البراهين الجليّة - ج ٢

السيّد حسن الصدر

البراهين الجليّة - ج ٢

المؤلف:

السيّد حسن الصدر


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-629-5
ISBN الدورة:
978-964-319-618-9

الصفحات: ٤١٦
الجزء ١ الجزء ٢

١

٢

٣
٤

كلام ابن تيميّة في العسكري‏ عليه‌السلام :

وأمّا ما يكشف لك كذبه ونصبه بالنسبة إلى العسكري فهو ما ذكره ناصر السنّة العلّامة الشيخ عبد العزيز صاحب التحفة الاثنى عشريّة فإنّه ذكر في الباب الثالث منها عند ذكره كتب أهل الحقّ قال ما معناه بالعربي : وأمّا التفاسير فمنها تفسير الإمام الحسن العسكري ، رواه عنه ابن بابويه بإسناده ، ورواه عنه غيره أيضاً بإسناده مع زيادة ونقصان ، وأهل السنّة قد رووا عن العسكري وباقي الأئمّة في التفسير روايات كثيرة كما هي مبسوطة في الدرّ المنثور وفي التفسير الشاهي مجموعة ومضبوطة ، وأمّا ما يرويه الشيعة عن جنابهم لا يطابق ذلك أبداً (١) ، انتهى.

أقول : ذكر محمّد بن الحسن الحرّ العامليّ  ـ  من محدّثي علماء الشيعة الاثنى عشريّة في فوائد كتابه الكبير في الحديث المسمّى بوسائل الشيعة إلى أحكام الشريعة  ـ  : إنّ كتب الحديث التي جمعها أهل العلم بالحديث عن الأئمّة الاثنى عشر ستّة آلاف كتاب وستمائة كتاب (٢) . وواحد منها المهذّب الصافي المعروف بالكافي لثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني المجدّد على رأس المائة الثالثة على طريقة أهل البيت ، كما اعترف بذلك ابن الأثير في شرحه لحديث المجدّدين في رأس كلّ مائة (٣) ، فعدّ الإمام

__________________

(١) التحفة الاثنى عشرية : ١٧١ .

(٢) وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ٣٠ : ١٦٥ .

(٣) جامع الاُصول من أحاديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ١٢ : ٢٢٢ .

٥

محمّد الباقر عليه‌السلام في المجدّدين في رأس المائة الاُولى على طريقة أهل البيت ، والإمام الرضا عليه‌السلام في رأس المائة الثانية ، وأبا جعفر محمّد بن يعقوب الكليني في رأس المائة الثالثة ، وكتابه الكافي يشتمل على ستّة عشر ألف حديث وستمائة حديث عن أهل البيت عليهم‌السلام .

أقول : الإنصاف إنّ الحنفية أدرى وأجمع لفتاوي إمامهم من الشافعيّة ، والشافعيّة أعرف منهم بفتاوى الإمام الشافعي ، وهكذا أهل كلّ مذهب من المذاهب ، وهذا هو الإنصاف ، لا كابن تيميّة يكابر العيان والوجدان و ينفي وجود رواية في العلم عنهم ولهم ، و يكذّب من يذكر ذلك في ترجمتهم كما عرفت .

وأيضاً في صفحة ١٣١ من الجزء الثاني من منهاج الحشويّة قال : وأمّا قوله : كان ولده الحسن العسكري عالماً زاهداً فاضلاً عابداً أفضل أهل زمانه روت عنه العامة كثيراً ، فهذا من نمط ما قبله من الدعاوي المجرّدة والأكاذيب المثبتة فإنّ العلماء المعروفين بالرواية الذين كانوا في زمن هذا الحسن بن عليّ العسكري ليست لهم عنه رواية مشهورة في كتب أهل العلم . قال : فكيف يقال : روت عنه العامة كثيراً ؟ وأين هذه الروايات ؟ وقوله : إنّه كان أفضل أهل زمانه من هذا النمط (١) ، انتهى .

وقال في صفحة ٢١٣ من الجزء الرابع : إنّ العسكريين ونحوهما من طبقة أمثالهما لم يعلم لهما تبرز في علم ودين (٢) ، انتهى .

أقول : قال السمعاني في كتاب الأنساب الكبير في ترجمة الحافظ الكبير أبو محمّد أحمد بن إبراهيم البلاذري : وكتب بمكّة عن إمام أهل

__________________

(١) منهاج السنّة ٤: ٨٦ ـ ٨٥ .

(٢) نفس المصدر ٨ : ٢٦٣ .

٦

البيت أبي محمّد الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى الرضا (١) ، انتهى .

