الفرائض ، فالأقوى صحة الايتمام به ، لأنها صلاة فرض فأشبهت الجمعة كغيرها من الفرائض.

الخامس : لو قام إمام الجمعة إلى ركعة ثالثة سهوا ، فاقتدى به إنسان وأدرك جميع الركعة ، لم يحسب له ، لأنها غير محسوبة للإمام ، والزيادة يمكن الاطلاع عليها بالمشاهدة وإخبار الغير ، فلا تجزيه ، كما لو اقتدى بالمرأة ، بخلاف الحدث ، فلا ينعقد له بها جمعة ولا ظهر.

السادس : لو لم يدرك مع الإمام المحدث إلا ركوع الثانية ، احتمل أن‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٣٦ ح ١ ب ٢٠‌

١٦

يكون مدركا للجمعة ، لأنه لو أدرك كل الركعة لكانت محسوبة له ، فكذا إذا أدرك ركوعها ، كالركعة المحسوبة للإمام ، والأقوى عدم الإدراك ، لأن الحكم بإدراك ما قبل الركوع بإدراك الركوع خلاف الحقيقة ، إنما يصار إليه إذا كان الركوع محسوبا من صلاة الإمام ليتحمل به ، فأما غير المحسوب فلا يصلح للتحمل عن الغير.

بخلاف ما لو أدرك الركعة بكمالها ، لأنه قد فعلها بنفسه ، فتصح على وجه الانفراد إن تعذر تصحيحها على وجه الجماعة ، وهنا لا يمكن التصحيح على سبيل الانفراد ، فإن الركوع لا يبتدأ به.

السابع : إذا أحدث الإمام في صلاة الجمعة أو غيرها من الفرائض ، أو خرج بسبب آخر ، جاز أن يستخلف غيره ليتم بهم الصلاة ، لأن النبي عليه‌السلام خرج فأتم الصلاة التي ابتدأ بها أبو بكر. وقول علي عليه‌السلام : من وجد أذى ، فليأخذ بيد رجل فليقدمه (١). يعني إذا كان إماما ، ولأن صلاة المأموم لا تبطل ببطلان صلاة الإمام ، فإذا قدم من يصلح للإمامة كان كما لو أتمها ، فلا ينفك المأموم من الجماعة والعمل بالفضيلة فيها.

ولا فرق في جواز الاستخلاف بين ما إذا أحدث الإمام بعد الخطبتين قبل التحريم وبعدها ، فإذا استخلف صلى بهم من غير خطبة ، لخروج العهدة عنها بفعلها أولا.

ولو أحدث بعد التحريمة ، استخلف سواء صلى ركعة أولا ، وأتمها جمعة.

وإنما يستخلف من هو بشرط الإمامة. ولا يشترط فيه سماعه للخطبة ولا الإحرام مع الإمام للرواية. ولو لم يستنب الإمام ، أو مات ، أو أغمي عليه ، فإن كان بعد ركعة استناب المأمومون ، وللواحد منهم أن يتقدم ، لأن الإمام قد خرج والمأمومون في الصلاة ، وهي جمعة انعقدت صحيحة بإذن الإمام فيتمونها جمعة. ولا يفتقر إلى إذن مستأنف.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٤ ـ ١٣٤٥ ح ٨.

١٧

ولو لم يستنيبوا أو بقي واحد ومن لا يصلح للإمامة ، أتموها جمعة فرادى. وكذا لو كان قبل صلاة ركعة.

ولو تعمد الإمام الحدث فكالسهو فيه.

وهل يجب اتحاد الإمام والخطيب؟ الأقرب المنع ، لجواز تعدد الأئمة في صلب الصلاة ، مع احتماله ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تولاهما.

ولا يجب على المأمومين استئناف نية القدوة ، لأنه خليفة الأول ، والغرض من الاستخلاف تنزيل الخليفة منزلة الأول. ويحتمل الوجوب ، لوجوب تعيين الإمام في الابتداء.

ولو استناب المأمومون ، لم تبطل صلاة المتلبس وأتم جمعة ، وغيره كذلك على الأقوى ، لأنها جمعة مشروعة.

وينبغي أن يستخلف على قرب ، وليس شرطا. فلو قضوا ركنا فالأقرب جواز الاستخلاف إن جوزنا تجديد نية الاقتداء للمنفرد ، وعلى المسبوق أن يراعي نظم صلاة الإمام ، فيقعد في موضع قعوده ، ويقوم في موضع قيامه ، لأنه اقتدى به والتزم ترتيب صلاته ، ولا يتابعه في القنوت بل يقف قائما ، ولا في التشهد بل يقعد ساكتا. وإذا تمت صلاة المأمومين ، قام الخليفة لتدارك ما عليه ، فإن شاء المأمومون فارقوه وسلموا ، ويستحب أن يشير إليهم بالتسليم. وإن شاءوا صبروا جالسين ليسلموا معه.

