الشيخ بهاء الدين محمّد بن حسين العاملي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البشير
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-8373-07-8
الصفحات: ٤٨٦
بسم الله الرحمن الرحيم ؛ وبه نستعين.
ابهى اصل يبتنى عليه الخطاب ، واولى قول فصل ينتمي اليه أولو الالباب ، حمد من تنزّه عن وصمة التحديد والقياس ، وتقدّس عن ادراك العقول والحواس.
والصلاة (١) على افضل (٢) من ارسله (٣) ، لتبليغ الاوامر والنواهي ؛ واشرف من عرّفه (٤) اسرار الحقائق كما هي ؛ وآله الّذين من انوارهم تقتبس الاحكام ؛ وبآثارهم تعرف مسائل الحلال والحرام ؛ صلوات الله عليهم ما دامت الفروع مترتّبة (٥) على الاصول ، والاجناس متقوّمة (٦) بالفصول.
وبعد ؛ فيقول راجى عفو ربّه الغنيّ «محمّد» المشتهر ب : «بهاء الدين العامليّ» ـ
__________________
(١) م ١ : + والسلام.
(٢) م ١ : ـ افضل.
(٣) م ١ : ارسل.
(٤) م ١ : عرّف.
(٥) د : مرتبة.
(٦) د ، م ١ ، م ٢ : منقسمة.
تجاوز الله عنه ـ : هذا ـ يا اخوان (١) الدين! ـ ما توفّرت عليه دواعيكم ؛ وتكثّرت اليه مساعيكم ، من متن متين ، محرّر الفصول ، ينضمّ خلاصة علم الاصول ؛ فخذوا اليكم زبدة وجيزة ، موصولة الى كنوزه ، ونخبة عزيزة ، مطّلعة على رموزه. والتمس منكم ان لا تبذلوها ، الّا الى طالب يعرف قدرها ، ولا تزفوها ، الّا الى خاطب يغلي مهرها. واذا عثرتم بخلل فاضح ، او وقفتم على زلل واضح ؛ فمنّوا علينا باصلاح الفساد ، وترويج الكساد. واجركم على الله ؛ ولا قوّة الّا بالله.
______________________________________________________
ابهى : من البهى ؛ وهو الحسن.
اصل يبتنى عليه : بان يكون كالاساس له.
الخطاب : قد يراد بالخطاب : الكلام الموجّه نحو الغير للافهام.
وقد يراد به (٢) معناه المصدريّ ؛ اعني : توجيه الكلام نحو الغير لافهامه (٣).
وعلى الاوّل ، جرى قولهم : فلان لا يفهم الخطاب. وعلى الثاني ، قولهم : خطاب الاحمق حماقة.
قول فصل : القول : الكلام ؛ وقد يطلق على اللفظ ؛ تامّا كان ، او ناقصا.
قول فصل ، اي : مفصول لا يشتبه على من سمعه ؛ او فاصل بين البسملة ومقاصد الكتاب.
اما ارادة الفاضل بين الحقّ والباطل ـ كما روي عن «الصادق» عليهالسلام في تفسير
__________________
(١) م ١ : اخواني.
(٢) م ١ : ـ به.
(٣) م ١ : ـ لافهامه.
قوله ـ تعالى. : (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ) ؛ (١) اي (٢) : فاصل بين الحقّ والباطل (٣) ـ ببيان حال كلّ واحد منهما ، فلا يتمشّى في الحمد والصلاة الّا بارتكاب تكلّف.
ينتمي اليه : الانتماء : الانتساب. وانتسابهم اليه بان يقولوا : نحن اصحاب الكلام الفلانيّ. وفيه مبالغة ولا حاجة الى جعله من باب القلب.
وصمة : اي (٤) : النقص والعيب. (٥)
التحديد : بيانه : انّه ـ تعالى شأنه ـ منزّه عن التحديد. والحدّ لا يكون الّا للذاتيّات ؛ وذات الباري لا يتطرّق اليه التركيب ؛ كما صرّح به «شيخ الرئيس» (٦) في رسالته «حدود الاشياء» (٧).