وأخرج له أبو الحسين ابن المهتدي باللَّه (٢) .

وروى عنه أحمد بن محمّد بن مهران الرازي (٣) في مناقب أهل البيت ، كذا في كشف الأحوال في نقد الرجال (٤) .

وقد عرفت نصّ كبار السنّة كالعلّامة صاحب التحفة وغيره بأنّ أهل السنّة قد رووا عن الحسن العسكري وباقي الأئمّة في التفسير روايات كثيرة ، وقال في التحفة : إنّها في الدرّ المنثور مبسوطة ، وفي التفسير الشاهي مجموعة ومضبوطة (٥) .

وقال أبو الفرج ابن الجوزي  ـ  وهو من الكبار  ـ  في كتابه تحريم الخمر بعد روايته عن الإمام الحسن العسكري عن آبائه حديثاً مسلسلاً ب«أشهد باللَّه» في حرمة الخمر : قال أبو نعيم الفضل بن دكين : هذا حديث صحيح

__________________

(١) الأنساب ١ : ٤٤٤ / ١٥٢٦ .

(٢) الشريف الإمام العالم الخطيب المحدّث مسند العراق أبو الحسين محمّد بن محمّد بن علي بن محمّد المهتدي باللَّه الهاشمي ، المعروف بابن الغريق ، كان فاضلاً نبيلاً ثقة صدوقاً ، سمع الدارقطني وابن شاهين ، توفّي سنة ٤٦٥ ه . تاريخ بغداد ٣ : ١٠٨ / ١١١٢ ، سير أعلام النبلاء ١٨ : ٢٤١ / ١١٧ .

(٣) أبو جعفر الرازي ، من كبار الآخذين عن تبع الأتباع ، وأحد مشايخ خراسان ، ذكره ابن حبّان في الثقات ، وعند ابن حجر ثقة حافظ ، توفّي سنة ٢٣٩ ه . انظر تهذيب الكمال ٢٦ : ٥١٩ / ٥٦٣٧ .

(٤) الكتاب في الجرح والتعديل لعبد الوهّاب بن محمدّ بن غوث المدراسي ، الفقيه الاُصولي كان حيّاً سنة ١٢٧٧ ه . انظر معجم المؤلفين ٢٣٠:٦، عبقات الأنوار ١٠٥٢:٢٣ .

(٥) التحفة الاثنا عشرية : ١٧١ ، تقدّم في ج ٤٠٣:١ .

٧

ثابت روته العترة الطيّبة الطاهرة (١) ، انتهى .

وأمّا ما كذّبه من حكاية أنّه كان أفضل أهل زمانه ، فقد نصّ عليه ابن الصبّاغ المالكي في آخر الفصل الحادي عشر ما لفظه : مناقب سيّدنا أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكري دالّة على أنّه السري بن السري ، فلا يشكّ أحد في إمامته ولا يمتري ، واعلم أنّه متى بيعت مكرمة فسواه بايعها وهو المشتري ، واحد زمانه غير مدافع ، وشيخ وقته غير منازع ، وسيّد أهل عصره ، وإمام أهل دهره ، أقواله سديدة ، وأفعاله حميدة ، و إذا كان أفاضل زمنه قصيدة فهو بيت القصيدة ، و إن انتظموا عقداً كان مكان الواسطة الفريدة ، فارس العلوم الذي لا يجارى ، ومبين غوامضها فلا يجادل ولا يماري ، كاشف الحقائق ، ينظر بالصائب مظهر الدقائق بفكره الثاقب ، المحدّث في سرّه بالاُمور الخفيّات ، الكريم الأصل والذات ، تغمّده اللَّه برحمته (٢) .

لكن ابن تيميّة يمتري ولا يقرّ له ولا لآبائه بالفضل العليّ ، فاعرف مقام أئمّة أهل البيت عند كبار علماء السنّة حتّى يظهر لك نصب ابن تيميّة ، وقوّته على الكذب حتّى نفي عنه البلوغ في العلم مبلغ المجتهدين ، قال في صفحة ٨٩ من الجزء الثاني من منهاج الحشويّة ما لفظه بحروفه : القياس ولو أنّه ضعيف هو خير من تقليد من لم يبلغ في العلم مبلغ المجتهدين ، فإنّ كلّ من له علم و إنصاف يعلم أنّ مثل مالك والليث بن سعد والأوزاعي وأبي حنيفة والثوري وابن أبي ليلى ومثل الشافعي وأحمد و إسحاق وأبي عبيد

__________________

(١) انظر مرآة الزمان في تواريخ الأعيان١٥ : ٤١٨ ـ ٤١٩ ، وتذكرة الخواص : ٣٢٤ ، وحلية الأولياء ٣: ٢٠٤ .