ولو أحدث بين الخطبة والصلاة ، جاز أن يستخلف في الصلاة ، لأن التعدد قد جاز في الصلاة ، وهي عبادة واحدة ، فهنا أولى. وكذا لو أحدث في أثناء الخطبة وشرطنا الطهارة.

ولو صلى مع الإمام ركعة من الجمعة ، ثم فارقه لعذر ، لم تبطل صلاته ، وجاز له أن يتمها جمعة. ولو فارقه لا لعذر فإشكال.

ولو أتم الإمام ولم يتم المأمومون ، بأن كانوا مسبوقين ، ولم يستخلف الإمام‌

١٨

جاز لهم أن يستخلفوا كغير الجمعة. وكذا لو كانوا مقيمين وهو مسافر في إحدى الرباعيات.

البحث الثالث

( العدد )

لا تنعقد الجماعة بالواحد ، بل لا بد من العدد إجماعا ، لأن تسميتها « جمعة » من الاجتماع المستلزم للتكثر ، ولأن الإمام شرط وإنما يتحقق مسماه بالمأموم.

والأقرب عندنا أن أقل عدد يجب معه الجمعة خمسة نفر الإمام أحدهم ، لتوجه الخطاب بصيغة الجمع ، والاستيطان شرط وهو مظنة التنازع ، فلا بد من حاكم يفصل بين المتنازعين فوجب الثالث ، ثم لما اعتورت الحوادث للإنسان وجب أن يكون للحاكم نائب يقوم مقامه عند العوارض فوجب رابع ، ثم لما كان التنازع مظنة الافتراء احتيج إلى من يستوفي الحدود بإذن الحاكم مباشرة فوجب خامس. فالأمور الضرورية التي لا بد من حصولها في الاجتماع خمسة نفر.

ولقول الباقر عليه‌السلام : لا تكون الخطبة والجمعة وصلاة ركعتين على أقل من خمسة رهط الإمام وأربعة (١).

ويشترط في العدد أمور :

الأول : الذكورة ، فلا تنعقد بالنساء ولا بالرجال إذا كمل العدد بامرأة أو خنثى مشكل ، أما الخنثى الملحق بالرجال فرجل.

الثاني : التكليف ، فلا ينعقد بالصبي وإن كان مميزا ، ولا بالمجنون وإن لم يكن مطبقا ، إلا أن يكون وقت الإقامة مفيقا.

الثالث : الحرية ، على الأقوى ، فلا تنعقد بالعبد ، قنا كان أو مدبرا أو‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٧ ح ٢.

١٩

مكاتبا أو أم ولد ، لأنه لو انعقدت به لانعقدت بجماعتهم منفردين كالأحرار.

الرابع : الحضر ، على الأقوى ، فلا تنعقد بالمسافر ، وهو الذي يجب عليه القصر. فلو وجب عليه التمام ، كالعاصي بسفره ، ومن قصر سفره عن المسافة ، ومن يتكرر سفره كالملاح ، ومن نوى الإقامة في بلد الجمعة عشرة أيام ، أو أقام أزيد من ثلاثين ، وجبت عليه الجمعة ، لأن السفر غير مؤثر في القصر ، فلا يؤثر في إسقاط الجمعة.

الخامس : الإسلام ، فلا تنعقد بالكافر إجماعا ، وتنعقد بالفاسق بلا خلاف.

السادس : عدم العلم بحدث أحدهم ، فلو أحدث أحدهم مع العلم به والعدد يتم به ، لم تنعقد ما لم يتطهر. ولو لم يعلم ، صحت الجمعة للمتطهرين. وكذا لو ظهر حدث أحدهم وكان جاهلا به ، كواجد المني على الثوب المختص به ، فإن الجمعة تصح لغيره ، ويقضي هو الظهر.

ولا يشترط الصحة ، ولا زوال الموانع من المطر والخوف ، فلو حضر المريض أو المحبوس بالمطر أو الخائف ، وجبت عليهم وانعقدت بهم ، لأن سقوطها عنهم لمشقة السعي ، فإذا تكلفوه زالت المشقة ، فزال مانع الوجوب والانعقاد به.

ولا يشترط دوام العدد في الصلاة ، فلو انعقدت بهم ، ثم انفضوا أو ماتوا أو تجدد عذر كالحدث وغيره بعد تكبيرة الإحرام ، لم تبطل الجمعة ، بل يتمها الباقي جمعة ركعتين ، لأن الأصل عدم اشتراط الاستدامة ، ولأن الصلاة افتتحت جمعة.

وقال عليه‌السلام : الصلاة على ما افتتحت عليه. ولأنهم انفضوا عن النبي (ص) ولم يبق معه إلا اثنا عشر رجلا ، وفيهم نزلت ( وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً ) (١) ثم إنه بنى على الصلاة وهو الرامي ، ولأنهم شرطوا أربعين ، لأن بقاء العدد عنده لا يتعلق باختياره ، وفي الابتداء يمكن تكليفه بأن لا يحرم حتى‌

__________________

(١) سورة الجمعة : ١١.

٢٠