والقياس : اي : مساواة الغير له في شيء من صفاته.
وتقدّس : لانّ الاطّلاع على حقيقة ذات المقدّسة ، ممّا لا مطلع فيه للملائكة المقرّبين والانبياء المرسلين ؛ فضلا عن غيرهم. وكفى في ذلك قول سيّد البشر صلىاللهعليهوآله : «ما عرفناك حقّ معرفتك» (٨). وفي الحديث : «انّ الله احتجب عن العقول ؛ كما
__________________
(١) الطارق / ١٣.
(٢) م ١ ، م ٢ : بمعنى.
(٣) مجمع البيان ٤ / ٤٧٢.
(٤) و ، ل : ـ اي.
(٥) د : ـ اي : النقص والعيب.
(٦) شيخ الرئيس ابو عليّ الحسين بن عبد الله بن سينا ، من اعظم فلاسفة الشيعة. ولد سنة ٣٧٠ وتوفّي سنة ٤٢٨ من الهجرة. من مصنّفاته : الشفاء ، الاشارات والتنبيهات ، النجاة ، المبدأ والمعاد ، حىّ بن يقظان ، معراج نامه و...
(٧) كتاب الحدود / ٤ ، ١١.
(٨) بحار الأنوار ٦٦ / ٢٩٢ ح ٢٣ ، ٦٨ / ٢٣ ح ١.
احتجب عن الابصار. وانّ الملأ الأعلى يطلبونه ؛ كما تطلبونه انتم» (١) ؛ فلا تلتفت الى من زعم انّه قد وصل الى كنه الحقيقة المقدّسة! بل ؛ احثّ التراب في فيه! فقد ضلّ وغوى وكذّب ؛ فانّ الامر ارفع واطهر ان يتلون بخواطر البشر ؛ وكلّما قصره العالم الراسخ ، فهو عن حرم الكبرياء بفراسخ. واقصى ما وصل اليه الفكر العميق ، فهو غاية المبالغة من التدقيق. ونعم ما قال العارف :
«آنچه پيش تو غير آن ره نيست |
|
غايت فكر توست ؛ الله نيست» |
______________________________________________________
بل ، الصفات التي ننسبها اليه ـ سبحانه ـ انّما هو على حسب افهامنا ؛ فانّا نعتقد اتّصافه باشرف طرفي النقيض ، فهو ارفع واجلّ من جميع ما نصفه به. وفي كلام «ابي جعفر» [عليهالسلام] اشارة الى هذا المعنى حيث قال : «كلّما ميّزتموه باوهامكم في ادقّ معانيه ، مخلوق ، مصنوع مثلكم ، مردود اليكم. ولعلّ النمل الصغار تتوهم انّ لله ـ تعالى ـ زبانيتين ؛ فانّ ذلك كمالها. [و] تتوهّم انّ عدمها نقصان لمن لا يتّصف بها. وهكذا حال العقلاء فيما يصفون الله ـ تعالى ـ به» (٢). انتهى كلامه. صلوات الله عليه وعلى آبائه!
عن ادراك العقول : خلافا لاشراقيّين (٣).
والحواس : خلافا لأشاعرة (٤) حيث زعموا انّه يرى في الآخرة.
__________________
(١) بحار الأنوار ٦٦ / ٢٩٢.
(٢) بحار الأنوار ٦٦ / ٢٩٣ ـ ٢٩٢ ب ٣٧ ح ٢٣.
(٣) طائفة من الفلاسفة ، تتّبعون المذهب الفلسفيّ الّذي مؤسّسه «شهاب الدين يحيى بن حبش السهرورديّ» في اواخر القرن السادس الهجريّ.
(٤) الاشاعرة ، مذهب كلاميّ مؤسّسه «ابو الحسن عليّ بن اسماعيل الاشعريّ» في اواخر القرن الرابع الهجريّ.