(٢) الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة : ٢٩٠ .

٨

وأبي ثور أعلم وأفقه من العسكريين وأمثالهما (١) ، انتهى .

والظاهر أنّه يريد بأمثالهما موسى بن جعفر والرضا والجواد عليهم‌السلام بقرينة ما ذكره فيهم ، وقد تقدّم نقله بلفظه وحروفه ، والقيام بحقّ أهل البيت يقتضي أن لا يقاسوا بأهل الرأي والقياس والاستحسان وخَدَمَة السلطان ، فإنّ الحافظ الذهبي قال : قال أبو حاتم : الثوري ليس محلّه محلّ المستمعين في الحديث ، كان يتكلّم بالرأي (٢) .

قال : والأوزاعي قال فيه أحمد بن حنبل : رأي ضعيف وحديث ضعيف (٣) .

وقال : تكلّم الناس في الزهري ، وخضب بالسواد ، ولبس زي الجند ، وخدم هشام بن عبد الملك (٤) .

وابن حنبل تكلّم فيه العلماء ، وليّنه في إبراهيم بن سعد (٥) .

وأمّا مالك فقال فيه أبو حامد الغزالي في المسلك الثالث من المنخول ما لفظه بحروفه : فأمّا مالك فقد استرسل على المصالح استرسالاً جرّه ذلك إلى قتل ثلث الاُ مّة لاستصلاح ثلثيها ، و إلى القتل والتعزير والضرب بمجرّد التهم ، إلى غير ذلك ممّا أومأنا إليه في أثناء الكتاب .

ثمّ قال : وأمّا أبو حنيفة فقد قلب الشريعة ظهراً لبطن ، وشوّش

__________________

(١) منهاج السنّة النبوية ٣ : ٤٠١ ـ ٤٠٢ .

(٢) الرواة الثقات المتكلّم فيهم للذهبي : ٤١ ، وانظر الجرح والتعديل لأبي حاتم ٢ : ٩٨ ، وفيه : المتّسعين بدل : المستمعين ، وميزان الاعتدال ١ : ٢٩ / ٨٠ .

(٣) الرواة الثقات المتكلّم فيهم للذهبي : ٢٥ ، وانظر تاريخ بغداد ١٣ : ٤٤٥ / ١٢٢ .

(٤) الرواة الثقات المتكلّم فيهم للذهبي : ٢٦ ، وانظر سير أعلام النبلاء ٧ : ١١٣ ، وتذكرة الحفّاظ ١ : ١٠٨.

(٥) الرواة الثقات المتكلّم فيهم للذهبي : ٥٦  ـ  ٥٧ .

٩

مسلكها ، وغيّر نظامها .

إلى أن قال : ولو لا شدّة الغباوة وقلّة الدراية وتدرّب القلوب على اتّباع التقليد والمألوف لما اتّبع مثل هذا المتصرّف في الشرع من سلم حسّه فضلاً عمّن يشتدّ نظره ، ولهذا اشتدّ المطعن (١) والملعن من سلف الأئمّة فيه ، إلى أن نموه (٢) برومة خرم الشرع ، وهو الذي قطع به القاضي أبو بكر (٣) .

أقول : قال الغزالي في الباب الثاني من كتاب الترجيح من المنخول : قال القاضي أبو بكر : ولا أكترث بمخالفة أبي حنيفة فإنّي أقطع بخطأه في تسعة أعشار مذاهبه التي خالف فيها خصومه ، فإنّه أتى فيها بالزلل في قواعد اُصوليّة يترقى القول فيها عن مظان الظنون ، كتقديمه القياس على الخبر ، ورجوعه إلى الاستحسان الذي لا مستند له ، انتهى كلام القاضي (٤) .

وقال الغزالي في الباب السادس من الاستحسان في كتاب المنخول ما لفظه : وقد قال قائلون من أصحاب أبي حنيفة : الاستحسان مذهب لا دليل عليه ، وهذا كفر من قائله ، وممّن يجوز التمسك به ، فلا حاجة فيه إلى دليل (٥) .

وقال الغزالي عند ذكر القياس ما لفظه : وأفحشه أبو حنيفة في درء الحدود في السرقة والقصاص حتّى أبطل قاعدة الشرع ، وفي إثباتها حتى أوجب الحدّ في شهود الزور ، وأوجب قطع السرقة بشهادة شاهدين يشهد

__________________

(١) في المصدر : الغمز بدل : المطعن .

(٢) في المصدر : اتهموه بدل : نموه .

(٣) المنخول : ٥٠٠  ـ  ٥٠٤ .

(٤) المنخول : ٤٣٩ .

(٥) نفس المصدر : ٣٧٥ .

١٠

أحدهما على أنّه سرق بقرة بيضاء ويشهد الآخر على بقرة سوداء لاحتمال أنّ البقرة كانت ملمّعة ، وقاس غير الجماع على الجماع في الصوم في إيجاب الكفارة ، والخطأ في قتل الصيد على العمد في إيجاب الجزاء مع اختصاص النصّ بالعمد ، وقد نزح ماء البئر عند نجاسته بثلاثين دلواً قياساً ، انتهى ما نقلناه من منخول الغزالي (١) ، وعندي نسخة صحيحة قديمة عليها خطّه وتصحيحه .

وحكى الخطيب في تاريخه عند ذكره لأبي حنيفة : أنّ أحمد بن حنبل سئل عن النظر في كتب أبي حنيفة أيجوز ؟ فقال : لا (٢) .

وقال البخاري في التاريخ الصغير : حدّثنا نعيم بن حمّاد قال : حدّثنا الفزاري قال : كنت عند سفيان فنعي النعمان فقال : الحمد للَّه كان ينقض الإسلام عروة عروة ، ما ولد في الإسلام أشأم منه (٣) .

وقال الحافظ الذهبي : قال ابن الشرفي : كان يحيى بن معين وأبو عبيدة سيّئا الرأي في الشافعي (٤) ، انتهى .

والعسكريان عليهما‌السلام وأمثالهما من آبائهم أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، لم يقدح فيهم أحد ، ولا استدرك عليهم عالم ، بل قالوا : إنّ عندهم علم القرآن الذي فيه تبيان كلّ شي‏ء ؛ لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قرنهم بالقرآن وأمر الاُ مّة بالتمسّك بهم وأخبر أنّهما لن يفترقا حتّى يردا على رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله حوضه ، ولذا

__________________

(١) نفس المصدر : ٣٨٥  ـ  ٣٨٦ .

(٢) انظر تاريخ بغداد ( ترجمة أبي حنيفة ) ١٣ : ٤٤٤ ـ ٤٥٠ ، وجامع مسانيد أبي حنيفة للخوارزمي ١ : ٦٧ ، واستخراج المرام ٣ : ٢٧٤ .

(٣) التاريخ الصغير ٢ : ٩٢ ـ ٩٣ .

(٤) الرواة الثقات المتكلّم فيهم للذهبي : ٣١ .

١١

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله: « لا تقدِّموهم فتهلكوا ، ولا تقصِّروا عنهم فتهلكوا ، ولا تعلِّموهم فإنّهم أعلم منكم » أخرجه الطبراني وغيره (١) .

ومن كان كذلك يكون أماناً لهذه الاُمّة ، يُهدى بهم كما يُهتدى بنجوم السماء ، كما في حديث ابن عبّاس عن رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : قال رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لاُمّتي من الاختلاف ، فإذا خالفتهم قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس » (٢) .

وأيضاً فإنّ عندهم علم الأوليّن والآخرين ، وتقريب الاستدلال من ثلاث مقدّمات مسلّمات :

الاُولى : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان عنده علم القرآن ظاهره وباطنه وتأويله وحقائقه ولطائفه و إشاراته وغيرها ، وهذه المقدّمة ضروريّة.

الثانية : أنّ في القرآن علم الأوّلين والآخرين لقوله تعالى : ( وَ كُلَّ شَىْ‏ءٍ أَحْصَيْنَهُ فِى إِمَامٍ مُّبِينٍ ) (٣) ، وقال تعالى : ( مَّا فَرَّطْنَا فِى الْكِتَبِ مِن شَىْ‏ءٍ ) (٤) ، وقال تعالى : ( وَ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَبَ تِبْيَنًا لِّكُلِّ شَىْ‏ءٍ ) (٥).

الثالثة : أنّهم ورثوا ذلك بقدرة اللَّه وصاروا مثل رسول اللَّه عندهم علم القرآن الذي كان عند رسول اللَّه ؛ لقوله : « من سرّه أن يحيى حياتي و يموت مماتي و يسكن جنّة عدن التي غرسها ربّي فليوال عليّاً من بعدي ،

__________________

(١) المعجم الكبير ٥ : ١٦٦ ـ ١٦٧ / ٤٩٧١، مجمع الزوائد ٩ : ١٦٣ ـ ١٦٤، كنز العمّال ١ : ١٨٨ / ٩٥٧ ـ ٩٥٨، الدر المنثور ٢ : ١٦٠ .