ردّ على الاشاعرة ؛ حيث قالوا يصحّ رؤيته ـ سبحانه وتعالى ـ مستدلّين بانّ علّة الرؤية ، هي الوجود ؛ وهي موجودة فيه (١). تعالى عن ذلك ؛ وهو الّذي (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ [وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ] وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)(٢).
لتبليغ : اللام للتعليل ؛ لأجل ايصال الأوامر.
اسرار الحقائق : اي : مجنّيّاتها ؛ وهي العلوم الحقيقيّة الثابتة المطابقة للاشياء في انفسها ؛ تصوّريّة كانت او تصديقيّة ؛ ضروريّة كانت ، او نظريّة.
متقوّمة بالفصول : وقد ادّعى في الخطبة ، المناسبة لهذا العلم الّذي هو بصدده ؛ فبدأ بذكر الاصل الّذي هو جزء من مفهوم علم هذا العلم ، وذكر القول والفصل والتحديد والقياس الّتي يبحث عنها في مباديها المنطقيّة ، وبذكر الامر والنهي اللذين ممّا جزءان من موضوع هذا العلم ؛ ثمّ ، بالاحكام والمسائل الحلال والحرام منها الّتي جزء آخر من علم هذا العلم ؛ ثمّ ، صرّح بذكر الفروع والاصول والاجناس والفصول ؛ توضيحا لما اشار اليه اوّلا ، وتفصيلا لما اجمله ثانيا.
من متن متين : اي : قويّ ؛ لكونه قائما على قوائم البراهين ؛ وهو ترشيح.
محرّر : اي لا حشو فيه ولا تطويل.
زبدة : حال من المفعول في قوله : «فخذوا» ؛ وهو ضمير راجع الى ما في قوله : «هذا ما توفّرت عليه دواعيكم».
يعرف قدرها : ليكون عنده معزّزة.
لا تزفوها : من الزفاف.
خاطب : من الخطبة بكسر الخاء ، وهي طلب الزوج.
__________________
(١) كشف المراد / ٣٢٤ ـ ٣٢٣.
(٢) الانعام / ١٠٣.
يغلي مهرها : اي : يبذل لها مهرها غاليا ؛ والمراد كثرة مطالعتها ، ومباحثتها (١) ، والغور على ما يتضمّنه ممّا لا يوجد في غيرها مع ايجاز المباني وجمع المعاني. وفي الكلام استعارة مصرّحة تبعيّة مرشّحة بترشيحين ؛ او مكنيّة وتخييل والترشيحان بحالهما.
اذا عثرتم : اي : اطّلعتم بعد التأمّل.
فاضح : فاحش.
لا قوّة : في العصمة عن السهو والنسيان.
__________________
(١) م ١ ، م ٢ : مباحثتها ومطالعتها.
المنهج الاوّل
في
المقدّمات
ورتّبتها على خمسة مناهج :
المنهج الاوّل :
في المقدّمات.
وفيه مطالب :
المطلب الاوّل :
في نبذة من احواله ومباديه المنطقيّة.
علم هذا العلم ـ في الاصل ـ مركّب اضافيّ. فالاصول : ما يبتنى عليها شيء. والفقه : العلم بالاحكام الشرعيّة الفرعيّة عن ادلّتها التفصيليّة فعلا ، او قوّة قريبة.
وعلميّتها عنها مع ظنّيّتها على التصويب ، ظاهرة ؛ وبدونه خفيّة ؛ الّا ، ان يراد الظاهريّة ، او ظنّها ، او القطع بتعيّن العمل ، والافتاء بها. وخير الثلاثة اوسطها.
والقطعيّات ليست فقها. ومن ثمّ (١) ، لا اجتهاد فيها ؛ كما ينطق به حدّه.
__________________
(١) م ٢ : ثمّة.
ويراد بالاحكام ، المسائل. ولامها جنسيّة لا استغراقيّة ؛ اذ التهيّؤ القريب للاحاطة بالكلّ متعذّر ، او متعسّر.
والتردّد في البعض ثابت ؛ فدخل علم المتجزّي ، وصحّ لا ادري.