(٢) المستدرك للحاكم ٣ : ١٤٩ ، كنز العمّال ١٢ : ١٠١ ـ ١٠٢ / ٣٤١٨٩، سبهل الهدى والرشاد ١١ : ٦ ـ ٧ .

(٣) سورة يس ٣٦ : ١٢ .

(٤) سورة الأنعام ٦ : ٣٨ .

(٥) سورة النحل ١٦ : ٨٩ .

١٢

وليوال وليّه ، وليقتد بأهل بيتي من بعدي ، فإنّهم عترتي خلقوا من طينتي ، ورزقوا فهمي وعلمي ، فويل للمكذّبين بفضلهم من اُمّتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم اللَّه شفاعتي » . أخرجه الطبراني في معجمه ، والسيوطي في الجوامع ، وعليّ المتّقي في كنز العمّال ، والسيد عليّ بن شهاب الدين الهمداني في مودّة القربى وروضة الفردوس ، والمحبّ الطبري في ذخائر العقبى ، وغيرهم (١).

وأيضاً هم من الأقطاب باتّفاق أهل الفضل من العرفاء كما تقدّم نصّهم على ذلك ، والقطب يعلم علم الأولين والآخرين ، قال أبو الحسن الشاذلي في علامات القطب : ومنها علم الإحاطة بكلّ علم ومعلوم .

قال البغوي في تفسير قوله تعالى : ( اهْدِنَا الصِّرَ طَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَ طَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ) (٢) : قال أبو العالية : هم آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأبو بكر ، وعمر (٣) .

أقول : فكيف صحّ لابن تيميّة أن يقول : لم يبلغوا في العلم مبلغ المجتهدين (٤) . و ينقص منهم بأنّ المقلِّد لهم أضعف تمسّكاً من المتمسّك بضعيف القياس ، فهل يبقى شكّ لمنصف في نصب ابن تيميّة فيهم وكفره بما ورد عن جدّهم فيهم ، وهل الكفر إلّا هذا ؟!

__________________

(١) المعجم الكبير ٥ : ١٩٤ / ٥٠٦٧ ، جمع الجوامع ( جامع الأحاديث ) ٧ : ٢٢٩ / ٢٢٠٩٢ ، كنز العمّال ١٢ : ١٠٣ /  ٣٤١٩٨ ، حلية الأولياء ١ : ٨٦ ، فرائد السمطين ١ : ٥٣ ، تاريخ دمشق ٤٢ ، ٢٤٠ ، شرح النهج لابن أبي الحديد ٩ : ١٧٠ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٠٨، ينابيع المودّة ١ : ٣٧٩  ـ  ٣٨٠ و ٣٨٢ .

(٢) سورة الفاتحة ١ : ٦ ـ ٧ .

(٣) تفسير البغوي ١ : ١٥ .

(٤) منهاج السنّة النبوية ٣ : ٤٠١ ـ ٤٠٢ .

١٣

في نصب ابن تيميّة وتشنيعه على المهدي‏ عليه‌السلام :

فصل : وقد كفر ابن تيميّة في كلامه في المهدي المنتظر الحجّة محمّد بن الحسن العسكري في صفحة ١٣٢ من الجزء الثاني وفي صفحة ٢١٢ من الجزء الرابع بالكفر الصريح البراح نعوذ باللَّه منه فإنّه قال : إن قدّر وجوده فهو شرّ محض لا خير ، وخلق مثل هذا ليس من فعل الحكيم العادل (١) .

وقال في صفحة ٢١٢ من الجزء الرابع بعد ذكره لجماعة من المدّعين المهدويّة من الكذّابين مثل مهدي القرامطة وابن تومرت وأمثالهما قال : و بكلّ حال فهو ـ  يعني ابن تومرت وأمثاله ـ خير من مهدي الرافضة الذي ليس له عين ولا أثر ، ولا يعرف له حسّ ولا خبر ، ولم ينتفع به أحد لا في الدنيا ولا في الدين ، بل حصل باعتقاد وجوده من الشرّ والفساد ما لا يحصيه إلّا ربّ العباد .

إلى أن قال بعد ذكر بعض الكذّابين ما لفظه : ومع هذا فهؤلاء مع ما وقع لهم من الجهل والغلط كانوا خيراً من منتظر الرافضة ، و يحصل لهم من النفع ما لا يحصل بمنتظر الرافضة ، ولم يحصل بهم من الضرر ما حصل بمنتظر الرافضة ، بل ما حصل بمنتظر الرافضة من الضرر أكثر منه (٢) ، انتهى .

وهذا نصّ في التنقيص والإهانة والشتم والحطّ والتشنيع على حجّة اللَّه ووليه وابن رسوله ، فهو كفر بما جاء به الرسول في عترته وآله وأهل بيته وقرباه بالضرورة ، وكفر بالإمام المنصوص بنصّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله .

__________________

(١) منهاج السنّة النبوية ٤ : ٩٠ .

(٢) نفس المصدر ٨ : ٢٥٩ـ٢٦٠ .

١٤

وقد تكلّم بنحو هذا الكلام في مواضع من كتابه منهاج السنّة منها ما عرفت ، ومنها في صفحة ٢٧ وصفحة ٢٨ وصفحة ٢٩ من الجزء الأوّل ، وفي الجزء الثاني في صفحة ٣١ إلى صفحة ٣٤ وهو أبسط مواضع تكلّمه (١) ، وقد عزمت على استقصاء ما تكلّم به في هذا الفصل أداء لحقّ آل رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنقل شيئاً فشيئاً واُزيّفه إن شاء اللَّه تعالى .

قال : فصل : قال الرافضي : وولده مولانا المهدي محمّد عليه‌السلام ، روى ابن الجوزي بإسناده إلى ابن عمر قال : قال رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي ، اسمه كاسمي ، وكنيته كنيتي ، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ، فذلك هو المهدي » (٢) .

فيقال : قد ذكر محمّد بن جرير الطبري وعبد الباقي بن نافع وغيرهما من أهل العلم بالأنساب والتواريخ أنّ الحسن بن عليّ العسكري لم يكن له نسل ولا عقب ، والإماميّة الذين يزعمون أنّه كان له ولد يدعون أنّه دخل السرداب بسامرا وهو صغير ، منهم من قال عمره : سنتان ، ومنهم من قال : ثلاثة ، ومنهم من قال : خمس سنين (٣) .

أقول : قد تتبّعت كتاب تاريخ الاُمم والملوك لأبي جعفر بن جرير وكتاب الذيل المذيل له أيضاً فلم أجد فيهما ما نسبه إلى ابن جرير ، ولا يحضرني كتاب عبد الباقي بن نافع حتّى أنظر إلى ما ذكر ، فإنّ صحّ أنّهما قالا : إنّ الحسن بن عليّ العسكري لم يكن له نسل ولا عقب ، فقد غلطا غلطاً فاحشاً ، كذبا به على اللَّه ، وافتريا على رسول اللَّه وعلى آل

__________________

(١) منهاج السنّة ١ : ١١٠ ـ١١٨ .

(٢) تذكرة الخواص : ٣٢٥ .

(٣) منهاج السنّة النبوية ٤ : ٧٨ .

١٥

رسول اللَّه ، وإذا لم يثبت عندهما ذلك فليس لهما النفي أقصاه عدم العلم .

وأمّا دعوى العلم بالعدم في مثل المقام ، فمن أقبح الدعاوي ، وأفضح المقالات على مدّعيها ، كيف وقد نصّ جماعة من كبار النسّابين والمورّخين والمحدّثين وأهل المعرفة والدين من أهل السنّة على أنّه ولد للحسن العسكري محمّد بن الحسن المهدي وتزعم الشيعة أنّه المنتظر ، ووافقهم جماعة من علماء السنّة ، وأنّه المهدي الموعود المنتظر كما ستعرف .

نصوص النسّابين على تولّد المهدي ابن الحسن العسكري‏ عليهما‌السلام :

أمّا علماء النسب فهذا شيخهم أبو نصر سهل بن عبد اللَّه البخاري (١) المشهور روايته في كتابه سرّ السلسلة العلوية وربّما يقال له : كتاب سرّ أنساب العلويين عند ذكره للإمام عليّ بن محمّد الهادي وأولاده ما لفظه بحروفه : واتّفقوا على أنّ المعقب من أولاده ابنان : الحسن العسكري الإمام ، وجعفر الكذّاب ، وذكر ولد جعفر الكذّاب .

قال : سرّ و إنّما تسمّيه الإماميّة بالكذّاب لأنّه ادّعى ميراث أخيه الحسن بن عليّ دون ابنه محمّد بن الحسن القائم المهدي لا طعن في نسبه .