امّا علم المقلّد و «جبرئيل» ـ مثلا ـ فخرج بحرف المجاوزة. ولا حاجة الى ضمّ «بالاستدلال» بعده ؛ ك : «الحاجبيّ». (١)
ويراد بالادلّة : الاربعة المعروفة. امّا القياس ، فليس من مذهبا. وستسمع ابطاله ؛ ان شاء الله تعالى. (٢)
______________________________________________________
خمسة مناهج : ووجه الحصر : انّ المذكور فيها : امّا مقصود بالذات ، اولا ؛ الثاني ، الاوّل. والاوّل : امّا ان يبحث فيه عن نفس الادلّة الشرعيّة ، اولا ؛ الاوّل ، الثاني. والثاني : امّا ان يبحث فيه عمّا يشترك بعضها مع بعض فيه ، او عمّا يترجّح به بعضها على (٣) بعض ، او عن حال المستدلّ بها ؛ الاوّل ، الثالث ؛ والثاني ، الخامس ؛ والثالث ، الرابع.
في المقدّمات : المراد بها : مقدّمات الكتاب ؛ لا مقدّمات العلم (٤). الفرق بين مقدّمة الكتاب ومقدّمة العلم : انّ مقدمة الكتاب مطلق اعمّ من ان يتوقّف الشروع عليه اولا ، ومقدّمة العلم ما يتوقّف الشروع عليه.
في نبذة : اي : في فرقة.
__________________
(١) منتهى الوصول والامل / ٣.
(٢) د ، م ١ ، م ٢ : ـ ان شاء الله تعالى.
(٣) ل : مع.
(٤) د ، : ـ المراد بها : مقدّمات الكتاب ؛ لا مقدّمات العلم.
من احواله : كحدّه وثمرته ومرتبته (١).
ومباديه : المراد بمباديه (٢) : ما يتوقّف عليه من الامور الّتي ليست بيّنة بنفسها ؛ ومن شأنها ان يتبيّن في علم آخر ؛ وهي ما عدا مباديه الاحكاميّة (٣).
المنطقيّة : ان قلت : مبادي هذا العلم ـ كما سيجيء ـ من الكلام والعربيّة ـ ايضا ـ فلا وجه لتخصيص المنطق بالذكر التفصيليّ ، دون اخويه ؛ اذ كلّ من الثلاثة علم برأسه وفنّ بانفراده ، فكان الاولى امّا ذكر الكلّ ، او ترك الكلّ.
قلنا : لمّا لم يتمكّن الاصوليّون من ايراد عامّة ما يتوقّف عليه هذا العلم من مباحث علم العربيّة وعلم الكلام ـ اعني اثبات العقائد الدينيّة ـ وكانت تلك المسائل مدوّنة في محالّها مفصّلة على احسن وجه ، لم يتعرّضوا لإيرادها في كتبهم. وامّا المنطق وان شارك اخويه في ذلك ، الّا انّهم لمّا رأوا انّ ما يتوقّف عليه من مباحثه ، يسّره مسائل ، اوردها في كتبهم ؛ ليعلم القدر المتوقّف عليه هذا العلم ؛ ولهذا لم يتعرّض «الحاجبيّ» (٤) وغيره لمباحث الموجّهات ، وذكر النسب بينها ؛ فاتّخذوا حذفها من المباحث.
ان قلت : كان عليهم ان لا يتعرّضوا لذكر شيء من المبادي اللغويّة ؛ لانّها مدوّنة في محالّها ، وايراد ما يحتاج اليه الاصول منها متعذّر او متعسّر ، فكيف ذكروا بعضها؟
__________________
(١) د : ـ كحدّه وثمرته ومرتبته.
(٢) و ، م ١ ، م ٢ : بها.
(٣) د ، : ـ المراد بها ما يتوقّف ... الاحكاميّة.
(٤) الحاجبيّ : جمال الدين ابو عمرو عثمان بن عمرو بن ابي بكر المالكيّ ، المعروف بابن الحاجب ، والحاجبيّ. ولد سنة ٥٧١ وتوفّي سنة ٦٤٦ من الهجرة. له تصانيف ؛ منها : منتهى الوصول والأمل في علمى الاصول والجدل.