ثمّ قال : أمّا الحسن العسكري الإمام وله ابن واحد محمّد الإمام و بنتان أحدهما فاطمة درجت في حياة أبيها ، والثانية أيضاً كذلك (٢) ، انتهی .

__________________

(١) النسّابة الشهير ، كان حيّاً سنة ٣٤١ ه . تاريخ بغداد ٩ : ١٢٣ / ٤٧٢٨ .

(٢) سرّ السلسة العلوية : ٤٠ ـ ٣٩ ، وانظر الشجرة المباركة للفخر الرازي : ٩٢ ـ ٩٣ ، ومعارج الوصول إلى فضل آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : ١٧٠ . ، انتهى .

١٦

وظاهره نقل اتّفاق النسّابة على عقب الحسن العسكري وجعفر أخيه ، فتأمّله .

وقال في أنساب الطّالبيين : أمّا أبو الحسن عليّ النقي فله من الأبناء ستّة : أبو محمّد الحسن العسكري الإمام ، وأبو عبد اللَّه جعفر الذي لقّبوه بالكذّاب لا طعن في نسبه بل لأنّه طعن في إمامة صاحب الزمان ، والحسين مات قبل أبيه بسرّ من رأى ، وموسى ، ومحمّد وهو أكبر أولاده ، وعليّ . واتّفقوا أنّ المعقّب من أولاده اثنان : الحسن العسكري الإمام وجعفر الكذّاب ، وله من البنات ثلاثة : عائشة ، وفاطمة ، وبريهة . وزوج بريهة محمّد بن محمّد التقي . وأمّا الحسن العسكري الإمام له ابن واحد هو محمّد الإمام ، وبنتان : فاطمة درجت في حياة أبيها ، والثانية كذلك (١) ، انتهى .

وقال الشريف النسّابة أحمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن مهنا بن عنبة (٢) الحسني في كتابه أنساب آل أبي طالب الذي صنّفه للسلطان محسن ابن محمّد بن فلّاح ما لفظه : فأعقب عليّ الرضا و يكنّى أبا الحسن من ابنه محمّد الجواد تاسعهم ، أعقب من ولدين عليّ الهادي عاشرهم وموسى المبرقع ، فأعقب عليّ الهادي من رجلين الإمام أبو محمّد الحسن العسكري حادي عشرهم ، وهو والد محمّد المهدي ثاني عشرهم ، وهو القائم المنتظر عند الإماميّة (٣) ، انتهی .

__________________

(١) انظر الشجرة المباركة في أنساب الطالبيين للفخر الرازي : ٩٢ ـ ٩٣ ، أنساب الطالبيين للسمرقندي : ٨٧.

(٢) في النسخ : عقبة .

(٣) انظر عمدة الطالب الصغرى : ١١١ ، الفصول الفخرية : ١٣٤ ـ ١٣٥ ، وعمدة الطالب في أنساب آل طالب : ٢٢٨ ، والجميع لابن عنبة . ، انتهى .

١٧

وقال سيّد النسّابين ابن عنبة الداودي في كتابه عمدة الطالب : أمّا عليّ الهادي ، إلى أن قال : وأعقب من رجلين هما الإمام أبو محمّد الحسن العسكري كان من الزهد والعلم على أمر عظيم ، وهو والد الإمام محمّد المهدي ثاني عشر الأئمّة عند الإماميّة ، وهو القائم المنتظر عندهم ، من أم ولد اسمها نرجس (١) ، انتهى .

وقال مؤلّف كتاب صحاح الأخبار في نسب السادة الفاطميّة الأخيار شيخ الإسلام البحر الطام حجّة اللَّه على أولياءه الكرام بركة الأنام أبو المعالي محمّد سراج الدين الرفاعي ثمّ المخزومي الشريف الكبير ما لفظه : فالحسن العسكري أعقب صاحب السرداب الحجّة المنتظر ولي اللَّه الإمام محمّد المهدي عليه‌السلام .

قال : والحسن العسكري ليس له إلّا الإمام محمّد المهدي‏ عليه‌السلام (٢) ، انتهى .

فزاد على الإثبات المشاركة مع الإماميّة في العقيدة فيه .

وممّن رأيته أيضاً أثبت للحسن العسكري محمّد بن المهدي من النسّابين ابن المهنا العبيدلي النسّابة المعروف في مشجّرته المسمّاة بالتذكرة (٣) .

ومنهم أيضاً كذلك صاحب سبائك الذهب خطّ للحسن محمّد المهدي ، ثمّ ذكر ما تزعمه الشيعة في أنّه المنتظر (٤)

__________________

(١) عمدة الطالب : ٢٢٨ .

(٢) صحاح الأخبار : ٥٤ ، وانظر ملحقات إحقاق الحقّ ١٩ : ٦٢٣ .

(٣) التذكرة : ١١١ .

(٤) سبائك الذهب في أنساب العرب : ٧٨ ، وانظر قلائد الذهب : ٧٩ .

١٨

وفيما نقله أبو نصر البخاري النسّابة من اتّفاق النسابين على أنّ للحسن العسكري ابن اسمه محمّد المهدي كفاية .

نصوص المحدّثين على وجود المهدي‏ عليه‌السلام :

وأمّا علماء الحديث والتاريخ الذي رأيتهم نصّوا على تولّده و بقائه و إمامته وهم من كبار الحفّاظ فجماعة :

نصّ الشيخ ابن الخشّاب :

منهم : الشيخ العالم الأريب الأوحد حجّة الإسلام أبو محمّد عبد اللَّه ابن أحمد بن محمّد الخشّاب ، أسنده في كتابه تواريخ مواليد الأئمّة وفياتهم عن أبي بكر أحمد بن نصر بن عبد اللَّه بن الفتح الدارع النهرواني ، حدّثنا صدقة بن موسى ، حدّثني أبي ، عن الرضا عليّ بن موسى عليه‌السلام قال : « الخلف الصالح من ولد أبي محمّد الحسن بن عليّ ، وهو صاحب الزمان ، وهو المهدي » .

وحدّثني الجرّاح بن سفيان قال : حدّثني أبو القاسم طاهر بن هارون ابن موسى العلوي ، عن أبيه هارون ، عن أبيه موسى قال : قال سيّدي جعفر ابن محمّد : « الخلف الصالح من ولدي ، هو المهدي ، اسمه محمّد ، وكنيته أبو القاسم ، يخرج في آخر الزمان يقال لاُمّه : صيقل » ، قال لنا أبو بكر الدارع : وفي رواية اُخرى : « بل اُمّه حكيمة » ، وفي رواية اُخرى ثالثة يقال لها : « نرجس » ، ويقال : بل « سوسن » ، واللَّه أعلم بذلك ، يكنّى بأبي القاسم وهو ذو الاسمين : خلف ، ومحمّد . يظهر في آخر الزمان ، على رأسه غمامة تظلّه

١٩

من الشمس ، تدور معه حيث ما دار ، تنادي بصوت فصيح هذا هو المهدي .

حدّثني محمّد الطوسي قال : حدّثنا أبو السكيّن عن بعض أصحاب التاريخ أنّ اُمّ المنتظر يقال لها : حكيمة .

حدّثني محمّد بن موسى الطوّسي ، حدّثني عبيد اللَّه بن محمّد عن الهيثم بن عدي قال : يقال كنية الخلف الصالح : أبو القاسم ، وهو ذو الاسمين ، هذا آخر الكتاب (١) .

وقد ذكره السيوطي في طبقات النحاة وبالغ في الثناء عليه (٢) ، وكذلك ابن خلّكان قال بعد الترجمة : المعروف بابن الخشّاب البغدادي العالم المشهور في الأدب والنحو والتفسير والحديث والنسب والفرائض والحساب ، وحفظ القرآن العزيز بالقراءات الكثيرة وكان متضلّعاً من العلوم وله فيها اليد الطولى (٣) ، إلى آخر ما ذكره .

نصّ البلاذري الصغير لا البلاذري الكبير :

ومنهم : الحافظ البلاذري أبو محمّد أحمد بن إبراهيم هاشم الطوسي فإنّه لا قاه وكتب عنه ، وأخرج ذلك كبار علماء السنّة والجماعة له في مصنّفاتهم كما حكاه علّامّة عصره الشاه ولي اللَّه الدهلوي والد شاه صاحب عبد العزيز صاحب التحفة في الردّ على الإماميّة في كتابه النزهة عن والده

__________________

(١) تاريخ مواليد الأئمة ( المطبوع ضمن مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمة ) : ٢٠١ ، وانظر كشف الغمّة ٢ : ٤٧٥ ، والهداية الكبرى : ٣٢٨ ، وتاريخ الإسلام للذهبي ٢ : ١٦٠ ، والفصول المهمّة : ٢٩٢ ، ووفيات الأعيان ٤ : ٣١ / ٥٦٢ ، ونور الأبصار : ١٨٥ ، بحار الأنوار ٥١: ٢٤ .

(٢) بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ٢ : ٢٩ / ١٣٥٣ .

(٣) وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ٣ : ٨٤ / ٣٥٠ .

٢٠