قلنا : انّما ذكروا منها نبذة لم تعرف حقّها من البحث في كتب العربيّة كمسائل الاشتراك والترادف والمشتقّ ونحوها. فارادوا ان يوفوها من البحث لشدّة حاجتهم اليها ؛ فلا تغفل!
مركّب اضافيّ : اي : في حال الاضافة والعلميّة معا ؛ لا حال العلميّة ، ولا غير ؛ فلا تغفل!
فالاصول : فسّر الاصول بمعناها اللغويّ ، لا بالادلّة ؛ لئلا يصير هذا المركّب الاضافيّ غير شامل لبعض هذا العلم الّتي ليست ادلّة الفقه ـ ك : مباحث الاجتهاد ـ فيحتاج الى نقل اصول الفقه عن معناها الاصليّ الى معناها العلميّ (١). نعم ؛ يحتاج في قولنا : «اصول الفقه : هو العلم بالقواعد ـ الى آخره ـ» الى إضمار مضاف ؛ اي : علم اصول الفقه ؛ وحذف المضاف شايع ذائع.
والفقه : عرّفه (٢) «العلّامة» (٣) في «النهاية» (٤) و «التهذيب» (٥) ، و «الرازيّ» (٦) في
__________________
(١) د ، ل ، م ٢ ، و : ـ الى معناه العلميّ.
(٢) م ١ ، م ٢ ، : عرّف.
(٣) العلّامة ، ابو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الاسديّ الحليّ. ولد سنة ٦٤٨ وتوفّي سنة ٧٢٦ من الهجرة. له تصانيف عديدة في الفقه والاصول والكلام والفلسفة والمنطق والرجال والحديث والتفسير ؛ منها : ارشاد الاذهان ، منتهى المطلب ، قواعد الاحكام ، نهاية الوصول الى علم الاصول ، تهذيب الوصول الى علم الاصول ، انوار الملكوت ، كشف المراد ، ايضاح الاشتباه ، كشف المقال ، ايضاح المقاصد من حكمة عين القواعد ، جوهر النضيد و...
(٤) نهاية الوصول الى علم الاصول / الورقة ١ / ب.
(٥) تهذيب الوصول الى علم الاصول / ٣.
(٦) فخر الدين محمّد بن عمر بن الحسين الرازيّ ، من اجلّة العلماء الشافعيّة. ولد سنة ٥٤٤
«المحصول» (١) بانّه : «العلم بالاحكام الشرعيّة الفرعيّة المستدلّ على اعيانها بحيث لا يعلم كونها من الدين ضرورة». وقيد المستدلّ ، لاخراج علم المقلّد ؛ فانّه لا يستدلّ على الاعيان. والقيد الاخير ، لاخراج العلم بوجوب الصلاة والصوم ـ مثلا ـ لانّه (٢) ليس فقها.
ولا يخفى ، انّ في خروج علم المقلّد نظرا. وقد يتكلّف له بالعدول عن الظاهر من جعل المستدلّ ـ مبنيّا للمفعول ـ صفة للاحكام ، بجعله مبنيّا للفاعل نعتا للعالم المدلول عليه بالعلم. وامّا على التعريف الّذي اخترناه من ارادة الظنّ الثاني عن الادلّة ـ وهو تعريف «الحاجبيّ» (٣) ـ (٤) فخروج المقلّد والضروريّات ، غير محتاج الى التكلّف والتطويل.
العلم بالاحكام : فالمراد بالعلم بالاحكام ، ظنّها ؛ فخرجت القطعيّات ـ ك : وجوب الصلاة ، وتحريم الزنا ، وكون الصبح ركعتين ـ سواء علمها المجتهد او المقلّد. وليست خارجة بحرف المجاوزة ؛ لانّها عن دليل ـ البتّة ـ وهو الكتاب او السنّة المتواترة ؛ مثلا. وكذا خرج علم «جبرئيل» عليهالسلام وساير المعصومين ـ عليهمالسلام ـ ؛ لانّها قطعيّات. واخراجنا بها علم المعصوم ـ عليهالسلام ـ والمقلّد في ما بعد ، انّما هو على تقدير ان لا يراد بالعلم ، الظنّ. وامّا مطلق علمه ، فيخرج بها على التقديرين.
__________________
ـ وتوفّي سنة ٦٠٦ من الهجرة. له تصانيف ؛ منها : المحصول في علم الاصول ، المحصّل ، التفسير الكبير و...
(١) المحصول ١ / ١٠.
(٢) د ، و : فانّه.
(٣) منتهى الوصول والامل / ٣.
(٤) ل ، : ـ من ارادة ... الحاجبيّ.
فالاحسن ، ان يراد بالعلم في الحدّ : الظنّ ؛ وبهذا يخرج علم «جبرئيل» عليهالسلام «والنبيّ» صلىاللهعليهوآله بالاحكام الشرعيّة على مذهبنا ؛ كما ستعرفه ؛ ان شاء الله تعالى (١). وما نذكره بعد هذا من خروج علم «جبرئيل» عليهالسلام بحرف المجاوزة ، فهو على تقدير ان يراد بالعلم في الحدّ ، القطع او الاعمّ منه ومن الظنّ. وفيه تنبيه على انّه لا يحتاج في اخراج علم «جبرئيل» عليهالسلام الى ضمّ قولنا «بالاستدلال» ؛ واشارة الى انّ كلّا من حروف المجاوزة ، وأخذ العلم بمعنى الظنّ ، صالح بانفراده لاخراجه ؛ وهو ، وان كان تجوّزا ، الّا انّه تجوّز مشهور في الشرع.
الشرعيّة : اي العمليّة.
التفصيليّة : عبارة «الحاجبيّ» هكذا : «وامّا حدّه ـ مضافا ـ : فالاصول : الادلّة [الكلّيّة]. والفقه : العلم بالاحكام الشرعيّة الفرعيّة عن ادلّتها التفصيليّة بالاستدلال» (٢) ؛ انتهى. ونحن (٣) عدلنا عن تفسير الاصول بالادلّة ، لما ذكرناه في الحاشية (٤) وزدنا «فعلا ، او قوّة قريبة» ليتّضح صحّة «لا ادري» ، وليعلم انّه ليس المراد ما يتبادر الى الذهن من العلم بالاحكام ، بالفعل. ونقضنا قوله : «بالاستدلال» لعدم الحاجة اليه ؛ كما سيجيء.
فان قلت : ذكر التفصيليّة في الحدّ غير محتاج اليه ، اذا اريد بالادلّة ، هذه الاربعة ؛
قلت : ذكر التفصيليّة ، لئلّا يحمل الادلّة على ما يعمّ التفصيليّة ، فيدخل في الحدّ علم المقلّد ، اذا استدلّ بعلمه الاجماليّ المشهور.
__________________
(١) م ٢ : ـ ان شاء الله تعالى.
(٢) منتهى الوصول والامل / ٣.
(٣) د : ـ نحن.
(٤) زبدة الاصول / ١٤.
قريبة : يظهر (١) من هذا التحليل ، تعريف المركّب الاضافيّ ، بانّه : ما يبنى (٢) عليه الفقه. وقد جعل بعضهم ثلاثة انواع : بعيد ـ ك : علم العربيّة ـ وقريب ـ هو المباحث الاصوليّة ـ واقرب ـ هو الادلّة التفصيليّة ـ والمراد ـ هنا ـ النوع القريب ؛ فتدبّر!
وجه الامر بالتدبّر : انّ الاقرب ـ هو المتبادر بالثلاثة ـ حاصل. والاقرب على التخصيص بالقرب.
على التصويب : اي على القول بانّ : كلّ مجتهد مصيب.
خفيّة : لانّ كلّ مجتهد ليس قاطعا بانّ الحكم في المسألة الفلانيّة كذا ؛ بل ، ظانّا ؛ والظنّ لا يفيد العلم.
الظاهريّة : فمعنى : العلم بالحكم القطعيّ ، هو الظاهر من هذا الدليل. ولا يخفى ما فيه من التكلّف.
او ظنّها او القطع بتعيّن العمل والافتاء : هذا هو المشهور في تفسير قولهم : «ظنيّة الطريق لا ينافي علميّة الحكم» وفيه من البعد ما لا يخفى ؛ اذ الفقه ليس العلم بتعيّن العمل.
وربّما قيل : انّ تلك العبارة ، من كلام المصوّبة اوردوها (٣) في كتبهم الاصوليّة ؛ والمخطّئة اوردوها (٤) غافلين عن مؤدّاها ؛ وهذا ابعد.
القطعيّات : اي : الفروع الّتي ادلّتها قطعيّة (٥). وفيه تنبيه على انّه لا يصحّ ان يكون العلم في الحدّ بمعنى القطع.
__________________
(١) و : فظهر.
(٢) و : يبتنى.
(٣) م ١ ، م ٢ : اوردها.
(٤) م ١ ، م ٢ : اوردها.
(٥) د : ـ اي : الفروع الّتي ادلّتها قطعيّة.
ليست فقها : من صرّح بانّ العلم بالاحكام والقطعيّة ليست فقها : «الفخريّ» في «المحصول» (١) ، و «العلّامة» (٢) ؛ طاب ثراه.
حدّه : اي : حدّ الاجتهاد (٣) ؛ بانّه : استفراغ الوسع في تحصيل الظنّ بحكم شرعيّ.
ويراد بالاحكام ، المسائل : وليس المراد بها الخطابات ـ كما هو عند الاشاعرة ـ لانّ الخطابات ـ عندنا ـ ليست الّا دلايل الاحكام ؛ فيتّحد الدليل والمدلول. امّا هم ، فحيث قالوا بالكلام النفسيّ ، جعلوه الحكم ، وجعلوا الخطاب اللفظيّ ، دليله.
جنسيّة لا استغراقيّة : و «الحاجبيّ» بعد ما عرّف الفقه بالعلم بالاحكام ـ الى آخره (٤) ـ قال : «واورد [على حدّ الفقه] : ان كان المراد ، البعض ، لم يطّرد ؛ لدخول المقلّد. وان كان الجميع لم ينعكس ؛ لثبوت لا ادري.
واجيب : بالبعض ، ويطّرد ؛ لانّ المراد بالادلة ، الامارات. وبالجميع ، وينعكس ؛ لانّ المراد تهيّؤه للجميع» (٥) ؛ انتهى كلامه. (٦)
__________________
(١) المحصول ١ / ١٠.
(٢) نهاية الوصول الى علم الاصول / الورقة ٢ / الف.
(٣) د : ـ اي : حدّ الاجتهاد.
(٤) منتهى الوصول والامل / ٣.
(٥) منتهى الوصول والامل / ٣. عبارة «الحاجبيّ» هكذا : «واورد على حدّ الفقه : ان كان المراد ، البعض ، لم يطّرد ، او كان العامّيّ فقيها. وان كان الجميع لم ينعكس ، او لم يوجد. واجيب : بالجميع ؛ لانّ المجتهد يعرض كلّ واقعة على ما عنده ويحكم ويلزم رجوعه الى العلم بما يتهيّأ به المجتهد للعلم بالاحكام. ويصحّ بالبعض ويطّرد ان اريد بالادلّة الامارات ؛ لانّه لا يعلمه كذلك الّا فقيه.»
(٦) د : ـ كلامه.
وانت (١) اذا تأمّلته ، ظهر عليك ما اردناه بكلامنا ؛ فلا تغفل!
التهيّؤ : لا يخفى انّه اذا اريد بالفقه : التهيّؤ ، يصير معنى اصول الفقه ـ بالمعنى الاضافيّ ـ : ادلّة التهيّؤ ؛ وهو كما ترى. وامّا على ما اخترناه من ابقاء الاصول على معناها اللغويّ ـ اعني : ما يبتنى عليها الشيء ـ ، فيصير المعنى : ما يبتنى عليه التهيّؤ ؛ وهو معنى صحيح لا غبار عليه. فلو حمل «الحاجبيّ» الاصول على معناها اللغويّ ، يسلم عن محذورين : اوّلهما : هذا ، وثانيهما : نقل الاصول من المعنى الاصليّ الى معنى غير شامل لمباحثه.
متعذّر او متعسّر : والى هذا ينظر كلام «العلّامة» ـ طاب ثراه ـ في «منتهى الاصول» (٢) حيث عرّف الفقه ب : «العلم باكثر الاحكام الشرعيّة الفرعيّة بالاستدلال.» ، وكلام «الآمديّ» (٣) في «الاحكام» حيث عرّفه ب : «العلم [الحاصل] بجملة غالبة (٤) من الاحكام [الشرعيّة الفرعيّة بالنظر والاستدلال].» (٥). ولكن لا يخفى : انّ تعيين حدّ الاكثريّة والاغلبيّة ، لا يخلو من (٦) اشكال. وبعضهم فسّرهما بما يحتاج اليه في الغالب ؛ دون الفروع النادرة الوقوع. وعرّف المجتهد : بالعالم بالاحكام الشرعيّة الفرعيّة العامّة البلوى ؛ سواء كان علمه بها بالفعل ، او بالقوّة القريبة.
__________________
(١) د : ـ انت.
(٢) منتهى الوصول والامل الى علمي الكلام والاصول / الورقة ٧٤ / ب.
(٣) سيف الدين ابو الحسن عليّ بن محمّد بن سالم الثعلبيّ الآمديّ. ولد سنة ٥٥١ وتوفّي سنة ٦٣١ من الهجرة. له تصانيف ؛ منها : الاحكام في اصول الاحكام ، أبكار الافكار و...
(٤) في المصدر : ـ غالبة.
(٥) الاحكام في اصول الاحكام ١ / ٢٢.
(٦) م ١ ، م ٢ : عن.
التردّد : اي : تردّد المجتهدين في كثير من المسائل.
علم المتجزّي : بل ، لو قيل : ان اكثر المجتهدين متجزّءون والمجتهد في الكلّ نادر ، لم يكن بعيدا. غاية ما في الباب : انّ التجزّي مقول بالتشكيك ؛ فبعض المجتهدين متجزّ في الف مسألة ـ مثلا (١) ـ وبعضهم في اقلّ ، وبعضهم في اكثر (٢). ولعلّ من لم يجز التجزّي وعرّف الفقه : بالعلم باكثر الاحكام ، اراد بالمجتهد في الكلّ ، المجتهد في كلّ الاكثر.
و «جبرئيل» : وكذا علم «النبي» صلىاللهعليهوآله (٣) والائمة عليهمالسلام (٤) ؛ عندنا. ويمكن خروج علومهم ممّا (٥) اخترناه من ارادة الظنّ ؛ لانّهم قاطعون بالاحكام ، لا ظانّون ؛ كما سيرد عليك في بحث الاجتهاد ؛ ان شاء الله تعالى.
بحرف المجاوزة : فانّ لفظة «عن» في الحدّ متعلّق (٦) بالعلم ؛ والمراد : انّ العلم بالاحكام ناش عن ادلّتها التفصيليّة. والمتبادر من كون الشيء ناشيا عن شيء ، حصوله عنه من غير واسطة.
ثمّ ؛ انّه في اخراج علم المقلّد ، يعتبر وصف الادلّة التفصيليّة ؛ لا في اخراج علم «جبرئيل».
الاربعة المعروفة : الكتاب ، والسنّة ، والاجماع ، ودليل العقل.
__________________
(١) ل : ـ مثلا.
(٢) و : وبعضهم في اكثر وبعضهم في اقلّ.
(٣) و : ـ صلىاللهعليهوآله.
(٤) و : سلام الله عليه وعليهم.
(٥) و : بما.
(٦) م ١ ، م ٢ : يتعلّق.